بينات من الآيات مراحل الخلق المرحلة الأولى : [26] كيف خلقا الله الانسان الأول ؟ ان ربنا أحسن الخالقين قد يخلق شيئا بقوله كن فيكون " أنما أمره اذا أراد شيئا ان يقول له كن فيكون " و قد يخلقه وفق السنن و الأنظمة ، و قد خلق جسد الانسان بهذه الطريقة حسبما تشير اليه تكاملية خلقه و ضمير الجمع في " خلقنا " أما روحه فقد نفخها فيه بقدرته المطلقة و بصورة مباشرة حسبما توحي اليه آية " قل الروح من أمر ربي " و ضمير المفرد في قوله هنا : و نفخت فيه من روحي . و هكذا تدرج الانسان من تراب ، ثم الى طين لازب و الى حمأ مسنون و الى صلصال كالفخار ، و الى ان سواه ربنا انسانا فنفخ فيه من روحه . [ و لقد خلقنا الانسان من صلصال من حمأ مسنون ] الصلصال : الطين الجــاف ، الحماة ، و الحمأ : طين اسود منسق ، و المسنون : المتغير . يبدو ان ربنا أجرى على التراب ماء فتفاعل معه فاصبح طينا لازبا ، ثم تفاعل معه فاصبح متعفنا ، ثم نمت الحياة فيه بفعل التفاعل و خلق فيه الحياة فأصبح مستويا ، ثم نفخ الله فيه روح العقل و الأرادة ، فاستحق سجود الملائكة . قال صاحب مجمع البيان : واصل آدم ترابا ، و ذلك قوله : " خلقه من تراب " ثم جعل التراب طينا ، و ذلك قوله : " و خلقته من طين " ثم ترك ذلك الطين حتى تغير و استرخى و ذلك قوله : " من حمأ مسنون " ثم ترك حتى جف و ذلك قوله : " من صلصال " فهذه الأقوال لا تناقض فيها . اذ هي أخبار عن حالاته المختلفة . (1)الطبائع البشرية : و يبدو ان لكل اصل من اصول البشر رواسب في خلقته ، فلأنه من تراب يحن الى الأرض ، و يحب العمارة فيها ، و ينبغي ان يكون خاضعا لله ، ساجدا عليها ، لا يرى أحد انه افضل من غيره بطبعة لأن طبعهم جميعا هو التراب . و لانه من طين لازب فهو ابن الشهوات و الأهواء ، و لكنه يتصلب على شيء بسبب كونه من صلصال ، و تلك جميعا طبائع البشر المادية ، أما الروح فلها خصائص أخرى . [27] قبل ان يخلق الله البشر خلق عدوه - الجان - الذي يقابل الأنس ، ذكر هنا بلفظة جان للدلالة على طبيعته كما نقول الانسان ، و نشير الى طبيعته دون(1) مجمع البيان ج 5 - 6 / ص 335 ملاحظة أفراده . كيف خلق الجان ، يبدو ان ريحا تحمل السموم بسبب حرارتها ، و قد عصفت فاوجدت نارا فخلق الله منها الجان . [ و الجان خلقناه من قبل من نار السموم ] [28] و أما كيف أصبح الجان عدو الانسان فلذلك قصة أخرى بدأت مع اخبار الله ملائكته : انه سوف يخلق بشرا . [و إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون ]و عرف الملائكة طبيعة هذا الخلق كما جاء في سورة البقرة . انه ما دام من الطين فلا بد ان يفسد في الارض . المرحلة الثانية : [29] و لكن الله انبأهم ان له طبيعة اخرى يستحق بها السجود و الخضوع تلك هي روحه الألهية . [ فاذا سويته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ]و يبدو ان التسوية هي تكامل جميع الاعضاء ، و تعادل الغرائز و هذه مرحلة تسبق مرحلة بث الروح . [30] أما الملائكة التي هي الأرواح المطيعة لربها ، المكلفة بتسيير الخليقة حسبما يأمرها جبارها ، فانها سجدت لآدم لمكان الروح التي نفخت فيه من الله . [ فسجد الملائكة كلهم أجمعون ] و كما أستوحينا من آية في سورة البقرة : ان الملائكة ترمز الى قوى الطبيعة التي سخرت للبشر ، بينما بقيت قوة في الطبيعة هذه هي قوة نفسه الموكل بها أبليس . [31] لذلك لم ينضم إبليس إلى مجموعة الساجدين متعمدا و عن سبق اصرار . [ إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين ] [32] لم يرضى الرب بذلك ، بل نهره قائلا : [ قال يا إبليس مالك ألا تكون مع الساجدين ] فقوى الشر ليست ضمن برنامج السماء ، و لا هي مقضية من قبل الرب على البشر إنما هي شذوذ عن سنة الله ، و تمرد مؤقت لارادته ، و لذلك ينبغي الا يستسلم لها البشر و لا يعترف بشرعيتها ، و يناضل ضدها أبدا حتى ينتصر عليها باذن الله . [33] و تعليــــل إبليس كان اسوء من عمله . اذ زعم انه أفضل من آدم ، و أخطأ مرتيــن : مرة حين أعتقد ان ابن النار أفضل من ابن التراب ، و اعتقد ان افضلية المخلوق هي بأصله ، لا بعلمه و بفوائده . و المرة الثانية ؛ حين تمرد على أوامر الله ، اعتمادا على هذا الزعم ، فحتى لو كان أفضل من آدم - جدلا - فان سجوده بأمر الله ليس سجودا لآدم - في الواقع - بل لمن أمره و هو الله . ان طاعتك مثلا للنبي أو الامام ليست طاعة له في الواقع بل لله ، و إن تسليمكلأوامر قيادتك الألهية ليس تسليما لبشر ، بل لمن أمرك بذلك . [ قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون ]و نستوحي من هذه الآية : ان طينة الانسان لم تكن مقدسة تستدعي السجود منقبل الملائكة بل ان كرامته من الله ، و بقدر طاعته لله لان طينته كانت من طين يابس متخذ من طين متعفن ، و قد نفرت منه بعض قوى الطبيعة لزعمها أنها أفضل منها . [34] و لأن التمرد على الله ، و مخالفة الحق شذوذ في برنامج الحياة و ليس جزء مقدرا منه ، أو جانبا مقضيا ، فقد طرد ربنا أبليس من مقام الارادة و التوجيه ، و أبعده أيضا عن مقام الطبيعة المأمورة ، و رجمه باللعنة فهبط إبليس بذلاك ثلاث درجات : الاولى: حين قال له الله : [ قال فاخرج منها ] أي من مقام الملائكة حسبما يهدي إليه السياق ، وقالوا من الجنة أو من السماء أو من الارض ، و لان مقام الملائكة هو مقام الأمر حيث أنهم ينفذون أوامر الله على الطبيعة فهم وسائط أمــره عز وجل فلذلك كان اخراج إبليس من ذلك المقام الذي هو السماء بالنسبة الينا ، " السماء مصدر الأمر في القرآن " اللعنة الاولى . الثانية : حيث اسقطه الرب عن مقام سائر ما في الطبيعة مما إستسلمت لأوامر الله طوعا فأصبح رجيما و قال له الله : [ فإنك رجيم ] و نستوحي من الآية - مرة ثانية - ان العصيان شذوذ في الطبيعة لا قاعدة . [35] الثالثة : حين كتب عليه الرب اللعنة فأصبحت الطبيعة ضده و قال تعالى . [و إن عليك اللعنة الى يوم الدين ] و اللعنة هي الأبعاد من رحمة الله ، و يوم الدين هو يوم الجزاء . |
|