فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس
بينات من الآيات
الاستقلال الفكري

[35] طيلة اربع و ستين قرنا لا أقل كانت مكة بلدا آمنا بدعاء ذلك الشيخ الذي تجرد عن ذاته ، و عن علاقاته النسبية ، و ترك فلذة كبده اسماعيل و أمه في تلك الأرض القاحلة بهدف اقامة بيت الله ، يظلله السلام امام هجمات الشياطين المادية و الثقافية .

[ و إذ قال إبـراهيـم رب اجعــل هــذا البلد آمنا و اجنبني و بني أن نعبد الأصنام ]و هل كان ينفع السلام العسكري لو تم غزو ابناء ابراهيم ثقافيا و اجتماعيا ، و اقتصاديا و سياسيا ، لو كنت تزعم بأنك أقل شأنا من الأوربي و ان له حق السيادة عليك ، أو زعمت بان عائلة ( آل فلان ) هم اصحاب الملك و الحكم عليكم ، دون ان يكون له حق اختيارهم أو رفضهم ، أو زعمت ان الماركسية و اربابها هي أفضل لكمن عبادة الله ، فهل ينفعك الاستقلال العسكري شيئا .

ان اسوء انواع العبودية لا ريب هي السيطرة العسكرية و هي ما دعا ابراهيم ربه ان يأمن اهل مكة منها ، و قد استجاب له ربه دعاءه ، و ابرز مظاهره ذلك هلاك أصحاب الفيل ، حيث حمى ربنا البلد الحرام من الاحتلال العسكري ، و هو ما يسميه بالطاغوت .

و لكن أصنام العبودية الثقافية ، أو التبعية الأجتماعية و الأقتصادية و السياسية أخفى خطرا ، و لم يستجب فيها ربنا دعاء ابراهيم ، اذ يتنافى و ما قدر الله من حرية البشر في الدنيا .

[36] و لأن أقوى اسلحة الجبت ، و عبادة الأصنام هو الاحساس القوي عند الفرد بضرورة التوافق الاجتماعي ، فان ابراهيم ( عليه السلام ) أكد ان الأصنام قد اضللن كثيرا من الناس ، لكي يعرف الانسان ان اتباع الناس يعني الضلالة في الأغلب فيتحصن ضد غرور الكثرة .


[ رب إنهن أضللن كثيرا من الناس ]

ان الأصنام تتجسد في قوى اجتماعية ثقافية ، أو اجتماعية و سياسية ، و ربما لذلك نسب الضلالة اليهن ، و جاءت بصيغة الجمع فلم يقل أضلت بينما كان ذلك الأنسب الى غير ذوي العقول ، لو كانت الأصنام هذه الأحجار و الأخشاب المعبودة .

و من جهة ثانية : لأن قريشا خدعوا ضمائرهم حين استسلموا لضغوط الأصنام ، و برروا موقفهم المتخاذل من التوحيد بأنهم أولاد ابراهيم فلا ضير عليهم ، كما فعلت بنوا اسرائيل مثل ذلك ، لذلك أكد ابراهيم (ع) براءته منهم .

[ فمن تبعني فأنه مني و من عصاني فأنك غفور رحيم ]


ربما لم يقل ابراهيم و من عصاني فان عذابك شديد لكي يتجنب الذاتية في تعبيره فلا يضمن تعبيره انه هو سبب العذاب .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس