لقد كان في قصصهم عبرة [9] و هكذا سعى الأنبياء السابقون على موسى .. كم كان عددهم .. لا يعلمهم الا الله ، ولكن قصصهم واحدة ، و قد جرت ضمن الفصول التالية : ألف : جاؤوا بالبينات الواضحة . [ ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح و عاد و ثمود و الذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات ]لقد وفر الله للبشر نور العقل و هو يكفيه حجة بأدنى تذكرة . بيد ان ربنا أتم حجته عليهم بالحجج الواضحة التي لا ينكرها الا المعاندون . باء : أما الناس فقد ردوا ايديهم و وضعوها في أفواههم اشارة الى ضرورة السكوت ، كما يفعل من لا يريد الكلام فيجعل يده على فمه ليقول للآخر : افعل هكذا و اسكت ، و هؤلاء لم يكتفوا بطلب السكوت من الأنبياء بل اشاروا و الى ذلك بايديهم أيضا توغلا في العناد ،و ليبقى عملهم شاهدا على أنهم اساسا لم يستمعوا الى القول فكيف بقوله . [ فردوا أيديهم في أفواههم ] قال بعضهم : إن الناس ردوا أيدي الرسل الى أفواه الرسل لاسكاتهم أو ردوا أيديهم هم الى أفواه الرسل لاسكاتهم . [ و قالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به ] و كفــرهم سبق شكهم . لأنهم قرروا الكفر عنادا ، ثم ارتابوا بعدئذ ، كما جاء في الحديث : " لا تجعلوا علمكـم جهــلا ، و يقينكم شكا . اذا علمتم فاعملوا ، و اذا يقنتم فاقدمــــوا "[ و إنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب ] [10] جيم : أما الرسل فقد ربطوا بين رسالتهم و بين الذي اوحى بها و هو الله ، و بدأوا من نقطة البداية قائلين : أفي الله شك ؟! فمن اذا خالق السماوات و الأرض و فاتقهما بعد ان كانتا رتقا ؟! قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السموات و الأرض ] و اذا أنتفى الشك في الله ، فان كل شك و ريب آخر في الرسالة سيكون باطلا ، لأنه هو الذي بعث بالرسل ، و اظهر على ايديهم المعاجز . دال : و بعد ان عالجوا المشكلة العقلية عندهم بتذكرتهم بفاطر السموات و الأرض و بأنه لا شك فيه لأنه وجداني . بعدئذ أخذوا يعالجون السبب الحقيقي لكفرهم و هو مشكلتهــم النفسية ، و أثاروا فيهم حبهم لأنفسهم فقالوا : ربكم يدعوكم برسالاته لمصلحتكم . [ يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ] و لنا ان نتساءل : لماذا لا يغفر ربنا كل الذنوب ؟ أولا : ان بعض الذنوب يأتي بها العبد تكبرا و عنادا ، ففي الحديث : " قــــــد يرى اللــه عبده عـــلى ذنب فيقــــول لــه : افعـــل ما شئت فانــي لا أغفر لك ابـــدا "ثانيـــا : ان بقاء بعض الذنوب سيف مسلط على غرور البشر ، و أمنه من كيد الله ، و عجبه بذاته لكي يبقيه ابدا بين الخوف و الرجاء . [ و يؤخركم إلى اجل مسمى ] ذلك لان دعوة الأنبياء ليست من أجل اخلاد البشر في نعم الدنيا التي لا تبقى ، و هم لا يبقون لها ، بل من اجل توفير الفرصة له ليستمر الى آخر اجله المحدد له سلفا ، و الا تنزل عليه الكوارث فتبيده قبل حلول أجله . [ قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا ] و كيف نقبل بولايتكم علينا ام كيف يخصكم الله بالرسالة من دوننا ، و كان من ضعف ثقتهم بانفسهم كبشر انهم لم يصدقـوا أنفسهم ان يبعث الله اليهم بشرا رسـولا . هاء : ثــــــــــم قالوا إن تعاليمكــم مخالفة لتقاليدنا التي ورثناها من آبائنا و تعودنا عليهـــا . [ تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا ] واو : فطالبوهم بحجة أقوى من مجرد التذكرة ، بحجة مادية مثل احياء الموتى و تفجير ينابيع الأرض ذهبا ، و العروج الى السماء ، ليضطروا الى الايمان ، و لم يكتفوا بهدى عقولهم ، و لم يقاوموا ضغط التقاليد بارادة التحرر منها لذلك قالوا : [ فأتونا بسلطان مبين ] [11] زاء : و اعترف الرسل بأنهم بشر ، لا يتميزون عن غيرهم سوى الوحي الذي هو مضاف الى شخصياتهم ، و ليس جزء منها . [ قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ] و هذا التأكيد القرآني جزء من دعوة الرسل ، و دليل صدق على انهم لم يجعلوا الإفتراء على الله وسيلة للمكاسب المادية ، و لا يريدون ذلك و لا يسمح لهم ربهم بذلك أبدا . [ و لكن الله يمن على من يشاء من عباده ] بالرسالة ، و بقدر ما يمن الله يصبح الرسول عظيما ، لذلك لا يملك الرسول قدرة الإيتاء بالآيات الجديدة حسب رغباته . [ و ما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بأذن الله ] و الأهم من ذلك اننا نعتمد على الله في تبليغ الرسالة و حتى دعوتنا لكم ليست بقوانا الذاتيـــة ، و لا بحسب قدراتنا الخاصة عندما نقوم على أمر ، بل بقوة الله و قدرته المطلقة . [ و على الله فليتوكل المؤمنون ] [12] التوكل على الله عند الأنبياء و المؤمنين بهم أصدق شاهد على انهم من قبل الله لماذا ؟ لما يلي : أولا : حب الذات و الحفاظ على المصالح ، فطرة بشرية راسخة في اعماق ذات كل انسان ، و لا يمكن لأحد الا لمجنون ان يعرض نفسه للخطر ، لمجموعة أوهام و خرافات لا تؤمن بها يمكن ان تكذب لتحصل على مصلحة أما ان تكذب لتحصل على صفعة ، فمستحيل الا اذا كنت مجنونا. ثانيا : يختلف الفرد الذي يتحرك في الناس بقدراته الذاتية عمن هو مدعوم من قبل قوة أخرى . فسلوك الموظف او الشرطي أو الجاسوس او المنتمي الى حزب قوي يختلف كثيرا عن سلوك الفرد العادي . و الرسل عليهم السلام كانوا يقدمون بلا حساب على المخاطر و هم واثقون بالنصر . أو ليس هذا دليل على أنهم قد بلغوا الحقيقة . و لذلك ربطوا بين التوكل الظاهر في ابعاد حياتهم ، و بين الهدى الذي رزقهم الله اياه ، فهم عرفوا الحق و لذلك ضحوا من أجله . [ و ما لنا ألا نتوكل على الله و قد هدانا سبلنا ] و كانوا يتحملــون الصعاب فــي طريق رسالتهم كدليل على انهم واثقون من طريقهــم . [ و لنصبرن على ما آذيتمونا و على الله فليتوكل المتوكلون ]من شاء أن يعتمد على شيء فليعتمد على الله الذي لا يخيب أمل من توكل عليه ، فهو اذا حقيق بان يتوكل عليه المتوكلون . |
|