فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
[ 1 / 2 ] مع اختلاف الكلمتين ( المزمل و المدثر ) في معناهما ، و استقلال السورتين في موضوعهما و سياقهما ، الا ان البعض خلط بينهما الى حد التطابق في النصوص الواردة في أسباب التنزيل مما يضعف رواياتها عندي . قال تعالى :

[ يا ايها المدثر ]

لقد اجمع المفسرون على ان " المدثر " هو رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم - سماه ربه بذلك ، قال الكلبي عن ابي عبد الله الصادق - عليه السلام - قال : " يا كلبي كم لمحمد ( ص ) من اسم في القرآن ؟ " فقلت : اسمان او ثلاثة ، فقال : ياكلبي له عشرة اسماء " و عدها الي ان قال : " و يا ايها المدثر و يا ايها المزمل " (1) و وقع الاختلاف في انه ( ص ) لم سمي مدثرا ، فمنهم من أول الظاهر ، و منهم من بقي عليه ، و تساءل : لماذا تدثر الرسول بثيابه ؟

قال جابر عن رسول الله ( ص ) انه قال : " جاورت بحراء شهرا ، فلما قضيت(1) البرهان / ج 3 / ص 28 .


جواري نزلت فاستبطنت الوادي ، فنوديت فنظرت امامي و خلفي ، و عن يميني و عن شمالي فلم ار احدا ، ثم نوديت فرفعت راسي فاذا هو على العرش في الهواء - يعني جبرئيل - فقلت : دثروني دثروني فصبوا علي ماء ، فانزل الله عز و جل : " الآيات من المدثر " (1)، و في الدر المنثور : " فرفعت رأسي فاذا الملك الذي جاءني بحراء على كرسي بين السماء و الارض ، فجئت رعبا فقلت : .. الخ " (2) و نقل الفخر الرازي ان نفرا من قريش اذوا رسول الله ( ص ) و هم : ابو جهل ، و ابو لهب ، و ابو سفيان ، و الوليد ، و النضربن الحرث ، و أمية بن خلف ، و العاص بن وائل فقالوا : ان محمدا لساحر ، فوقعت الضجة في الناس : ان محمدا ساحر ، فلما سمع رسول الله ( ص ) ذلك اشتد عليه ، و رجع الى بيته محزونا ، فتدثر بثوبه ، فجاءه جبرئيل ( ع ) و ايقظه ، و قال : " يا ايها المدثر " (3) ، و ضعف السيوطي ذلك في اسباب النزول ص 223 ، و لقد انتقدت في سورة المزمل اسباب النزول هذه لما فيها من اشارة الى شك اصاب الرسول في رسالته ، و ضعف في الموقف قبالة ضغوط المشركين ، بلى . قد يكون النبي ( ص ) حين نزول هذه الآيات متدثرا لاسباب عادية .


و من المفسرين من تاول لكلمة المدثر غير ظاهرها فقال : ان المراد كونه متدثرا بدثار النبوة و الرسالة ، من قولهم البسه الله لباس التقوى ، و زينه برداء العلم ، و يقال : تلبس فلان بكذا (4) ، و قد نقل العلامة الطباطبائي هذا الراي في تفسيره و قواه (5) ، وقيل : المراد به الاستراحة و الفراغ ، فكانه قيل له : يا ايها المستريح(1) مجمع البيان / ج 10 / ص 384 و التبيان / ج 10 / ص 171 ، و الكشاف / ج 4 / ص 644 و التفسير الكبير / ج 30 / ص 189 ، و في ظلال القران / ج 8 / ص 345 ، و الميزان / ج 20 / ص 83 .

(2) الدر المنثور / ج 6 / ص 280 .

(3) التفسير الكبير / ج 30 / ص 190 .

(4) المصدر .

(5) الميزان / ج 20 / ص 79 .


الفارغ قد انقضى زمن الراحة ، و اقبل زمن متاعب التكاليف و هداية الناس (1) ، و هو بعيد عما نعرفه من خلق الرسول الذي ما كان ليستريح و لا يني يجاهد لاعلاء كلمة الله قبل و بعد البعثة .

و في اللغة : المدثر : المتفعل من الدثار ، الا ان الثاء ادغمت في الدال لانها من مخرجها ، مع ان الدال اقوى بالجهر فيها عن التبيان ، و هو المتغطي بالثياب عند النوم (2) ، يقال : تدثر تدثرا ، و دثره تدثيرا ، و دثر الرسم يدثر دثورا اذا محي اثره (3) ، و القوي عندي في معنى المدثر ثلاثة اراء :

الاول : ظاهر الكلمة اي المتدثر بغطاء ، فان الوحي كان ينزل على رسول الله ( ص ) في مختلف حالاته ، راكبا و راجلا ، و نائما و يقظا و .. و ..

الثاني : المتدثر بدثار النبوة ، و قد بينا ما يشبه ذلك في تفسير الآية الاولى من سورة المزمل .

الثالث : المتكتم و المتخفي ، و انما سمي الدثار دثارا لانه يخفي النائم ، من باب دثرت المعالم اذا انمحت و اختفت ، و عليه يحتمل ان تكون سورة المدثر فاتحة المرحلة العلنية من الدعوة الاسلامية ، التي مرت في بدايتها بظروف السرية و التكمان .. و اذا صح هذاالراي قد نكون وصلنا الى حل للاختلاف بين المفسرين في انه هل العلق هي اول ما نزل من القران ام سورة المدثر ؟ حيث يوصلنا هذا الراي الى ان العلق هي اول سورة نزلت على الاطلاق ، اما المدثر فهي اول ايذان باعلان الدعوة من الله .


(1) المصدر .

(2) مجمع البيان / ج 10 / ص 383 .

(3) التبيان / ج 10 / ص 172 .


[ قم فانذر ]

قال الرازي : في قوله : " قم " و جهان : قم من مضجعك ، و قم قيام عزم و تصميم (1) ، و يتسع المعنى لقيام الجهاد و التغيير و الثورة لوصفه تعالى المتقاعسين و الساكتين بالقاعدين في قوله " و فضل الله المجاهدين على القاعدين اجرا عظيما "(2) و هكذا في مواضع اخرى من القرآن (3) ، و الانذار و التحذير من عواقب الضلال و الانحراف انه من اهم أهداف الحركة الرسالية الاصيلة و منطلقاتها ، لانه يعكس في الحقيقة تحسس الطلائع بالواقع الفاسد ، و من ثم تحركهم للتغيير ايمانا بالمسؤولية الربانية .

بلى . قد يكون نفسه على الطريق السوي ، و لكن مسؤوليته شاملة لا تنحصر في ذاته وحسب ، بل هو كفرد من المجتمع مسؤول عن واقعه ، ليس من زاوية انسانية و دينية فقط بل من زاوية واقعية ايضا ، فان تخلف مجتمعه و امته يؤثر عليه شاء ام ابى ، و ان القوانين و السننالجزائية تطال الجميع دون استثناء .. و لا ريب ان نشر القيم الصالحة ، و توعية المجتمع ، و من ثم تغيير مسيرته نحو الصواب ، يجعل الانسان أقرب الى أهدافه ، و أقدر على بلوغها بصورة اسرع و أفضل حيث يتحرك في محيط صالح ممهد للنهضة و التقدم .

ومن الناس من يتوانى عن إداء مسؤوليته الاجتماعية ، و يتعلل بفهمه الخاطىء لقول الله سبحانه : " يا ايها الذين امنوا عليكم انفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم " (4) و يزعم انه يأمر بالتقاعس و التساهل ازاء تخلف المجتمع و انحرافه ،(1) التفسير الكبير / ج 30 / ص 190 .

(2) النساء / 95 .

(3) المائدة / 24 ، التوبة / 46 - 86 .

(4) المائدة / 105 .


كلا .. اليس الظاهر القراني حجة ؟ اوليس هذا القران ينادي فينا بالقيام و النهضة للتغيير ؟ اوليس القرآن رسالة الله الى كل انسان مكلف ؟ اوليس الرسول ( ص ) اسوة حسنة لنا جميعا .. فقد قام و انذر و اصلح بذلك مجتمعه و أسس حضارة الاسلام .

ان الطلاق بين الامة و رسالتها ، و تقليد الشرق و الغرب ، و سبات العقل ، و حالة الفردية و التفرق ، و الجهل ، و القعود عن الجهاد في سبيل الله ، و .. و .. كلها خطوات نحو أسوء العواقب ، و يجب علينا ان ننذر انفسنا و امتنا من مخاطرها ، و اعظم ما ينبغي التحذير منه هو نسيان الله عز وجل فانه لما كان لا مخافة اشد من الخوف من عقاب الله كان الانذار منه اجل الانذار ، كما يقول شيخ الطائفة (1) .

و علق صاحب الميزان على أمر الله للنبي بالانذار فقال : و التقدير : انذر عشيرتك الاقربين لمناسبة ابتداء الدعوة كما ورد في سورة الشعراء (2) ، و الاقرب أطلاق الانذار ، لان التخصيص لا دليل عليه ، مع ان سياق السورة وجوها العام يوحيان الى انه موجه الى الكفار جميعا ، و هكذا يوجب الانذار لجميع الناس على كل مسلم .

[ 3 / 7 ] و بعد الامر الالهي بالقيام و الإنذار يبين القرآن اهم الصفات التي يجب توافرها في المنذر ، حتى يكون عند الله منذرا بتمام المعنى ، و لكي تثمر جهوده و مساعيه .. فليس المهم ان ينهض الواحد للجهاد و التغيير و حسب ، بل الاهم ان يؤدي دوره على الوجه الصحيح و الاكمل ، و ذلك بالتزامه بخمس صفات في شخصيته و مسيرته :


(1) التبيان / ج 10 / ص 171 .

(2) الميزان / ج 20 / ص 80 .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس