فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
الاغتسال زكاة الجسد :
[ 43 ] الوضوء أو الاغتسال يهيئان المؤمن نفسيا وجسديا للدخول في محراب العبادة ، فالذي يخوض في معارك التجارة ، أو صراع العمل الشاق ، يحتاج الى بعــض الوقــت حتى ينقطع عن مؤثرات التجارة ، و آثار العمل ، و يستعد للقاء ربه . و الوضوء أو الغسل يعطيه هذاالوقت ، ويعزله مؤقتا من صخب الحياة ، و يعطيه فرصة للتفكير الجاد في مجمل أحداث الدنيا بوعي وتعقل .
وبالاضافة الى هذا الاعداد ، فان الغسل و الوضوء يعطي المؤمن أناقة تساعد على تبادل الحب مع أخوانه ، و التعاون معهم على البر و التقوى .
مظهر الشخص الذي لا يزال النعاس يملأ عينيه ، و الرائحة تتصاعد ن حلقه ، وتكسو وجهه آثار النوم والكسل ، إن هذا المظهر لا يساعد على التعاون و تبادل الحب بين المسلمين .
و كذلك الذي يحمل في جسمه آثار المعاشرة الجنسية ، أو قذراة الحاجة الطبيعية انه مظهر كريه ، و ان دل على شيء فانما يدل على اهانة الاخرين ، و عدم القيام بواجب احترامهم .
من هنا بين القرآن في مجال حديثه عن المسؤوليات الاجتماعية ، واجب الاغتسال والوضوء أو التيمم وقال :
[ يا أيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ]الصلاة عادة تكون في المساجد وبشكل جماعي ، فالاقتراب منها اقتراب من الاخوة المؤمنين ، ويدل على ذلك قوله بعدئذ ( الا عابري سبيل ) أي عابري السبيل من خلال المساجد .
والسكر هنا قد يكون سكر النوم ، أو سكر الخمر قبل أن تصبح حراما ، اما بعد أن أصبحت محرمة فان اقتراب المخمور من مجامع المسلمين يعتبر أشد حرمة ، لأنها اهانة لمقدسات الامة .
ويرتفع سكر النوم بالوضوء حيث يعود الى الفرد رشده ويصبح كلامه بوعي كامل ، ويتجنب المسلمون النزاعات التافهة التي تنشأ بسبب النعاس وابتداءالكلمات الشاذة من بعضهم ، أو التي تنشأ بسبب فقدان الوعي بالخمر ، لذلك أكد القرآن على أن الوعي شرط مسبق لمن يريد أن يقرب الصلاة وقال :
[ حتى تعلموا ما تقولون ]
ثم بين ضرورة التطهر من الجنابة باعتبارها قذارة جسدية ونفسية ، ذلك أن التعامل مع المسلمين ، أو مناجاة الله لا تكون مع جو المعاشرة الجنسية ، بما فيها من انغماس في الشهوة ، وأبتعاد موقت عن الحياء الانساني .
من هنا جاء الغسل ليكون تطهيرا للجسد من قذاراة الجنابة ، واعدادا للروح للدخول في مجالات انسانية أخرى .
[ ولا جنبا الا عابري سبيل حتى تغتسلوا ]
ان الجنب لا يدخل المسجد الا بصورة عابرة ، يدخل من باب ليخرج من باب آخر ، كما لا يحضر تجمعات المسلمين الاخرى الا بشكل عابر .
وفي صورة تعذر الوضوء أو الغسل ، على الفرد أن يستخدم التراب أداة لتطهير جسمه واعداد نفسه ، فإن التراب طهور يكفي صاحبه عشر سنين إذا استمر عذره .
[ وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم الناس فلم تجدوا ماء فتيمموا ]أي توجهوا الى الارض .
[ صعيدا طيبا ]
منطقة نظيفة من الاقذار .
[ فأمسحوا بوجوهكم وأيديكم ]
من ذلك الصعيد بعد أن تضربوا فيه أيديكم ، وتمسحوا بها على الجبهة حتى الأنف ، ثم على ظهر الكفين .
[ ان الله كان عفوا غفورا ]
يسهل عليكم أمر الدين ، ويجعل لكم بدل الماء ترابا تطهرون به أنفسكم .
الضلالة نتيجة الخيانة :
[ 44 ] هؤلاء فريق من الناس يخونون أمانة العلم في أعناقهم ، و يشترون بعلمهم متاع الحياة الدنيا ، ولكن هذا المتاع لا يأتيهم الا مقرونا بالضلالة و الانحراف عن الصراط المستقيم ، فرجل العلم الديني الذي يسكت عن جرائم الظلمة لقاء سلامته ، أو في مقابل بضعة دراهم ، لابد أنه يبدأ في تأييد مواقف الظلمة ، وبالتالي يفقد قدرته على التمييز بين الحق والباطل ، بل ويصل الى حد الدعوة الى الباطل الذي يمثله الظلمة .
[ ألم تر الى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون ان تضلوا السبيل ]وقد عبر القرآن عن هؤلاء المسمون بعلماء الدين بقوله ( الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ) استخفافا بهم وبعقولهم ، أنهم أنصاف المثقفين وليسوا علماء بالكامل .
الله نصير المؤمنين :
[ 45 ] يتظاهر هؤلاء الرهبان والاحبار وعلماء الدين الخونة ، بالصلاح ، وحب الناس ، وطيبة القلب في نصائحهم ، بينما هم بمقياس الله خونة ، ولا أمان لخائن ، إنهم سكتوا عن جرائم الطغاة بحق أمتهم فكيف بالآخرين ؟!
ان الانسان المسلم ذكي ، لا ياخذ الاشياء ببساطة وطيبة قلب ، بل بالتقييم الموضوعي وفق مقاييس الله الذي هو أعلم بالعدو و الصديق .
ويجب الا نخشى من هؤلاء الدجالين المقنعين بقناع الدين ، ولا نقول ( قد ) يكونون مقربين عند الله ، بل علينا أن نتصل مباشرة بالله وبهداه في تقييم الناس ، وهو يكفينا شر هؤلاء .
[ والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا ]الولي هو : الذي يلي الانسان في القرب ، أو يلي شؤونه و يقوم بها ، وقد يكون للانسان صديق عاجز ولكن الله ولي ينصر عباده .
كيف تعرف العالم المزيف ؟
[ 46 ] وإذا أردنا أن نعرف هذا الفريق من الناس ، فما علينا إلا أن نلقي نظرة على صفاتهم التي من أبرزها تحريف الكتاب ، وتأويــل آياته في غير معانيها الصحيحة ، فإذا انزلت آية في سلطان جائر حرفوها حتى تنطبق على السلطان العادل ، أو على الشعوب المطالبة بحقوقها . مثلا : يحرفون كلمة الفتنة من معناها الحقيقي الذي يعني الظلم الى معنى الثورة ضد الظلم ، وبدلا من أن يسموا الحكام بالمفتنين ويصدروا بحقهم أحكام القرآن ، تجدهم يؤلون ذلك في الثوار ، فيسمونهم بأصحاب الفتنة .
هؤلاء منافقون ، يميعون قرارات القيادة ، ويبررون مواقفهم الجبانة ببعض التبريرات السخيفة التي لا تعود الى محصل .
[ من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع ]أي أنهم بعد الاعتراف بالعصيان يحاولون تبريره ، و يطلبون الاستماع لهم ، الا أن أقوالهم لا تستحق السماع .
[ وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ]
ان كلامهم واعتذارهم لا ينطلق من منطلق التوبة ، بل من منطلق النفاق ، والتمييع للقرارات ، و المخالفة لها ، و بالتالي الطعن في الدين و أصوله .
وكان الافضل لمصلحة هؤلاء الشخصية ، ولاستقامة حياتهم العامة ، أن يطيعوا الله طاعة تامة ، حتى إذا خدعتهم الدنيا عن الطاعة ، تابوا الى الله و طالبوا بامهالهم فترة من الوقت لكي يطيعوا الله في المستقبل .
[ ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وأنظرنا ]
اي طلبوا الاستماع الى أعذارهم ، وطالبوا بامهالهم و انظارهم ، حتى يطبقوا القرارات في المستقبل .
[ لكان خيرا لهم وأقوم ]
أي أكثر نظما لحياتهم ( مقتبس من القيام بمعنى ما يقوم به الشيء ) .
ويبقى سؤال : لماذا خالف هؤلاء أوامر الله ؟
الجواب : لأنهم يكفرون بالله في واقع أمرهم ، بالرغم من ايمانهم الظاهر ، و الله يبعد الكفار عن رحابه .
[ ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون الا قليلا ]
ما هو مصير الخونة ؟
[ 47 ] والمصير الذي ينتظر هؤلاء الخونة من علماء الدين ، أنهم يفقدون ثقة الجماهير بهم ، وكأن وجوههم قد طمست معالمها ، و أصبحت صفيحة ممسوخة لا تعرف ، و يعودون الى حالة ما قبل العلم ، و كأنهم لم يحصلوا على علم الدين أبدا .
وبالاضافة الى ذلك فإنهم ملعونون ، ينزل عليهم صاعقة من قبل الله ، كما فعل الله بالذين عصوه في تعطيل يوم السبت ، فتحولوا الى قردة وخنازير وهكذا يفعل الله بالخائنين .
[ يا أيها الذين أوتوا الكتاب ءامنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها ، أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا ]الشرك نهاية المطاف :
[ 48 ] والنهاية المأساوية التي قد يصل اليها هؤلاء : هي الشرك بالله ، وذلك بالاستسلام للطواغيت .
وتمهيدا للحديث عن ذلك بين القرآن حقيقتين :
الاولى : ان الشرك افتراء عظيم على الله ، وان الله لن يغفره .
الثانية : أن هؤلاء يزكون أنفسهم بأستمرار ، ويجعلونها مقياسا للحــق و الباطل ، ولذلك لا يقبلون الانتقاد ، ولا هم يقيمون أنفسهم و يحاسبونها بدقة و موضوعية ، و طبيعي في هؤلاء أن تنتهي مسيرتهم الضالة الى الشرك .
[ ان الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء ]أي ان الله ذو المغفرة الواسعة ، ومع ذلك لا يغفر للمشركين .
[ ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما ]
بالرغم من ان الشرك كذب عظيم ، ولكنه في الواقع ممارسة عملية لهــذا الكــذب ، ولذلك فهــو اثــم عظيــم ، من هنا تجد القرآن قد عبر اولا بكلمة ( افتــرى ) ( الدلالة ) على الجانب النفسي و الفكري في الكذب ، ثم عبر ( اثم ) للدلالة على الجانب العملي منه .
الله مقياس الحق :
[ 49 ] ومن صفات هؤلاء تزكية أنفسهم ، وجعلها مقياس الحق والباطل ، وبينما الصحيح ، أن يجعل الانسان ربه مقياسا لذلك ، فيقيم ذاته حسب قيم الله و أوامره .
[ ألم تر الى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ]و الله عادل في تقييمه للبشر ، ولذلك يجب الا يتدخل البشر ذاته في هذا المجال خوفا من الحاق الظلم به .
[ ولا يظلمون فتيلا ]
أي بمقدار الخيط الموجود في شق نواة التمر .
[ 50 ] و تزكية الذات هي افتراء على الله ، و ادعاء عليه بأنه قد طهر هؤلاء من الذنوب ، و عصمهم من الزلل .
وهؤلاء الخونة من علماء الدين لا يتورعون عن هذا الكذب ، وهو اثم واضحاذ يسبب في افساد المقاييس والقيم ، وتشويش الرؤية ، ودفع الناس الى الضلالة .
[ أنظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به اثما مبينا ]ان الفرية على الله تكفي اسقاط صاحبها عن الاعتبار ، وسحق شخصيته الاجتماعية .
|