فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات


متى يكون الانفاق لله شركا ؟

[136] الشرك و الكفر توأمان ، بيد ان الشرك كفر مغلف ، يستهدف ارضاء كل الاطراف ، وهو ناتج عن ضعف الارادة ، وسوء الحكم و التقدير ، و الشرك حال نفسية تحاول خداع فطرة الايمان بالله ، و اشباع شهوات النفس في عملية تلفيقية مفضوحة .

[ و جعلوا لله مما ذرأ من الحرث و الأنعام نصيبا فقالوا هذا للـه بزعمهم و هذا لشركائنا ]قالوا : هذا لله لارضاء حس التدين الطبيعي في النفس ، و لخداع المتدينين ، و لان ما لله لا يعارض ما لشركائهم ، فاذا كان يعارضهم فانهم يسلبون حتى ما لله لشركائهم .

انهم يبنون الجوامع الفخمة لله بزعمهم ، انهم يطبعون نسخا من القرآن الكريم ، انهم يقيمون صلوات الجمعة و الاعياد ، حتى انهم يحجون لربهم .

و لكنهم في ذات الوقت ، يجعلون للشركاء نصيبا ، فهم يبنون القصور من أموال المحرومين ، و يبنون الدول على حساب المستضعفين ، و يكنزون الذهب و الفضة ، و يدعمون الطاغوت ، و يشيعون الارهاب في البلاد ، و بالتالي يعطون للشركاء كل ما في الحياة من لباب ، و يدعون القشور لربهم ، و الله لا يرضى بالقشور .

[ فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله ]


الحكم الذي جعلوه للطاغوت ، لا يمكن ان يكون حكما إلهيا يسكت عنه ربنا أو يرضى به ، و المال الذي جعلوه دولة بين الأغنياء منهم لا يمكن أن يكون برضا الله سبحانه ، بل انه تعالى يمقته و يرفضه .

[ وما كان لله فهو يصل الى شركائهم ]

الصلاة التي لا تنهى عن الفحشاء و المنكر ، و الزكاة التي تعمق الهوة بين الفقراء و الاغنياء ، و تدعم سلطة الطاغوت لانها تعطى له ، و الحج الذي يتحول الى سفرة سياحية ، أو مورد مالي للجاهلية الجديدة ، و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر اللذان أصبحا سوطا على رقاب المستضعفين دون المستكبرين ، انها جميعا من طقوس الطاغوت ، و ليست من شعائر الله تعالى .

[ ساء ما يحكمون ]


موقف الشريعة من تحديد النسل :

[137] و هنا يطرح السؤال التالي : ما هدف الطاغوت و من حوله من ملأ المستكبرين ، و حاشية السلاطين و جلاوزة الأنظمة المفسدين ؟

ان هدفهم أولا : استضعاف الجماهير ، و ثانيا : تضليلهم ، ومن الطبيعي ان التضليل يأتي بهدف إبقاء واقع استثمارهم و استعبادهم ، و كمثل بارز لهذين الهدفين أن الشركاء الذي يتقاسمون السلطة مع الله - في زعم هؤلاء - انهم يشيعون بين الجماهير نوعا من الثقافةالجاهلية تشجعهم على قتل أولادهم ، فمن ناحية يضللونهم عن فطرتهم النقية في حب الاولاد ، و ضرورة الابقاء عليهم و من ناحية ثانية يهلكونهم بذلك ، اذ ان الجيل الذي ينقطع نسله جيل أبتر ، و بالتالي أصلح للاستثمار .


[ و كذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ]و كمثل لهذا الواقع المشين ثقافة الجاهلية الحديثة التي تشجع على تحديد النسل ، و على الاجهاض في الوقت الذي تزداد الهوة الطبقية في تلك المجتمعات التي تأخذ بهذه الفكرة ، و تصرف البلايين في الحاجات الكمالية التافهة دون ان يفكروا في أن جزء بسيطا من هذهالاموال يكفي لاعاشة الأولاد الذين منع من ولادتهم ، و من بركاتهم في الحياة .

علما بأن التفجر السكاني وسيلة طبيعية للقضاء على الطبقات المستكبرة ، لان كل فم يحتاج الى خبز سينفتح بالاحتجاج على الطبقية المقيتة .

لذلك يكون الهدف من قتل الاولاد هلاك الناس و تضليلهم .

[ ليردوهم و ليلبسوا عليهم دينهم ]

ذلك ان الدين الصحيح سلاح فعال ضد الطغاة ، فتضليل الناس عنه هــدف اساس للطغيان .

و الله قادر على أن يحطم عرش الطغاة ، بقدرته الغيبية ، و لكنه لا يفعل ذلك مادام الناس غير واعين ، ولا يفكرون في نجاة أنفسهم من الطغيان ، و ذلك بالكف عن الثقافة المشركة التي تفتري على الله سبحانه .

[ ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون ]


الخرافات افراز للشرك :

[138] حين يتمثل المنهج الشركي في نظام اجتماعي يتبين ضلالته و انحرافه أكثر فأكثر ، و فــي الجاهلية كانوا يحرمون طائفة من الطيبات على الناس ، الا منيشاؤون حسب أفكارهم و مزاعمهم .

[ وقالوا هذه انعام و حرث حجر ]

اي موقوف لا يمكن الانتفاع بهما .

[ لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم ]

اي الا لمن تشاؤه أهواؤهم و خرافاتهم .

[ و أنعام حرمت ظهورها ]

لا لشيء الا بسبب منهجهم الفكري الفاسد و أهم افراز لهذا المنهج انهم لا يذكرون اسم الله على بعض الانعام .

[ و انعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه ]

فيتقربون بتلك الذبائح الى الاصنام ، أو الى الجن أو الملائكة أو بعض أبناء الناس ، و ذلك حين كانوا يزعمون ان كل تلك آلهة يتقرب بها الانسان الى ربه سبحانه . حيث قالوا : " ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى " (1)[ سيجزيهم بما كانوا يفترون ]

على الله ، ، ويزعمون : ان بعض الاشياء أو الاشخاص أبواب الله دون أن يكونوا كذلك .

و يبقى سؤال : ما هي علاقة الشرك بهذه الخرافات ؟


(1) الزمر / 3


و الجواب : اولا : ان الشرك بالله يحور القلب ، و يحجب العقل ، و يعمي البصيرة ، فيرى البشر الاشياء مقلوبة ، و قد يصل به الامر الى اعتبار الخير شرا ، و النافع ضارا .

ثانيا : ان كثيرا من المحرمات الاعتباطية نابعة من الايمان بالشركاء ، اذ ان خشية الشركاء تحرم المشركون من كثير من الطيبات .

ثالثا : ان الواقع الاجتماعي الذي يفرزه نظام الشرك يحرم على الشعب كثيرا من الطيبات بسبب الطبقية المقيتة ، بل العنصرية التي تسوده .

[139] و كان من مظاهر احكامهم الباطلة ، و تشريعاتهم السخيفة ، التفرقة بين الرجال و النساء مما تأباه الفطرة السلمية .

[ و قالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا و محرم على أزواجنا ]و في الوقت الذي كانوا يعترفون بعلاقة الزوجية التي هي في واقعها التكامل بين الذكر و الانثى ذلك التكامل الذي يدعو الى المشاركة الكاملة في الحقوق و الخيرات كما في المسؤوليات و الواجبات ، في ذات الوقت كانوا لا يكفون عن خرافة التفرقة بين الذكور والازواج .

[ وان يكن ميتة فهم فيه شركاء ]

أي ان كان الجنين ولدا ميتا فسوف يتقاسمه الذكور والأناث معا .

[ سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم ]

انهم سينالون عقابهم بسبب وصفهم الباطل ، و حكمهم غير العادل ، حيث فرقوا بين الاناث و الذكور في الانتفاع بالطيبات ، و الله حكيم يحكم بالعدل ، و عليم يعلممن يخالف العدل الالهي .


اعدام الطفولة البريئة :

[140] و أسوء من التفرقة الطبقية و العنصرية و حتى التفرقة بين الرجل و المرأة ، أسـوء منها قتل الاولاد ، تلك العادة الجاهلية العريقة و المتجددة مع كل جاهلية ، و سببها النظرة الشاذة الى الحياة ، و الجهل و الافتراء على الله ، و الضلالة عن الحق .


[ قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم ]

و اي سفه أكبر و أخطر من أن يقوم الفرد بألحاق الضرر و الخسران بنفسه ، و أن يقتل أولاده ، و هذا السفه الذي يدل على قلة الشعور ، و عدم معرفة ما يضر و ما ينفع البشر ، انه مدعوم بالجهل أيضا اذ أن العلم يزيد الشعور ، و يوقظ العقل في البشر .

[ و حرموا ما رزقهم الله افتراء على الله ]

لان هؤلاء افتروا على الله و ما اهتدوا بالمنهج الالهي الذي يوضح للبشر كيف يستفيد من نعم الله عليه ، و بالتالي لانهم لم يجعلوا الحق محورا لهم ، و مقياسا لأعمالهم ، و بصيرة لفهم الحياة .

لذلك حرموا على أنفسهم هذه الفرصة الطيبة ، و لكن هل ان من يقتل اولاده هو الوحيـــد الـذي يضيع على نفسه فرصة الانتفاع بالحياة ، و الاستفادة مما فيها . كلا .. فكل من لا ينتهج نهج الله انه يخسر ما رزقه من الطيبات ، فالذي لا يربي ابناءه حسب المنهج الالهي القويم أفلا يحرم ما رزقه الله ، و الذي يسرف في الاكل فيعرض صحته للخطر ، أو يأكل المحرمات ، أو يشرب المسكرات ، أو يتعاطى القمار و الزنا ، أو يظلم الناس ، أو يكذب و يغتاب وما أشبه . انه هو الآخر يضيع على نفسه نعم الله عليه ، فهو الآخر مثل الذي يقتلاولاده سفها بغير علم .

[ قد ضلوا و ما كانوا مهتدين ]


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس