فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
الشرك بالله وحدود المغفرة :

[ 116] بالرغم من أن رحمة الله واسعة و مغفرته كبيرة تشمل كل الذنوب إلا أنها لا تسع الشرك بالله لأنه ذنب عظيم ، و ضلالة بعيدة لا يمكن اصلاحها أو التغاضي عنها .

[ ان الله لا يغفر ان يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا ] .

لأنه لم يعرف الله حتى قرنه ببعض خلقه ، ولم يعرف الخلق حتى قرنه بالله سبحانه ، وليس هناك شيء أبعد من شيء في طبيعته و صفاته و أسمائه من الخالق عن المخلوق ، فالذي يخلط بينهما لم يعرف أيا منهما .

و الشرك انحراف رئيسي لا يصلح معه عمل وهو أشبه ما يكون بالسير نحو الشرق للوصول الى هدف في الغرب حيث لا يمكن تصحيح هذه المسيرة ، بل علينا تبديلها تماما ، و لذلك لا تسع مغفرة الله جريمة الشرك رغم أنها تسع كل ذنب آخر .

ولأنه انحراف رئيسي و سائر انحرافات البشر متفرعة عنه ، بل ليس هناك انحراف إلا و يحمل في جذوره صورة مصغرة من الشرك بالله .

فالتكــبر علــى النــاس ، و التعالــي عليهــم ، و الايمــان بالعنصرية و الطبقية و . و . نوعمصغر من الشرك حيث لا يتكبر الشخص إلا اذا وضع نفسه في صف الاله ، ونسي انه ليس سوى مخلوق من خلق الله ، ولا ريب ان التكبر بدوره جذر لالآف الجرائم . إذ أن الشخص الذي يتعالى على الناس لا يتورع عن القيام بأية جريمة ممكنة بحقهم ، و الخضوع لبعض الناس ، و اعتبار كلمتهم هي الحق الذي لا ريب فيه ، واتباع سيرتهم اتباعا مطلقا ، و بالتالي العبودية لهم نوع من الشرك بالله ، حيث يضع الخاضع سيده في صف الاله ، وينسى أنه ليس سوى بشر ضعيف ، و عبودية الآخرين جذر لالآف الجرائم ايضا ، وهكذا سائر المعاصي الكبيرة و الصغيرةإن هي إلا صور مصغرة عن الشرك بالله . تلك الضلالة البعيدة التي تجسد كل انحرافات البشر .


منشأ الشرك :

[ 117 ] و الشرك بالله يبتدء بفكرة القوى الغيبية الخارقة التي تسمى بالأرواح وتنقسم الى :

الملائكة وهي القوى الخيرة ، والأجنة وهي القوى الشريرة .

فالملائكة كانت تعبد في الجاهلية بأعتبارها بنات الله سبحانه ، بينما كان الجن يعبد بأعتباره أندادا لله ومنافسا لسلطته على الكون .

[ ان يدعون من دونه إلا إناثا وان يدعون إلا شيطانا مريدا ]والمريد أي المتمرد دائما عن إطاعة سيده و الاعتقاد بالأرواح ( الشريرة منها و الخيرة ) و الاستعانة بها ، وجعل رموز حجرية لها في شكل أصنام تعبد ، وتقدم اليها القرابين . كل تلك كانت أغلالا على طاقات البشر ، و قيودا تعطل انطلاقته في الحياة .


ان الجاهلي الذي كان يتصور ان ( هبل ) هو الذي يشفيه من مرضه ، لا يطلق طاقاته من أجل البحث عن الدواء ، كما انه لم يكن يسعى من أجل تنمية ماله أو أرضه أو ماشيته أو تجارته سعيا عقلانيا لأنه مادام يعتقد أن بضع ذبائح تهدى الى اللات تكفي لفعل المعجزة في حياته الاقتصادية .

وكان الجاهليون يعطلون عقولهم حين يتصورون ان الجنة ( الشياطين ) توحي اليهم ، وكان أحدهم يجلس في غرفة مظلمة ، و يقوم بعملية إيحاء ذاتي مستمر حتى يخيل اليه أن هاتفا غيبيا يحاوره ، وإنما كان يحاور ذاته ، و يجتر خيالاته وظنونه ، وبالتالي كان كلامه لا يعدو تكرارا لا واعيا لما انطبع بقلبه من أفكار و انعكاسات ، وبالطبع كان كلامه الواعي وغير الواعي مجرد أباطيل و أوهام تقف حاجزا أمام انطلاقة فكره ، وتحرك عقله .


أهداف الشيطان :

[ 118 ] و قصة الملائكة تختلف عن قصة الشياطين فبينما الملائكة عباد مطيعون لله ، لا يشفعون إلا لمن ارتضى ، وبالتالي التقرب اليهم لا ينفع شيئا لأن الكلمة الحاسمة النهائية إنما هي لله سبحانه ، اما الشياطين فهم مطرودون من رحمة الله وملعونون ، ولكنهم اليوم في فسحة من المهلة ، ولا يعني قيامهم باضلال البشر أنهم قادرون على مقاومة هيمنة الله كلا .. بل يعني أن الله أمدهم بفترة من الوقت لكي يمتحن عباده بهم .

فالشيطان وهو ابليس .

[ لعنة الله ]

[ وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ]

ان الشيطان وهو يمثل قوى الشر و الخطيئة ، و يدغدغ رغبات السوء في البشر ،ويمد في جهله و ضلالته . أنه جاد في اضلال الانسان ، وقد خطط للسيطرة على بعض أبناء آدم .

ولذلك قال : ( نصيبا مفروضا ) و كأنه تقاسم مع الله البشر فأخذ طائفة معينة و ترك طائفة لله سبحانه .


الشيطان و فساد الحياة :

[ 119 ] الشيطان يستخدم سلاح الأماني في إضلال البشر ، وعلينا كبشر أن نتحذر من هذه الأماني حتى لا يعمل سلاح الشيطان فينا عمله الخطير .

الشيطان يمني الانسان بطول العمر ، و بالخلود في الدنيا و يمنيه بالملك الدائم و الثروة الطائلة ، وهكذا يصور الشيطان للانسان ان الوصول الى أهدافه ممكن عن طريق ملتو .

ويأمر الشيطان الانسان فيما يأمره من الضلالة ليبتك آذان الانعام ، ويغير خلق الله .

إن ذلك يمثل ضلالة الشيطان التي يأمر بها الانسان ، إنه يمثل دعوة الشيطان للانسان بأن ينحرف عن طريق الاستفادة من الطبيعة الى طريق افساد الطبيعة .

ان الله خلق الأنعام وخلق كل عضو فيها نافعا لها ومؤديا وظيفة في جسدها ، و بالتالي جعل كل عضو من أعضائها يؤدي بصورة غير مباشرة خدمة للانسان ، و لكن الشيطان يضل البشر ويجعله يفسد أعضاء الحيوان ، و بالتالي يسقط منافعه المرتقبة له .

[ ولأضلنهم ولأمنينهم ولأمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولأمرنهم فليغيرن خلق الله ]ولذلك فمن يتبع الشيطان فانه يخسر منافع الحياة لأن الشيطان يبعده أبدا عن الطرق السليمة للاستفادة من الحياة .

[ ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا ] .


تسويف الشيطان :

[ 120 ] ماذا يقول الشيطان للانسان ؟

يقول غدا وبعد غد سوف تحصل على كذا و كذا .. فاذا بلغ غده يعده بما بعده حتى يبلغ أجله ولا يصل الى شيء مما وعده الشيطان .

[ يعدهم و يمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ]


ما هي النتيجة ؟

[ 121 ] اما في الدنيا فسوف يصابون بنتائج غرورهم ،وأما في الآخرة فجزاؤهم فيها جهنم لا يستطيعون فيها فرارا .

[ أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا ] .

أي لا يزحزحون عنها قيد أنملة ، والكلمة من : حاص يحيص أي تحرك في مكانه .

[ 122 ] أما المؤمنون الذين لم يخلطوا بايمانهم شركا ، وأخلصوا العبادة لله الحق ، فان جزاءهم الجنة .

وهذا وعد من الله ولكنه وعد حق . بعكس وعود الشيطان الكاذبة لأن الله أجل وأعظم من الكذب ، ولا يدعوه الى الكذب حاجة أو جهل سبحانه .


[ والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الانهارخالدين فيها أبدا ]ذلك هو منتهى تطلع الانسان أن يسكن جنة تتوفر فيها حاجاته الجسدية ،و المتع النفسية ، ومن أبرزها الأنهار التي تضفي جمالا على الجنة ، و أن يكون مطمئنا الى مستقبله ، و أنه خالد لا يزعجه موت أو طرد عن النعيم المقيم فيه .

[ وعد الله حقا و من أصدق من الله قيلا ]


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس