بينات من الآيات
الاستعداد النفسي :
[4] لكي نعرف الحق نحتاج الى الانفتاح عليه والبحث الجدي عن آياته ، وإنك تحتاج الى البحث السليم عن طريقك وانت تسير في الصحراء او في الجبال حتى تكشفه من خلال المعالم الموجودة على الرمال ، او بين الصخور .
فاذا أراد الانسان ان يعرف طريقه في الحياة من أين جاء ، والى أين يسير ، و كيف ومتى ، وأين ينتهي به المطاف ، وكيف يسعد ، وكيف يمارس أعماله بشكل لا تتعارض و مصالحه الحقيقية و هكذا ؟
أفــلا يحتاج الى البحث ، وهل يمكن ان يكشف احدنا طريقه في الحياة بــلا تعب ؟! كلا ..
و من حسن حظنا نحن البشر ان الله من علينا بتوضيح طرق الحياة ، و هدانا الىأبلج الطرق ، و المطلوب منا ان نفتح أعيننا جيدا لنهتدي بهدى ربنا ، أما اذا أغمضنا أعيننا فحتى نور الشمس لا يستطيع ان ينفذ الى عين مغمضة ، اذا فالشرط الأول للهداية ، هو الاستعداد النفسي لتقبلها اذا توفرت آياتها ، اما اذا لم يكن عند الانسان هذا الاستعداد ، و قرر سلفا الكفر بالحق ، فانه سوف يعرض عن آيات الحق ، و مثلا على ذلك الذي ينتمي الى حزب ، ولا يفكر أبدا في ترك هذا الحزب لأنه قد اتخذ قراره سلفا لانكار الحق ، كذلك الكافرون يعرضون عن آيات الحق لأنهم قد اتخذوا قرارهم الخاطئ سلفا بالكفر .
[ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم الا كانوا عنها معرضين ]انهم لا يحضرون عند من يتلو الآيات ، و ان حضروا فهم لا يستمعون الى تلـــك الآيات ، و ان استمعوا اليها فليس للاهتداء بها بل من أجل ردها .
عاقبة الاستهزاء بالحق :
[5] يستخف الكفار بآيات ربهم ، و الواقع أنهم يستخفون بالحق الذي تدل عليه تلك الآيات . ان من لا يحضر عند من يذكر بالله ، ويقول : من هذا حتى أحضر عنده ؟! أنه لا يستخف بهذا الرجل . بل بالحق الذي يحمله .
كذلك من لا يقرأ كتابا يهديه الى الحق ويقول مستخفا . به : ما هذا ؟! إنه يستخف بالحق لا بالكتاب .
كذلك من لا ينظر الى آيات الله في الكون نظرا عبريا ، و كذلك الذي لا يتدبر في القرآن .
[ فقد كذبوا بالحق لما جاءهم]
ان فطرة الانسان تدفعه الى البحث عن الحق ، و لكن الذي دنس فطرته بوسخالشرك . ينكر الحق ، و يكذب به حتى وإن جاءه بدون بحث او صعوبة .
[ فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون ]
إن مثل هؤلاء لا يعرفون أهمية الحق و دوره في فلاحهم و سعادتهم ، و مدى حاجتهم اليه ، و هذا الجهل سيرديهم ، لأن الحق الذي يستخفون به ، و ينكرون دوره في حياتهم سوف ينتقم منهم غدا حين يخالفونه .
إنك اذا انكرت حقيقة الجاذبية في الأرض و أعرضت عمدا عن كل الآيات التي تدل عليها . و اذا قيل لك : إن سقوط التفاح من الشجر و انحدار السيل ، و تساقط المطر كل ذلك يدل على الجاذبية ، و انك لو قفزت من عل فسوف تسحبك الارض و تحطم عظامك ؛ قلت : كلا .. و لمتستمع الى الأدلة ، بل أعرضت عنها .
ماذا ستكون النتيجة ؟ بالطبع ان هذا الحق الذي أنكرته اليوم ، سيأتيك غدا لينتقم منك ، بأن تسقط في يوم من الايام فاذا بعظامك محطمة .
كذلك لو انكرت حقيقة ان السكوت على حكم الظالم سيحطم سعادة الشعب ، و لم تستمع الى آيات هذا الحق المتمثلة في مئات العبر التاريخية الغابرة ، و التجارب البشرية الحاضرة ، فسوف تسكت عن الظالم ، و تكون أنت اول من يحيط به ظلم الظالم ، و يحطم سعادته .
[6] هكـــذا كـان مصير كل اولئك الذين أعرضوا عن آيات الله ، و كذبوا بالحق ، و استهزؤوا به كتعبير عن إستخفافهم به ، و استهانتهم بدوره في سعادتهم .
سنة العذاب :
إننا إذا نظرنا الى تاريخ البشرية فأننا نرى حقيقة بارزة هي ان مصير كل المكذبين بالحق كانت المأساة .
[ ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن ]
هل أهلكوا لأنهم كانوا ضعفاء ؟ كلا بل بالعكس :
[ مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم ]
أي أنهم سيطروا على موارد الأرض ، و سخروها في مصلحتهم باذن الله ، و استقروا في الأرض ، و اطمأنوا بها حتى ليكاد يحسبهم الناظر انهم خالدون فيها .
[ و أرسلنا السماء عليهم مدرارا و جعلنا الأنهار تجري من تحتهم ]لقد استقروا في الأرض و تجاوزوا مرحلة البداوة ، و الارتحال من منطقة لأخرى طلبا للرزق ، خوفا من الوحوش ، أو من نكبات الطبيعة ، ثم كانت موارد الرزق عندهم كبيرة و سهلة و هذه هي اسباب قيام الحضارات البشرية .
و لكــن هذه الحضارة ( التمكين ) لم تشفع لهم . اذ أنهم حين أعرضوا عن آيات الحق ، و كذبوا بها و استهزؤوا . آنئذ خالفوا عمليا الحق ، و أكثروا من الذنوب التي هي تعبير ديني عن مخالفة الحق .
إنهــم ظلموا أنفسهم ، و طغوا على الآخرين ، و لم يستفيدوا من موارد الطبيعة ، بل أفسدوها ، و فعلوا مثلما فعل قوم عاد أو قوم لوط أو قوم شعيب ، و كانت النتيجة : ان تلك الذنوب تكاثرت حتى أحاطت بهم ، و أنهت حضاراتهم .
[فأهلكناهم بذنوبهم وأنشانا من بعدهم قرنا آخرين ]
ان هذه عبرة كافية للبشر اذا أراد أن يعتبر .
[7] ولكن البشر قد يغلق على نفسه منافذ قلبه . فلا يقبل الحق و لو جاءهبطريقة إعجازية .
[ ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم ]
أي في أوراق ملموسة يرونها تهبط عليهم من السماء كما ينزل المطر إنهم لا يفكرون أن ذلك إعجاز ، فكيف ينزل من السماء قرطاس فيه هدى و نور ، إذا :
[ لقال الذين كفروا إن هذا الا سحر مبين ]
و كيف يمكن إقناع من يخلط المعجزة بالسحر ؟ هل بمعجزة أقوى و أكبر ؟! انه آنئذ سيزعم أنها سحر أكبر ؟!
إن إقناع هذا الشخص اصعب من إقناع من يخلط بين المتناقضات في تفكيره كالبدائي الذي يزعم : ان من الممكن ان يوجد شخص في مكانين في زمان واحد ، ذلك لان هذا يعاني من نقص في تفكيره . يمكن ازالته بالتعليم أما ذاك فهو مصمم على ألا يقتنع بالحق لأنه لا يرى أهمية لذلك أصلا .
[8] ان هذه الطائفة تطالب أبدا بمعاجز جديدة . تهربا من الاقتناع بالحق ، و ليس هدفهم من هذه المطالب بريئا .
[ و قالوا لو لا انزل عليه ملك ]
من السماء نراه بأعيننا حتى نصدق به ، و لكن إذا جاء هل يصدقون به أم يعودون و يقولون : إنه سحر مبين ؟!
إن لله سننا و أنظمة في الكون يجري عليها أمور الكون ، ولا يخرق هذه السنن بطلب كل احد .
و من تلك السنن : أنه قدر الا ينزل الملائكة الا في يوم المعاد . حيث يظهر الجزاء فورا و بصورة واضحة . في ذلك اليوم تظهر الملائكة لكي يجازوا الناس بأعمالهم ، و تظهر حقائق الكون للجميع . لذلك قال ربنا :
[ و لو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لاينظرون ]
في ذلك اليوم تنتهي فرصة الاختبار للانسان ، و يأتي يوم الجزاء العاجل الذي لا يمهل صاحبه ، اما الان فنحن في يوم المهلة .
[9] ثـــم ما الفرق بين ان ينزل الله ملكا او ينزل رجلا ، فما دام الفرد كافرا و جاحدا . لا فــرق بين أن يأتيه رجل رسول ، أو يأتيه ملك رسولا . انه سوف يكفر بهما جميعا .
[ ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا و للبسنا عليهم ما يلبسون ]إن الهدف من بعث الرسل ليس إكراه الناس على الالتزام بطريق الحق ، بل اتمام الحجة عليهم و ذلك بتوفير فرصة الهداية لهم كي لايقولوا يوم القيامة : لم نكن نعلم .
و لذلك لو بعث الله ملكا إذا لجعله الله يشبه الناس حتى في ملابسه حتى يستطيع أن يتفاهم معهم ، و يهديهم .
[10] إن مشكلة الكافر هي إسخفافه بالحق و استهزائه به . و السبب هو : أن الكافر - كما قلنا سابقا - لا يعرف مدى أهمية الحق في حياته وأن علينا ان نبين له تلك الأهمية من خلال تجارب التاريخ .
[ و لقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا بهيستهزؤون ]
ان الحق الذي كفر به هؤلاء و استهزؤوا بمن هداهم اليه تحول الى واقع مر ، و دمر حياتهم .
[11] ان الرسل قالوا لهم : ان الاستسلام للطاغوت حرام ، وعلى البشر أن يثور ضده . فهذا هو الحق الذي حمله الرسل الى الناس ، و لكنهم كفروا بهم ، و استهــزؤوا بهذه الحقيقة . فماذا كانت النتيجة ؟
إن الحق تحول الى واقع فسيطر الطاغوت على البشر ، و افسد عليهم الحياة ، و جعلها جحيما لا تطاق .
و لكي نفهم هذه التجربة العظيمة علينا ان نراجع التاريخ :
[ قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين ]إن حياتهم انتهت الى جحيم بسبب تكذيبهم للحق ، و استهزائهم بالرسل .
|