بينات من اآيات
الانفصال نقطة الانطلاق [ 141] وضمن هذا الاطار الفكري ، بين القرآن الحكيم حقيقة هامة هي اننا ومن اجل ان نبني حياة جديدة علينا ان ننفصل نفسيا من التأثر بالواقع المعاش ، بالرغم من ان للواقع القائم ثقلا هائلا ، وضغطا نفسيا واجتماعيا كبيرا ، و لكي يبين لنا القرآن انكم امة جديدة ذات قبلة جديدة ، ذكر لنا سلفا ان كل امة لها دورها التأريخي ، و واقعها الخاص بها ، وعلى الامم الاخرى ان تستقل عنها ، وان تبني حياتها وفق احتياجاتها و ظروفها ، ذلك ان الله لا يسألنا عما فعل الاخرون بقدر ما يسألنا عما فعلنا نحن ، فان فعلوا خيرا فلانفسهم ، وعلينا ان نعمل الخير لانفسنا و وفق حاجات عصرنا ، وان فعلوا شرا فلانفسهم ، وعلينا الا نعمله و نبرر ذلك بانهم فعلوه ، اذ قد يكون الذي عملوه في عصرهم خيرا لانفسهم وهو شر بالنسبة الى واقعنا ، من هنا قال الله لنا بصراحة :
[ تلك امة قد خلت لها ما كسبت ]
من خير او شر .
[ ولكم ما كسبتم ولاتسألون عما كانوا يعملون ]
بل انما تسألون عما تعملون انتم ، ولذلك يجب ان تستقلوا في تفكيركم ، وفي اعمالكم ، مادمتم انتم مجزيين بذلك دون غيركم .
[ 142] و السفهاء وحدهم يزعمون ان الواقع يجب ان يبقى بحجة انه الحق . كلا ، اذ قد يكون الواقع حقا بالنسبة الى عصر دون عصر ، و قداسة القبلة ليست بسبب ان الله موجود في مكان القبلة . بل لان الله امر بذلك ، يقول الله تعالى :
[ سيقول السفهاء من الناس ماولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ]زاعمين ان الواقع السابق للامة حيث كانوا على قبلة معينة ، يجب ان يظل قائما ، كلا .
[ قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء الى صراط مستقيم ]الصــراط المستقيم في العمل هو : وجه الله سبحانه ، وليس التوجه الى المشرق و المغرب .
[ 143] والتوجه الى الكعبة لم يشرع في الاسلام ، الا لكي يجعل الله من المسلمين امة متميزة عن الامم الاخرى ، و رقيبة على مدى تطبيق سائر الامم لتعاليم الله ، في الحق و الحرية ، و العدالة الاجتماعية ، ولو كانت الامة متجهة الى قبلة اهل الكتاب لم تكن قادرة على توجيه مشركي العرب المعتقدين بالكعبة ، كما أنها لم تكن تستطع توجيه اليهود و النصارى الذين كانوا يزعمون انفسهم - انئذ - اصحاب القبلة ، و يعتقدون ان المسلمين مجرد اتباع لهم ، لذلك قال الله تعالى :
[ وكذلك جعلناكم امة وسطا ]
هداكم الله الى صراط مستقيم هو : الصراط الوسط بين تطرف الناس ذات اليمين وذات الشمال ، بين تطرف اليهود الى المادية ، و تطرف النصارى الى الرهبانية ، بين الحرية الفوضوية وبين الاستبداد الغاشم ، بين ظلم الفرد للجماعة ، وبين ظلم الجماعة للفرد ، و الهدف من الامة الاسلامية ان تكون شاهدة على مسيرة الامم الاخرى .
[ لتكونوا شهداء على الناس ]
ماذا يعني الشهداء على الناس ؟
لعله يعني ان تكونوا موجهين لهم نحو مبادىء الرسالة ، بمثل ما يكون الرسول شهيدا عليكم .
[ ويكون الرسول عليكم شهيدا ]
فذات المسؤولية التي يتحملها الرسول تجاهكم ، يجب عليكم ان تتحملوها تجاه الامم الاخرى ، وفي مناسبات اخرى تحدث القرآن عن مسؤوليات الرسول تجاه امته وعلينا مراجعتها لنعرف مسؤولياتنا تجاه الامم الاخرى .
اما القبلة السابقة فلم تكن الا قبلة مرحلية ، و لهدف محدد هو اختبار الذين آمنوا من مشركي العرب ، ليعلم الله هل تركوا حساسياتهم الساذجة تجاه الرسالات الالهية السابقة ، وتجاه قبلتهم بيت المقدس ام لا .
[ وما جعلنا القبلة التي كنت عليها ]
التوجه الى بيت المقدس .
[ الا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ]
و يعود الى حساسياته العصبية التي كانت تنكر على الرسول الاشتراك مع اليهود و اعداء العرب السابقين ، في اي مظهر من المظاهر الاجتماعية ، او شعيرة من الشعائر الدينية .
و التخلص من الحساسية العصبية ليس سهلا .
[ وان كانت لكبيرة الا على الذين هدى الله ]
و تركوا التقاليد البالية امتثالا لامر الله ، اما صلواتكم التي توجهتم بها الى بيت المقدس فهي محفوظة عند الله .
[ وما كان الله ليضيع ايمانكم ان الله بالناس لرؤوف رحيم ][ 144] كان الرسول يعلم : ان الكعبة هي قبلة المسلمين ، وانما كان بيت المقدس قبلة مؤقتة ، فكان ينتظر من الله امرا بالتوجه الى الكعبة ، ولكنه لم يكن يطلب ذلك صراحة ، لانه رسول ، عليه ان يبلغ رسالة الله ، دون ان يدخل فيها من ذاته شيئا ، فحقق الله للرسول ما احب وقال :
[ قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ]اي باتجاه المسجد الحرام وبالتالي الكعبة ، اما اهل الكتاب فلا تفكروا فيهم ، اذ انهم يعلمون الحق ويخالفونه .
[ وان الذين اوتوا الكتاب ليعلمون انه الحق من ربهم ]ولكنهم يخالفون علمهم ، بيد ان الله سوف يجازيهم على ذلك .
[ وما الله بغافل عما يعملون ]
|