فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
المكر بعد الرحمة :
[ 21] الرحمة بعد الضراء ليست كالرحمة من دونها ، فحين تكون مريضا يستبد بك الالم و الخوف ، فتنزل عليك رحمة السلامة والعافية ، وحين تكون فقيرا يضيق بك رحب الدنيا و تلاحقك أعين الناس ازدراءا ، فتهبط عليك رحمة الغنى و العزة ، آنئذ تشعر عمق لذة النعمة ،بذات الحساسية التي شعرت بألم الضراء .
و الانسان الذي تذوق الرحمة و أحس بمس الضراء ، عليه ان يعترف بأن الله هو مدبر الخير و الشر ، وأنه ، يملك من ذاته شيئا ، ولكنه لا يفعل ذلك .
[ واذا اذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم اذا لهم مكر في اياتنا ]يحاولون تفسير الايات بما يتناسب و غرورهم ، او يسعون في طمس معالم الحقيقة التي تخالف مصالحهم و أهواءهم ، أو حتى انهم يتصرفون في نعم الله ، بغير الوجه السليم الذي يضمن استمرارها ، وآنئذ ياخذهم الله بعملهم السيء .
[ قل الله اسرع مكرا ان رسلنا يكتبون ما تمكرون ]
ان مكر الله هو تقليب الأمور وفق السنن التي يجريها في الحياة ، والتي تقضي بزوال النعم التي لا يشكرها الناس ، ولا يحافظون على عواملها السلوكية و النفسية .
ان ملائكة الله يحصون على الانسان كل صغيرة و كبيرة حتى لا يقدر على التحايل عليهم ، و الأدعاء بأنه قد عمل صالحا .
و يبدو أن هذه الاية تصدق على الحضارات البشرية التي تبدء بصعوبات كبيرة حتى تبلغ مرحلة النضج و يعم الرخاء ، ثم يمكر البشر في آيات الله فتنحدر الى الحضيض ، كما تنطبق على حياة كل واحد من البشر ، تحمل الصعاب حتى بلغ منيته ، ولكنه اغتر بعدئذ بنعم الله عليه فكفر بها ، فأزالها الله عنه .
[ 22] وكمثل على هذه الحقيقة يبين ربنا سبحانه قصة راكبي البحر بالسفينة الشراعية التي وقفت في عرض البحر بسبب ركود الهواء ، ثم تهب عليها ريح طيبة فيستبشرون بها ، ولكنهم في ذات الوقت يفرحون بها مما ينسيهم شكر الله .
و بعد فترة من الوقت يحيط بهم الخطر بسبب تحول الريح الطيبة الى ريح عاصف تثير الامواج العاتية حول السفينة ، فلما رأوا ذلك تضرعوا الى الله سبحانه لينقذهم من الخطر ، فلما نجاهم اذا هم يكفرون .
[ هو الذي يسيركم في البر و البحر حتى اذا كنتم في الفلك و جرين بهم بريح طيبة و فرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا انهم أحيط بهم ]أي أحاط بهم الخطر بحيث أصبحوا محاصرين من كل مكان دون قدرة على الفرار ، و ربما الظن هنا - كما في سائــر الايات - بمعنى التصور فهو اشد وقعا في النفس و تأثيرا .
[ دعوا الله مخلصين له الدين ]
أي كان دعاؤهم مختلفا عن دعائهم السابق ، ففي السابق كانوا يدعون اللهو الشركاء معا ، وكانت قلوبهم منقسمة بين الله و الشركاء ، ولكن الان اخلصوا التزامهم بالله ، و صفوا قلوبهم من رجس الشرك .
[ لئن انجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين ]
ماذا كانوا يعنون بالشكر ؟ هل هو مجرد ترداد كلمة شكرا لله ؟ أم فوق ذلك الالتزام بكل ما أمر الله من واجبات ؟ من الواضح ان الشكر بالمفهوم الأول كان بسيطا وكانوا مستعدين له ابدا ، اما الذي لم يفعلوه فهو الشكر بالمعنى الثاني .
الكفر بعد الشكر :
[ 23] وهكذا مكروا في آيات الله ، واخذوا يظلمون بعضهم و يستغلون رحمة الله اداة للباطل ، و اخذوا يسرفون في نعم الله كما فعل قوم لوط ، وكانوا يفسدون فيالأرض كما فعل فرعون و قومه ، و اخذوا يستكبرون في الارض بالباطل كما فعل عاد و ثمود وهكذا .
[ فلما انجاهم اذا هم يبغون في الارض بغير الحق يا أيها الناس انما بغيكم على انفسكم ]أي ان هذا الظلم ، وهذا التحويل في طريقة الانتفاع من آيات الله ، ان ذلك سوف ينعكس عليكم ، ذلك لانه[ متاع الحياة الدنيا ثم الينا مرجعكم فننبؤكم بما كنتم تعملون ]
|