فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
جاهد الكفار و المنافقين :

[ 73] [ يا أيها النبي جاهد الكفار و المنافقين و اغلظ عليهم ]

اولا : يربط القرآن بين فئتي الكفار و المنافقين و يأمر الرسول بجهادهم جهادا مستمرا وان يغلظ عليهم وان لا تأخذه بهم في الله رأفة .

لان مصير المنافقين النار ومن يكون مصيره الى نار جهنم لا يمكن ان يرحمه العباد او يرحمه من يجسد ارادة الله في الارض وهو الرسول و القيادة الرسالية .

ثم يبين أبرز صفات المنافين وهي الازدواجية التي يقول عنها ربنا في هذه الاية :

[ يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر ]

ثانيا : أنهم حاولوا تغيير نظام الحكم عن طريق قتل الرسول أو إخراجه أو إفساد الوضع السياسي .

ثالثا : لم يشكروا نعمة الامن و الرخاء التي وفرها الاسلام لهم ، وهؤلاء المنافقون ان تابوا الى الله قبلت توبتهم والا فان عذابا أليما ينتظرهم في الدنياو الاخرة ، ولا أحد يواليهم أو ينصرهم .

رابعا : النفاق صفة كامنة في النفس تظهرها النعمة ، فمن الناس من يتمنى الغنى و يتعهد مع الله ان لو اغناه الله لأعطى حق النعمة فتصدق و عمل عملا صالحا ، ولكن حين أتاه الله من فضله أمسى بخيلا بالنعمة ، وعمل عملا سيئا مما كرس في ذاته حالة النفاق الى يومالقيامة ذلك بسبب خلفهم لوعدهم و نكثهم لعهدهم مع الله ، ولكن ذلك الوعد كان كاذبا منذ الاساس ، وكان الله عالما بقلوبهم ، كما ان تبريراتهم الجديدة كاذبة هي الاخرى مثل تسويف الانفاق ليوم الحصاد أو ربح التجارة .


من صفات المنافقين :

[ 74] ان من صفات ا لمنافقين ، الحلف الكاذب بالله ذلك لانهم يعرفون انهم متهمون .

[ يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر ]

وقد يكون هؤلاء قد قالوا كلمة ضد السلطة الاسلامية و قيادة الرسول و اعتبرها القرآن كلمة الكفر . بينما اعتبروها كلمة عادية ، وهكذا المنافقون في كل يوم يزعمون ان الكفر ينحصر فقط في سب الله تعالى ، و انكار وجوده سبحانه بينما ليس الامر كذلك ، بل مناهضة سلطة الاسلام أو مخالفة ثورة المسلمين الصادقين ضد سلطات الطاغوت هي الاخرى كفر . لذلك أكد القرآن على ان كل ذلك يعتبر كفرا بعد اسلام .

[ و كفروا بعد اسلامهم ]

و الاسلام هنا - كما يبدو - هو التسليم لله و للرسول و الخضوع للقيادة الرساليةلذلك جاء في بعض التفاسير " نزلت - هذه الاية - في عبد الله بن أبــي بن ســلول حين قال : ( لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ) " .

فبالرغم من ان هذه ليست سب لله أو الرسول ، ولكنها كلمة كفر لانها تمرد على الاسلام لله و للرسول ، وفي الكلمة التالية اشارة الى هذه الحقيقة :

[ و هموا بما لم ينالوا ]

فلقد هموا باخراج الرسول ، و افساد الناس ليقاوموا سلطة الرسالة عن طريق بث الاشاعات الباطلة مثل قول أحد المنافقين واسمه جلاس قال بعد خطاب الرسول وهو يثير رفاقه ضد الرسول : و الله لئن كان محمــد صــادقا فيما يقول فنحن شر من الحمير .

ولقد حاول بعضهم قتل الرسول في قصة معروفة عرفت بليلة العقبة حيث أرادوا تنفير ناقة الرسول عند وصولها قريبا من العقبة وهي منعطف خطير في الجبل ، و بالطبع اذا نفرت الناقة في ذلك المكان بالذات أوقعت الرسول في الوادي .

كما حاول البعض اخراج الرسول مثل عبد الله بن أبي .

كما قام بعضهم بالفساد و التخريب .

أن كل هذه المحاولات كانت تهدف بالتالي شيئا واحدا هو تغيير نظام الحكم ، و التسلط على رقاب الناس ولكن لم يوفقوا .

[ وما نقموا الا ان اغناهم الله و رسوله من فضله ]

لماذا نافق هؤلاء ، ومتى ؟؟


السبب ان بعض الناس يكونون أشداء ضد من يحسبون انهم ضعفاء ، و ضعفاء أمام الاقوياء .

ولهذا حينما كان المنافقون في أوضاع شاذة ، يلفهم الفقر و التخلف و العذاب ، و يتحكم في رقابهم حفنة من الشيبة باسم القبلية ، او حفنة من التجار اليهود . حينذاك لم يفكروا في الثورة ، ولم يحاولوا انقاذ انفسهم من براثن السلطة الفاسدة ، لانهم حينذاك كانوامشغولين عن كل ذلك بملاحقة لقمة الخبز و معالجة آثار الفقر و المرض . اما اليوم وقد اغناهم الله من فضله و اراحهم من شغلهم ( بمطاردة لقمة العيش ) جاؤوا ينافسون السلطة الرسالية التي انقذتهم .

فهل جزاء الاحسان إلا الاحسان ، هل جزاء الرسول الذي حررهم من جاهليتهم الا الشكر له ، و التسليم لسلطته المباركة أم جزاؤه النقمة عليه ، و التخريب ضده ؟!

[ فان يتوبوا يك خيرا لهم وان يتولوا يعذبهم الله عذابا اليما في الدنيا و الاخرة ]وســوف يعودون في الدنيا الى سلطة الطغاة وما تعنيه هذه السلطة من فقر و عذاب ، أما في الاخرة فان الله الذي وفر لهم الهداية سوف يأخذهم باشد العذاب .

و الجدير بالذكر : ان الطائفة من المنافقين الذين حسبوا ان دولة الاسلام ضعيفة و فكروا في مقاومتها سوف يتوبون حينما يكتشفون قوة النظام و صلابته ، وحينما يكتشفون انه لا احد ينصرهم او يدخل في حزبهم حينما يتعرضون للهجوم المضاد من قبل أنصار الرسالة .


[ وما لهم في الارض من ولي ولا نصير ]


الغنى سلم الكفر :

[ 75] تتجلى هذه الحالة النفاقية مرة اخرى عندما ترى بعض الفقراء يتمنون الغنى و يزعمون انهم سوف يوفون بعهدهم مع الله ، و يتصدقون بفضل أموالهم و يعملون بها صالحا ، بيد انهم بعد الغنى يعملون العكس تماما ، لماذا ؟

لان تظاهرهم بالايمان و الهدى انما كان حين لم يتعرضوا للتجربة اما الان فان حب المال و شح النفس و قضية العودة الى حالة الفقر تضغط عليهم باتجاه البخل و تغريهم بالفساد .

[ ومنهم من عاهد الله لئن اتانا من فضله لنصدقن و لنكونن من الصالحين ]ان فضل الله ينبغي ان يدفع الفرد باتجاه الصدقة و الصلاح لان الذي اعطى يقدر على ان يسلب العطاء ، و يعيد حالة الفقر . بيد ان ذوي النفوس الضعيفة و الارادات المهترئة تراهم يغترون بنعمة الله و فضله .

[ 76] وقد يكون المنافق واحدا منا دون أن نشعر لانه قد يستطيع الواحد ان يقاوم ضغط الفقر ، ولكنه ينهار أمام إغراء المال ، أو حتى يقاوم هذا الاغراء ولكنه ينهار أمام إغراء السلطة و الجاه ، وهكذا على الانسان ان يتزود بالايمان و يتسلح بالارادة الصلبة و التوكل على الله حتى لا يصبح مثل الذين يقول عنهم القرآن :

[ فلما آتاهم من فضله بخلوا به و تولوا وهم معرضون ]أي انهم بالاضافة الى عدم وفائهم بالعهد السابق الذي الزموا انفسهم به من الصدقة ، بالاضافة الى ذلك تجدهم يقاومون شريعة الله و أوامر الرسول .


وجاء في التفاسير قصة طريفة بطلها شخص باسم ( ثعلبة بن حاطب ) وكان من الانصار فقال للنبي (ص) : ادع الله ان يرزقني مالا ، فقال : " يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه - أما لك في رسول الله اسوة حسنة - والذي نفس بيده لو اردت ان تسير معي الجبال ذهبا و فضة لسارت " ، ثم اتاه بعد ذلك فقال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا ، والذي بعثك بالحق لان رزقتني الله مالا لأعطين كل ذي حق حقه ، فقال (ًص) " اللهم ارزق ثعلبة مالا " ، قال فاتخذ غنما ، فنمت كما ينم الدود ، فضاقت عليهالمدينة ، فتنحى عنها فنزل واديا من اوديتها ، ثم كثرت نموا حتى تباعدت عن المدينة فاشتغل لذلك عن الجمعة و الجماعة فبعث رسول الله اليه المصدق ليأخذ الصدقة فأبى و بخل ، و قال ما هذه إلا أخت الجزية ، فقال رسول الله : " يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة " و انزل الله الآيات .

وعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في قول له :

" من ملك استأثر "

وهكذا نجد كيف ان كل واحد منا قد يصبح منافقا في ظروف معينة .

[ 77] ولكن ما هي عاقبة هذه الفعلة ؟

يقول القرآن ان عاقبة ذلك تكريس حالة النفاق الى حين الموت ، و الجزاء .

[ فأعقبهم نفاقا في قلوبهم الى يوم يلقونه بما اخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ]منذ البدء ، و يزعمون انهم مؤمنون صادقون ، وانهم سوف يقومون بعهد الله خير قيام .


[ 78] ولكن على الانسان ان يخلص نيته ، و يشهد الله على مافي قلبه ولا يقول ولا يتعهد إلا بالحق الذي يعتقد به .

[ الم يعلموا ان الله يعلم سرهم و نجواهم وان الله علام الغيوب ]

فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس