فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
كل يرى الناس بعين طبعه :

[ 79] كما الاعمى لا يفقه واقع النور ، فكيف يمشي على هداه البصير ، وكما الجاهل لا يحيط بواقع العلم فكيف يضيء درب السالكين ، و كذلك المنافق لا يصدق بواقع الايمان الذي يعمر قلوب الصادقين فكيف يدفعهم على القيام بالأعمال الكبيرة دون أن يريدوا جزاء أو شكورا .

ان المنافقين يفسرون ابدا أعمال الصالحين بمقاييسهم ، و يزعمون ان وراء كل عمل صالح مصلحة مادية عاجلة لا يظهرا صاحبه كما هو لا يفعلون الخير الا رياء و طلبا للاجر العاجل ، لذلك تجدهم يعيبون على الذين يعملون و ينتفقون تطوعا لله و تصديقا بوعده دون ان يخالطهم رياء او سمعة .

[ الذين يلموزن المطوعين من المؤمنين في الصدقات ]

فيتهمون هذه الطائفة بالرياء . أما الطائفة الفقيرة من المؤمنين فترى هؤلاء المنافقين كيف يسخرون منهم لفقرهم ، و قلة عطائهم .

[ والذين لا يجدون الا جهدهم فيسخرون منهم ]


لانهم فقراء لا يملكون الا قوة البدن و عمل اليد فيرتزقون عليها - واذا فقدوا العمل - فقدوا الرزق كما العمال و الفلاحين فيسخر المنافقون الذين غالبا ما يكونون من الطبقة المترفة منهم .

[ سخر الله منهم ولهم عذاب اليم ]

حين يرون نتائج اعمالهم فتلك سخرية واقعية ، وهذه سخريتهم لفظية كلامية لا أثر لها ، وعلينا الا ننهزم أمام سخرية المنافقين ، ولا يفقد المؤمن إحساسه بشخصيته امام سخرية المنافق حتى ولو كان الاخير أغنى منه و أقدر ، كما يجب الا يستقل المؤمن عطاءه في اللهان لم يكن يملك غيره لان الله لا ينظر الى قدر العطاء بل الى قدر المعطي و سلامة نيته . من هنا سئل الرسول (ص) عن أفضل الصدقات فقال : " جهد المقل " . (1)هل يجوز أن نستغفر للمنافق ؟

[80] لان المنافقين يلمزون و يسخرون من المؤمنين فان غناهم أو جاههم الظاهر يجب الا يدعونا الى احترامهم أو طلب الخير لهم ، فما داموا كافرين فكريا و فاسقين عمليا فان حدود الايمان تفصلهم عنا ، فهم أمة و نحن أمة برغم الاختــلاط و القرابة بيننا و بينهم .


وقد يستبد بالمؤمن الحنان البشري و العطف فيحاول هداية المنافقين ، فيدعوه ذلك الى التقرب منهم بدل منابذتهم العداء ، و القرآن ينهى عن ذلك و يقول : حتى لو فعلتم مثل ذلك فان الله قد اتخذ منهم موقفا شديدا بسبب كفرهم و فسقهم .


(1) مجمع البيان / ج 5 / ص 55


[ استغفر لهم اولا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بانهم كفروا بالله و رسوله و الله لا يهدي القوم الفاسقين ]ان الاستغفار هو قمة العطف الايماني لشخص ما ، ولكن ذلك منهي عنه بالنسبة الى المنافقين لان علينا ان نبني بيننا و بينهم حجابا ظاهره النور و الايمان و وراءه ظلمات و جهالة .


التخلف عن سوح الجهاد :

[ 81] حين تتقاعس طائفة من أبناء المجتمع عن الجهاد و التضحية ، و يشيعون حولهم الافكار السلبية . يخشى ان يتأثر الاخرون بهم لولا إعطاء الناس رؤية واضحة تجاه هذه الطائفة المصلحية التي يجسدها المنافقون في المجتمعات المؤمنة التي كانت ترضى بالقعود برغم انالقائد الرسالي كان يقود المعركة .

[ فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله و كرهوا ان يجاهدوا بأموالهم و انفسهم في سبيل الله ]ان قعود هؤلاء في الوقت الذي خرج رسول الله دليل على انهم لا يريدون الجهاد ، وان تبريرهم ببعض الأقوال لم يكن سوى غطاء لقعودهم .

[ وقالوا لا تنفروا في الحر ]

ولكن السؤال : هل يستطيع المسلم ان يدرأ عن نفسه نار جهنم من دون اقتحام ساحات الجهاد ؟

[ قل نار جهنم اشد حرا لو كانوا يفقهون ]

[ 82] حتى مصاعب الدنيا لن تزول من دون تحمل بعض الصعاب ، فاذاهاجمك العدو في أيام الحر أو البرد فهل تستطيع ان تقول له انتظر الى أيام الربيع أو الخريف . أم ان ذلك مجرد حلم ؟! ان الذين يهربون من المشاكل سوف تتضاعف عليهم المصائب و الويلات ، و عليهم ان ينتظروا أياما حالكة فيبكوا كثيرا بعد ان ضحكوا قليلا .

[ فليضحكوا قليلا و ليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون ]ان المؤمنين الصادقين يبادرون في أيام رخائهم و قدرتهم بالاعداد و العمل الجاد ليوم الشدة ، وانهم مستعدون لخوض غمار المعركة في أشد الايام لذلك فان أعداءهم يرهبون جانبهم وفي ظل القوة يستمرون في حياة آمنة كريمة .


الموقف الرسالي من المتخلفين :

[ 83] وبعض المنافقين يحاولون العودة الى أحضان العالم الاسلامي لا ليكونوا مواطنين صالحين و صادقين ، بل ليستفيدوا من المكاسب بعد ان نصر الله عباده المجاهدين ، و ليستغلوا نفوذهم المادي ، و يتسلطوا على رقاب المؤمنين ولكن باسم الدين هذه المرة كما فعلت بنو أمية في التأريخ الاسلامي ، ولكن القرآن يحذر من ذلك و حكمته في ذلك قد تكون : ان ايام الشدة امتحنت النفوس المؤمنة فعلا و فرزتهم عن الجماعات الوصولية التي تميل مع القوة اينما مالت ، و تحاول ان تستفيد من كل وضع بما يتناسب و شعارات ذلك الوضع ، و اساسافلسفة الجهاد في الاسلام هي انقاذ الجماهير غير الواعية من شر هذه الجماعات الطفيلية النفعية ، لذلك يجب ان تكون القيادة الرسالية حذرة جدا فلا تسمح لهؤلاء بالعودة الى الساحة السياسية ابدا .

[ فان رجعك الله الى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي ابدا ولن تقاتلوا معي عدوا انكم رضيتم بالقعود اول مرة فاقعدوا مع الخالفين ]فالمهم هو المواقف الاولى في ايام المحنة أما ايام الرضى فهي ليست دليلا على صدق النية بل نحسب هؤلاء ضمن المنافقين الأوائل .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس