بينات من الآيات [85] تكفينا نظرة عميقة الى الطبيعة من حولنا لنعرف أن كل شيء خلق بحكمة و بهدف و لأجل محدود ، و هذا يهدينا الى الحكمة من خلق الانسان . و نتساءل : اذا كان خلق البشر أيضا لحكمة و اذا كان الانسان محكوما بسنة الحق كما الكون من حوله ، فلماذا يكتسب بعض الناس الجرائم دون أن يعاقبوا ، و يأتي الجواب : لأن الله قد وعد أن يأتي يوم الجزاء بعد يوم الإبتلاء ، اذا ينبغي الا يضيق صدرنا بما يفعله الكفار ، بل نتركهم بعد أن ننذرهم و بعد أن نهتم بشؤون المؤمنين من الناس . [ و ما خلقنا السماوات و الأرض و ما بينهما إلا بالحق و إن الساعة لأتية فاصفح الصفح الجميل ]بلى اذا تكتل المشركون و ارادوا منع المؤمنين من أداء فرائض دينهم و منعواالمستضعفين من الايمان ، فان الله يأذن للمؤمنين بالجهاد ، كما قال تعالى : " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا و أن الله على نصرهم لقدير " . الصفح : هو الإعراض ، و الإعراض الجميل هو الذي يسبقه الوعظ و الإرشاد ، و يلحقه التمني بالهداية . [86] و الله هو الذي خلق الكون و الإنسان هكذا لحكمة ، فلا يجوز أن أهلك نفسي من أجل الناس أو جبرهم على الإيمان . [ إن ربك هو الخلاق العليم ] السبع المثاني : [87] المشركون يملكون ألوانا من النعم المادية من الأموال و الأولاد و الزينة و القوة ، و نحن بدورنا نملك ألوانا من النعم المعنوية ، فلا سبب يدعونا الى محاربتهم للحصول على ثرواتهم لأننا أغنياء بثروتنا المعنوية . [ و لقد ءاتيناك سبعا من المثاني و القرءان العظيم ]لقد فسروا السبع من المثاني - بانه سورة الحمد لأنه تحتوي على سبع آيات و ذكرت فيها المترادفات أو المتقابلات مثل " الرحمن الرحيم " أو " إياك نعبد و إياك نستعين " اذا فهي مثاني ، أي محتوى أياتها مثنى مثنى . و يبدو أن القرآن الحكيم قد نزل على سبعة أحرف ، أو بتعبير آخر على سبعة أبواب للعلم تتلخص في سورة الحمد ، التي احتوت على معاني القرآن الحكيم بايجاز ، و تتبين في سائر آيات الذكر بتفصيل . و اذا كان نور القرآن يشع من مشكاة واحدة دون اختلاف أو تناقض ، فان آياتهمتشابهة و هي مثاني ، كما ان نعم الكفار ذات ألوان و هي أزواج . بعضها يزين بعضا ، و آيات القرآن بعضها يفسر بعضا . و يظهر من هذا البيان ان القرآن العظيم هو السبع المثاني و لا منافاة بين التفسيرين . التفسير الذي يقول : ان معنى المثاني هو الحمد ، و التفسير الذي يقول أنه القرآن كله لأن القرآن كله قد أوجز في تلك السورة . [88] و المؤمن يستغني بما لديه من ينابيع المعرفة ، عما يملكه الآخرون من متع الحياة الدنيا ، فلا يطيل النظر فيما يملكه أولئك من زهرة الحياة الدنيا . [ لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ] قال فــي الميزان : المراد بالأزواج : الأزواج من الــرجال و النســاء ، أو الأصنــاف من الناس كالــوثنييــن و اليهــود و النصارى و المجوس و المعنى لا تتجاوز عن النظر عمــا انعمناك به من النعم الظاهـــرة و الباطنــة الــى ما متعنا به أزواجا قليلة أوأصنافا من الكفار . (1) [ و لا تحزن عليهم ] فلا تأبه بكفرهم لان من يبالغ في الاهتمام بالكفار قد يقع في بعض الأخطاء . أولا : قد ينشغل بذلك عن الاهتمام الجدي بالفئة المؤمنة ، و السعي وراء تربيتهم و تعبئة طاقاتهم ، كالذي يؤتيه الله ارضا ، فلا يشكر الله عليها ، و لا يحرثها بل يفكر أبدا بتلك الأرض الاخرى التي لم يحصل عليها ، و يحزن عليها . (1) الميزان / ج 13 ص 92 ثانيا : قد يدعوه ذلك الحزن الى محاولة اكراههم على الإيمان بصورة أو باخرى مما يتنافى و سنة الاختيار ، و قد يتم ذلك عن طريق التنازل عن بعض أركان الدين كما فعلت الكنيسة في بعض عصورها فحرفت تعاليم السماء رغبة في توسيع رقعة نفوذها و الحصول على المزيد من الأتباع . [ و اخفض جناحك للمؤمنين ] اشارة الى الرفق بهم ، و الاهتمام بشؤونهم كما يفعل الطائر اذا أراد أن يضم اليه أفراخه حين يبسط أجنحته عليها ثم يخفضها لها . (1) |
|