فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


كل نفس بما كسبت رهينة
هدى من الآيات

" كلا " .. بهذا الرد القاطع و العنيف يواجه القرآن أباطيل الكفار في شأن الوحي ، إذا زعموا أنه سحر يؤثر ، و أنه قول البشر ، و يوجهنا الى ثلاث من آيات الله في الطبيعة ، و هي القمر ، و حين إدبار الليل ، و عند إسفار الصباح ، فعندما يتدبر الانسان في هذه الآيات تتجلى له ذات الحقيقة العظمى التي تهدي اليها آيات الذكر و هي حقيقة التوحيد ، بل يجدها شهادات هادية الى الايمان بالرسالة .. و كأنها تقرأ عليه الآيات الثلاث ( 35 ، 36 ، 37 ) من المدثر ، و هكذا نجد القرآن في كثير من آياته يربط بين التفكر في الطبيعة و الايمان بالحق المنزل في الكتاب ، ذلك ان القرآن ينطق بسنن الله في الخليقة ، و الكائنات تجسد آيات الله في القرآن ، و هنا و هناك نجد تجليات أسماء الله سواء بسواء ، و كل واحد منهما يهدي الى الآخر ، فكما ان آياته تكشف عن حقائقها و الأنظمة الحاكمة فيها ، و تفسر ظواهرها ، فإنها هي الآخرى تهدي الى الإيمان به ( الايات 31 / 34 ) من خلال توافقها مع الكتاب ،و تمثيلها لما فيه .

و لان سبيل الكتاب قويم و قائم على التوازن بين السلب و الإيجاب فإنه يؤكد صدق آياته " إنها لإحدى الكبر * نذيرا للبشر " و ذلك مباشرة بعد ان يسفه مزاعم الكفار حول الرسالة ، مؤكدا بأن الموقف منها هو العامل الرئيسي في تقدم البشرية او تأخرها ، وذلك ان النفس البشرية رهينة في سجن الجهل و الظلم و الهوى و الشيطان و .. و .. وسعيها لا يزيدها الا ارتهانا و قيودا على قيودها ، الا ان تفك رهانها و تصلح سعيها بالسير على هدى ذكر الله و نذيره للبشر وهو كتابه الكريم ، كما فك رهانهم به أصحاب اليمين ( الآيات 35 / 39 ) .

و من خلال حوار بين هذا الفريق المفلح و بين المجرمين الذين سلكوا سقر المحرقة و المخزية يبين لنا القرآن معالم الطريق اليها ، فهي و ان كانت في الاخرة دركة من النار الا انها منهجية عملية في الدنيا تتمثل في ترك الصلاة ، و عدم مساعدة المحتاجين و الضعفاء، و الخوض من الخائضين ، و التكذيب بالآخرة ، و لقاء الله على هذا الضلال البعيد ، و الذي لا ريب ان أحدا لا يشفع لصاحبه عند الله ، بل لا تنفعه فيه شفاعة الشافعين ( الآيات 40 / 48 ) .

و يستنكر ربنا على الكفار حماقتهم و استحمارهم بالاعراض عن التذكرة التي جاءت لإنقاذهم من سقر الجهل و التخلف و الضلال في الدنيا و من سقر النار في الآخرة ، و لكن هزيمة الانسان أمام هوى نفسه و همزات الشيطان ، و عدم حضور الآخرة في وعيه ، هما اللذان يدفعانه الى الإعراض عن التذكرة المبينة ( الآيات 49 / 53 ) .

و لان المقياس السليم لمعرفة الحق ليس موقف الناس ، بل معرفته بذاته ، فإن إعراض المجرمين عن القرآن لا يعني من قريب و لا بعيد أنه باطل ، و لا يغير منواقعه .. " كلا " إنه تذكرة اقبل عليه الناس أو أدبروا عنه ، فمن شاء تذكر به ربه و الحق ، " و ما يذكرون الا ان يشاء الله " بلطفه و توفيقه ( الآيات 54 / 56 ) .

فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس