فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس
بينات من الآيات


علم الله :

[8] لو عرف الانسان أن ربه محيط به علما لأطمأن الى رحمته ، و لخشي عذابه لأنه آنئذ يشعر بأن الله يحيط بسكناته و حركاته .. سره و جهره ، و لاستقامت سيرته و سلوكه ، و الآيات القرانية تذكرنا بهذه البصيرة المرة بعد الأخرى ، و ذلك بسبب غيابها عنا ، و عدمحضورها في تصورنا ، و غيابها عنا كان السبب المباشر لانحرافاتنا و علم الله بالانسان شامل فمنذ ان كان جنينا يعلم تفاصيل حياته .

[ الله يعلم ما تحمل كل أنثى و ما تغيض الأرحام و ما تزداد ]ان علم الله احاط بالجنين هل هو ذكر أم أنثى ، و هل سيعيش شقيا أم سعيدا ، و يعلم اثناء الحمل و عند الولادة ما سيحمله الجنين من صفات كما انه دبر أمر الانسان جنينا فأطعمه و سقاه .

جاء في توحيد المفضل عن الامام الصادق (ع) :

" اعتبر يا مفضل فيما يدبر به الانسان في هذه الاحوال المختلفة ، هل ترى مثله يمكن ان يكون بالاهمال .. ؟ أفرأيت لو لم يجر اليه ذلك الدم و هو في الرحم ، ألم يكن سيذوي و يجف كما يجف النبات اذا فقد الماء ؟! " .

و في موضع آخر قال المفضل : فقلت : صف نشوء الابدان و نموها حالا بعد حالحتى تبلغ التمام و الكمال ، قال عليه السلام :

" اول ذلك تصوير الجنين في الرحم حيث لا تراه عين ، ولا تناله يد ، ويدبره حتى يخرج سويا مستوفيا جميع ما فيه قوامه ، و صلاح الاحشاء و الجوارح والعوامل الى ما فـــي تركيب اعضائه من العظام و اللحم و الشحم والعصب و المخ و العروق و الغضاريف ، فاذا خرج الى العالم تراه كيف ينمو بجميع اعضائه و هو ثابت على شكل و هيئة لا تتزايد و لا تنقص الى أن يبلغ أشده " (1)و علم الله محيط بما تحمل الاناث من الأجنة " و ما تغيض " أي ما تفيض و تسقط مما لم يكتمل خلقه " و ما تزداد " سواء كانت الزيادة في العدد أو الزيادة في الاعضاء .

جاء في تفسير العياش عن الامام الصادق (ع) :

" ما تحمل انثى : الذكر و الانثى ، و ما تغيض الارحام : ما كان من دون التسعة و هو غيض ، و ما تزداد : ما رأت الدم في حال حملها ازداد به عن التسعة أشهر .

" ما تغيض : ما لم يكن حملا ، و ما تزداد : الذكر و الانثى جميعا " (2)[ و كل شيء عنده بمقدار ]

لكل شيء في هذا الكون حد محدود ، و قدر مكتوب فنحن لا نعرف هذه الأقدار لذلك ننسب الاشياء الى الكبر و الصغر ، و الطول و القصر ، و لكن لو تعمقنا لعلمنا ان(1) بحار الانوار - ج 3 - ص 117 - 119

(2) تفسير الصافي - ج 3 - ص 59


الحرارة في جسم الانسان بقدر معين ، و ان للجبال قدرا و أوزانا معينة ، بل لكل معدن قدر معين في الكثافة و الكتلة و الوزن ، و حتى الهواء و الضياء له وزن و مقدار .


مظاهر علم الله :

[9] [ عالم الغيب و الشهادة ]

الغيب عنده كما الشهود ، كلاهما يتساوى عنده في الظهور .

[ الكبير المتعال ]

انه اكبر من ان يوصف و انما يتفاضل الاشياء بالكبر و يقاس ببعضها اذا كانت من جنس واحد ليس الله من جنس الاشياء بل انه الخالق و هي مخلوقات لذلــك جاء في الحديث : ان رجلا كبر عند الامام الصادق (ع) فسأله (ع) :

" الله اكبر من أي شيء ؟

فقال ( الرجل ) : من كل شيء ، فقال عليه السلام :

حددته !

فقال الرجل : كيف أقول ؟ قال :

قل : الله اكبر من أن يوصف "

و في حديث : ان الامام بعد ما سأل الرجل عن أن الله اكبر من اي شيء ؟ و قال له : أنه اكبر من كل شيء . اجابه الامام فقال :

" و كان ثمة شيء فيكون اكبر منه !!!


فقال : و ما هو ؟ فقال :

اكبر من ان يوصف " (1)

و المتعال : مهيمن على كل شيء و متعال عليه ، و أنه لا يماثل شيء و لا شــيء يماثلــه .

[10] [ سواء منكم من اسر القول و من جهر به و من هو مستخف بالليل و سارب بالنهار ]كما الغيب و الشهادة عنده سواء كذلك المكتوم من القول و المجهور به ، و كذلك هو محيط علما بمن يكمن في الليل ساريا بظلامه ، و من يتحرك نهارا ساربا في ضوءه .


حتى يغيروا ما بأنفسهم :

[11] [ له معقبات من بين يديه و من خلفه يحفظونه من أمر الله ]أي ملائكة يتعاقبون بعضهم بعد بعض ليحفظوا الانسان من الوقوع في الاخطار ، و لكن اذا كانت الملائكة تحفظنا من الوقوع في الأخطار فلماذا نموت ، و لماذا تصيبنا المخاطر كل لحظة ؟

اما لماذا نموت فان أجل الانسان اذا جاء لا تمنع الملائكة منه ، بل انها سوف تخلي بين الانسان و بين حتفه ، اما لماذا نتعرض للمشاكل كل لحظة ، فهذا ما ستجيب عليه نهاية الآية :


(1) تفسير الصافي - ج 3 - ص 228


و لنا نتساءل : ما علاقة الانسان بالملائكة حتى يحفظوه ؟

أولا : الملائكــة عباد مكرمون لله ، لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون .

ثانيا : ان لكل شيء في الحياة ملكا موكلا به ، فللسحاب ملك موكل به و للرعد ملك موكل به ، و للبحر ملك موكل به - و هكذا .. يكون للأنسان ملك موكل به ، لأنه جزء من الطبيعة .

ثالثا : ان الله عندما أسجد ملائكته لآدم فان ذلك دلالة على سجود الطبيعة و تسخيرها له و هكذا سخر الله الملائكة لخدمة الانسان .

اذا لنرجع الى نهاية الآية و نقول : ان الانسان هو الذي يصنع واقعه بنفسه ، و لا نشك ان للتصرفات و السلوك الانساني دخلا في صنع الظروف المؤثرة فيه ، فباستطاعتك ان تغير نفسك ، و اذا غيرت نفسك فانك آنئذ تغير ما حولك .

و هكذا الظروف التي تمر بها الأمة الاسلامية ، وما مرت به بالأمس انما كان بسبب نفسـي ، فاذا لا يجب ان نلقي اللوم على الحكام وحدهم ، بل يجب ان نراجع حساباتنا ، و نمارس النقد الذاتي الصريح بحق أنفسنا .. و هذا هو العلاج الأمثل لذلك قال ربنا :

[ ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم و إذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له و ما لهم من دونه من وال ]ان الله هو المهيمن الواحد ان شاء أعطى ، و ان شاء محق النعم ، و لكن الله سبحانه لن يصيب قرية بالسوء و أهلها مصلحون ، فاذا دبر الله لأي قوم سوء ، فانما ذلك بما كسبت أيديهم ، و حين يصب الله السوء على قوم فليس هناك من يحول بينـــه و بين ارادتـــه .



آيات القدرة و الهيمنة في السماء :

[12] [ هو الذي يريكم البرق خوفا و طمعا ]

خوفا من الصواعق ، و طمعا لما تنبئ به من المطر و الخيرات .

[ و ينشئ السحاب الثقال ]

السحاب المثقل بالأمطار .

جاء في حديث طويل في جدال للامام الصادق مع ملحد في التوحيد يشتهر باسم توحيد الاهليليجية :

" ثم نظرت العين الى العظيم من الآيات من السحاب المسخر بين السماء و الارض بمنزلة الدخان ، لا جسد له يلمس بشيء من الارض و الجبال ، يتخلل الشجر فلا يحرك منها شيئا و لا يهصر منها غصنا ، و لا يعلق منها بشيء ، يعترض الركبان فيحول بعضهم من بعض من ظلمته و كثافته ، و يحتمل من ثقل الماء و كثرته ما لا يقدر على صفته ، مع ما فيه من الصواعق الصادعة ، و البروق اللامعة ، و الرعد و الثلج ما لا تبلغ الأوهام صفته ، و لا تهتدي القلوب الى كنه عجائبه ، فيخرج مستقلا في الهواء يجتمع بعد تفرقه ، و يلتحم بعد تزايله ، تفرقه الرياح من الجهات كلها الى حيث تسوقه باذن الله ربها ، يسفل مرة ، و يعلو اخرى ، متمسك بما فيه من الماء الكثير الذي اذا ازجاه صارت منه البحور ، يمر على الاراضي الكثيرة ، و البلدان المتنائية ، لا تنقص منه نقطة حتى ينتهي الى ما لا يحصى منه الفراسخ فيرسل ما فيه قطرة بعد قطرة ، وسيلا بعد سيل ، متتابع على رسله حتى ينقع البرك ، و تمتلئ الفجاج ، و تمتلئ الاودية بالسيول كأمثال الجبال غاصة بسيولها ، مصمخة الآذان لدويها و هديرها ، فتحيي بها الارض الميتة فتصبح مخضرة بعد ان كانت مغبرة ، و معشبة بعد ان كانت مجدبة ، قد كسيت ألوانا من نبات عشب ناضرة


زاهرة مزينة ، معاشا للناس و الانعام فاذا أفرغ الغمام ماءه أقلع و تفرق و ذهب حيث لا يعاين و لا يدري اين توارى " (1)[13] [ و يسبح الرعد بحمده ]

التسبيح هو التنزيه ، فهذا الرعد بقوته يخضع الى الله سبحانه ، و من تخضع له القوة أليس بقوي ؟!

[ و الملائكة من خيفته ]

هذه الملائكة هي المهيمنة على الطبيعة ، آية سلطان هيمنة الله علينا تسبح بحمد الله خوفا منه لبعض المعرفة بالله و قد ورد في الدعاء في الصحيفة السجادية عن الامام علي بن الحسين عليهما السلام في دعائه للملائكة و السلام لهم :

" و على الملائكة الذين من دونهم من سكان سماواتك ، و اهل الامانة على رسالاتك ، و الذين لا تدخلهم سأمة من دؤوب ، و لا أعياء من لغوب و لا فتور ، و لا تشغلهم عن تسبيحك الشهوات ، و يقطعهم عن تعظيمك سهو الغفلات ، الخشع الابصار فلا يرمون النظر اليك ، النواكس الاذقان الذين قد طالت رغبتهم فيما لديك ، المستهترون بذكر آلائك ، و المتواضعون دون عظمتك و جلال كبريائك ، و الذين يقولون اذا نظروا الى جهنم تزفر على اهل معصيتك ، سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ، فصل عليهم " (2)[ و يرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ]


(1) بحار الانوار - ج 3 - ص 163

(2) الصحيفة السجادية - ص 46


الصاعقة آية من آيات القدرة يرسلها الله على من يشاء من عبيده العاصين .

[ و هم يجادلون في الله و هو شديد المحال ]

ابعد هذه القدرة و الهيمنة يجادلون في الله ؟ بلى ان الله شديد القوة و المكر ، سيصيبهم بما كسبوا قارعة او يحل قريبا من دارهم البوار .


الايمان بالله و متاهات الشرك :

[14] [ له دعوة الحق ]

أي اليه ترجع دعوة الحق ، فالعبادة الصحيحة ترفع الى الله سبحانه و يستجيب لها .

[ و الذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه و ما هو ببالغه ]هذا هو حال من يعبد غيره ، انه لن يصل الى نتيجة ما ، فهو يعبد غيره لعله يصل الى مرداه ، و لكنه لن يصل ، وسيبقى عطشانا أبدا ، لانه رام الارتواء من غيره و قد جاء في تفسير ( علي بن ابراهيم ) عن الامام الباقر (ع) :

" فهذا مثل اضربه للذين يعبدون الاصنام و الذين يعبدون آلهة من دون الله ، فلا يستجيبون لهم بشيء و لا ينفعهم الا كباسط كفيه الى الماء ليتنـــــاوله من بعيـــــد و لا ينالــه " (1)[ و ما دعاء الكافرين إلا في ضلال ]


(1) تفسير نور الثقلين - ج 3 - ص 461


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس