فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس
بينات من الآيات
آيات لقوم يتفكرون

[3] [ و هو الذي مد الأرض ]

لابد من ربط جزئيات الحياة بمحور واحد لكي لا تستقطب جزئيات الحياة كل اهتمامنا و تصرفنا عن الهدف ، و عندما لا نربط هذه الجزئيات بالمحور الاساسي نرى الفروق و الاختلاف ، بينما حين ننظر اليها معا نهتدي الى المدبر الواحد و هو الله الذي يدبر هذه الجزئياتو يوجهها .

ما الذي نرى حولنا ضمن هذا الأطار العام .

نرى الارض وهـي كتلـة كبيـرة تسبح في الكون مدها الله سبحانه على طول البصر ، و لم يجعل استدارتها شديدة لتسهيل البناء عليها و الزرع ، ولا منافات بين استدارة الارض و امتدادها ، فالارض مستديرة ، و لكنك مهما نظرت اليها من أي جهة فستجدها ممدودة و الامتداد هذا دليل آخر على الاستدارة ، فانت مهما سرت في خط مستقيم تجد الارض ممدودة الى أن تعود الى مكانك .

[ و جعل فيها رواسي و انهارا ]

لم يترك الله سبحانه الارض تميد بمن فيها ، بل ثبتها بالجبال ، أليست الجبال تدل على المدبر ؟! و عندما الجبال لابد أن نذكر الأنهار لأن الأنهار صنيعة الجبال ، كما جاء في توحيد المفضل عن الامام الصادق (ع) :

" انظر يا مفضل الى هذه الجبال المركومة من الطين والحجارة التي يحسبها الغافلون فضلا لا حاجة اليها ، و المنافع فيها كثيرة ، فمن ذلك أن تسقط عليها الثلوج فتبقى في قلالها لمن يحتاج اليه ، و يذوب ما ذاب منه فتجري منه العيونالغزيرة التي تجتمع منها الانهار العظام " (1)يقول علماء الجيولوجيا : ان الارض تعتمد على شبكة قوية و منظمة من الصخور المتصلــة مع بعضها داخـل القشرة الارضية و التي تكون نتوءات أو مرتفعات بعض الاحيان ، و لو لا هذه الشبكة داخل و خارج الارض لتناثرت الارض يمينا و شمالا مع دوران الارض ، و لما صارللأرض شكلا معينا ، فالجبال و الشبكة الداخلية لها كالهيكل العظمي للأرض يحفظ شكلها .

[ و من كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين ]

ما علاقة الأرض بالجبال ، و ما علاقة الأنهار بالجبال ، و ما علاقة النبات بالأنهار .

هذه اشياء مختلفة لكن كل واحد يخدم الآخر ، ألا يدل ذلك على وحدة الصانع ، و أن الاشياء مهما اختلفت فهناك رابط دقيق يربط بين عناصر الكون .

فالنبات له دلالة كبيرة اذ لم يخلق من النبات جنسا واحدا ، بل من كل نوع من النبات جنسين ذكر و أنثى ليتم التناسل و التكاثر ، الا تكمن حكمة الله في ذلك ؟!

[ يغشى الليل النهار ]

و هذا الاختلاف دليل آخر على وحدانية الله سبحانه ، و اما لماذا قال بأن الليل هو الذي يغشى النهار ، فلأن الأصل في الحياة هو الليل ، فتأتي الشمس لتبدد هذا الظلام بعضا من الوقت ، هذا من ناحية ، و من ناحية أخرى فان الليل و النهار لهما(1) بحار الانوار - ج 3 - ص 127


فوائد جمة لا يدركها الا العاقلون ، و الامام الصادق (ع) يفصل ذلك للمفضل بقوله :

" فكر يا مفضل في مقادير النهار و الليل كيف وقعت على ما فيــه صلاح هذا الخلق ، فصار منتهى كل واحد منهما - اذا امتد - الى خمس عشرة ساعة لا يجاوز ذلك ، أفرأيت لو كان النهار يكون مقداره مائة ساعة أو مائتي ساعة ؟ الم يكن في ذلك بوار كل ما في الارضمن حيوان او نبات . ؟! اما الحيوان فكان لا يهدأ و لا يقر طول هذه المدة ، و لا الانسان يفتر عن العمل و الحركة ، و كان ذلك سيهلكها أجمع ، و يؤديهــا الـى التلف ، و أما النبات فكان يطول عليه حر النهار و و هج الشمس حتى يجف ويحترق ، كذلك الليل لو أمتد مقدار هذه المدة كان يعوق اصناف الحيوان عن الحركة و التصرف في طلب المعاش حتى تموت جوعا ، و تخمد الحرارة الطبيعية عن النبات حتى يعفن و يفسد كالذي تراه يحدث على النبات اذا كان في موضع لا تطلع عليه الشمس " (1)[ إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ]

ان آيات الله في الكون مبثوية ، و روحك عطشى الى معرفة الحقيقة ، و لكن الحقيقة لن تأتي إليك إلا حين تذهب اليها أنت ، فأنت بحاجة الى إعمال ذهنك و تفكيرك كي تفهم و تتعض من هذه الآيات ، و التفكير يعتمد على تحريك العقل و اثارة دفائنه ، و ربط الاشياء ببعضها ، و ربطها كلها بخالقها و مدبرها .


آيات لقوم يعقلون :

[4] [ و في الأرض قطع متجاورات ]

أن الارض تحتوي على قطع متجاورة يختلف بعضها عن بعض ، فبعضها ارض(1) بحار الانوار - ج 3 - ص 118


سبخة ، و بعضها ارض زراعية ، و بعضها صخرية .. و هكذا .. و قد جاء في الحديث عن العياشي :

" يعني هذه الارض الطيبة مجاورة بهذه الارض المالحة و ليست منها ، كما يجاور القوم القوم و ليسوا منهم " . (1)[ و جنات من أعناب و زرع و نخيل صنوان و غير صنوان يسقى بماء واحد ]كما ان اختلاف الارض المتجاورة آية لله تدل عيه ، فالجنان و الخمائل الغناء من الاعناب و الزروع المختلفة و النخيل آيات أخرى ، و العجيب أن بعض هذه النخيل اثنتين تخرج من اصل واحد ، و الاعجب هو اختلاف ثمار الاشجار علما بأنها تستقي من ماء واحد ، و تستمدالغذاء من ارض واحدة ، و ان الشجرة تنبت نوعا واحدا مهما وضعتها في تربة مختلفة أو في جو مختلف .

[ و نفضل بعضها على بعض في الأكل ]

لم يقل : " انها تتفاضل على بعضها " و انما قال " و نفضل " أي ان الله هو الذي أعطى لكل ثمرة خاصية في الطعم و اللون و الشكل و المنفعة ، و ما اختلاف الطعم الا دلالة على اختلاف المواد و الفوائد ، و ما اختلاف المواد و الفوائد الا دليل على حكمة ربانية ، فجسمك يحتاج الى نسبة معينة من الحديد ، لذلك تجدها في بعض الخضروات ، و كذلك بالنسبة انواع الفيتامين و السكريات و غيرها .. علما بأن مقدار ما يحتاجه جسمك موجود في فاكهة معينة او ليس هذا دليل على وجود تدبير موحد بين حاجة الجسم و نسبةهذه الحاجة في هذه الثمرة ، ثم أليس يدل على أن رب الثمرة و خالقها هو خالقك ؟


(1) تفسير العياشي ج 2 / 203


[ ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون ]

العقل هو الاستيعاب ، وقد اكد عليه هنا بينما في المرة السابقة قال : " ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " فهاتان الآيتان تقودنا الى فكرة و هي : أن التفكير بداية العقل و العقل هو طريقة الهداية .


لماذا الكفر بالبعث ؟

[5] [ و إن تعجب فعجب قولهم ءأذا كنا ترابا ءإنا لفي خلق جديد ]إذا كنت تعجب من شيء فهناك شيء أعجب و هو قول الكفار بانكار البعث بعد الموت ، و لكن هل ان الموت نهاية كل شيء ؟

في الحقيقة ان العقل يقضي بأن يكون هناك يوم يحاسب فيه كل انسان ، و يرجع ليقف امام ظالم فينتصف منه ، أو ينتصف هو منه اذا كان ظالما له ، و الانسان الذي يرى عظمة الكون كيف ينكر البعث ، اليس ذلك دليل على عدم استيعابه لحقائق الكون ؟ أو ليس من العبث أنيعيش الانسان خبالا مضلا و يترك ؟ و لكن هل من المستحيل على خالق هذا الكون ان يعيده كما كان ؟! إن انكار البعث في الحقيقة هو انكار للمسؤولية ، و جحد للامر المفترض اتباعه و من هنا فان إنكار الحقيقة الواضحة يسمى كفرا .

[ أولئك الذين كفروا بربهم ]

قد يقول البعض : اننا نؤمن بالله و لكن لا نؤمن بالبعث ، و الحقيقة ان الكفر بالبعث ينسحب على سائر الاشياء ، فالكفر بالبعث كفر بالله بدرجة أولى ، لأنه إنكار لقدرة الله و عدله ، و هل يكون المنكر لصفات الله كلا أو بعضا الا كافرا ؟

[ و أولئك الأغلال في أعناقهم ]


يظهر من النصوص أن : " الجزاء من جنس العمل " فلأنهم غلوا اعناقهم في الدنيا بأغلال المصلحية و الأفكار البعيدة و أوصدوا أبواب فكرهم كان جزاؤهم في الآخرة ان يغلو كما غلوا أنفسهم .

[ و أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ]

هذه هي النهاية المثلى لمن يكفر بالآخرة ، و ما جزاء من يتهرب من المسؤولية في الدنيا الا أن يسجن في الآخرة ، و ما جزاء من يرفض الأمر الواقع ، الا أن يقع في واقع النار !!

وقد سماهم الله اصحاب النار . أي بينهم و بين النار صداقة لا يفترقان ، و قد سماهم الله اصحاب النار في الدنيا ، لأن النار نتيجة حتمية لهم ، و النار وفيه لأصحابها .


سنة الله و موقف الكفار :

[6] [ و يستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة ]

أليس من الحمق أن يفضل الانسان السيئة على الحسنة ، هل لأن الحسنة لا تعجبه فيتمنى العذاب ، و لكنهم في الحقيقة نسوا ما حل بمن قبلهم قوم نوح ، و عاد ، و ثمود ، و قوم لوط ، و اصحاب الرس .. و غيرهم .

[ و قد خلت من قبلهم المثلات و إن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ]ان رحمة الله سبقت غضبه ، فهذه بشارة الله للمذنبين بأن يتوب عليهم إن هم تابوا اذ ان مشكلــة اغلب الناس أنهم عندما يرون أنفسهم في الفساد ييأسون من رحمة الله ، و يجزمون بأن الله لا يغفر لهم فيبقون على ما هم عليه .


[ و إن ربك لشديد العقاب ]

ان الله رحيم بعباده و يقبل التوبة عنهم ، و لكنه شديد العقاب لمن استمر في ظلمه ، مغفرته تقف في حدود الحياة اليومية ، و لكن إذا عثى الانسان في الظلم فان جهنم هي المثوى و المصير .

فـي مجمع البيان : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم :

" لولا عفو الله و تجاوزه ما هنأ احد العيش ، و لو لا وعيد الله و عقابه لا تكل كل أحد " (1)الاستخلاف :

[7] [ و يقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه ]هؤلاء لا يكفيهم ما عندهم من الآيات ، بل يريدون المزيد ، و لكن الله يصف الرسول بقوله :

[ إنما أنت منذر ]

هذه حدودك أيها الرسول ، فليس من مسؤوليتك ان تأتي بالآيات ..

[ و لكل قوم هاد ]

هذه الآية نزلت في رسول الله و علي بن أبي طالب (ع) اذ هو الهادي لأمة محمد (ص) بعده ، و قد بلغت الروايات في هذا المجال حد الاستفاضة و منها ما جاء(1) تفسير الصافي - ج 3 - ص 58


في دعاء الندبة في حق علي (ع) :

" إذ كان هو المنذر و لكل قوم هاد "

و قد جاء في تفسير العياشي ، قال امير المؤمنين عليه السلام :

" فينا نزلت هذه الآية " " انما أنت منذر و لكل قوم هاد "فقال رسول الله (ص) :

" انــا المنــذر و أنت الهــادي يا علــي ، فهنا الهادي و النجاة و السعادة الى يوم القيامــة " . (1)(1) تفسير نور الثقلين - ج 2 - ص 484

ينابيع الايمان و عوامل الشرك


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس