ماذا انتفعنا باتباعكم لنا ؟!
بينات من الآيات
بين الاجل والعمل :
[34] ان يعرف البشر أن عقاب أعماله ليست عاجلة و لكنها مؤجلة لوقت محدد ، إن ذاك يعطيه مزيدا من الكبح الذاتي ، و ينمي وجدانه الرادع و يربيه ، و لكن قد يزعم البشر أنه ما دام العقاب مؤجل فمن الممكن ان نستفيد من تأخير العقاب مرة بعد اخرى ، حتى نتوب أو نعمل صالحا فيرتفع العقاب رأسا ، و لكن القرآن يسفه هذا الزعم : بأن لكل أمة أجلا حدده الله ، و بالرغم من ان هذا الاجل مجهول إلا أنه معلوم عند الله ، و إذا بلغ أجله فلن يتبدل ، فعلينا اذا انتظار ذلك الاجل في كل لحظة ، ولا مفر منه و لا تأخير فيه ، و ليس لدينا قدرة على مقاومته إلا بالعمل الصالح الذي يجعل الأجل في صالحنا .
[ و لكل أمة اجل ]
أي وقت تستنفذ الأمة خلاله كل إمكانات التذكر و الايمان .
[ فاذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون ]و كم يكون خطيرا هذا الأجل اذا جاء دون أن يعمل الانسان صالحا .
[35] و لذلك فعلينا أن نستعد للاجل المحدد الذي لا يتغير ، و الاستعداد لا يتم الا بالاستجابة لرسالات الله .
[ يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي ]فعليكم الاستجابة لهذه الرسالة ، التي تفصل لكم كل شيء تفصيلا .
[ فمن اتقى و أصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ]
لا خوف عليهم بسبب أعمالهم الصالحة ، فهم لا يخشون بلوغ الأجل و نهاية الفرصة ، كما الطالب المجد لا يخشى الامتحان ، و كما البريء لا يخشى المحاكمة ، و هم لا يحزنون على ماضيهم الذي استغلوه بالعمل الصالح . استعدادا لهذا اليوم ، و ربمـــا تكون التقوى هي: الجانب النفسي و الاصلاح هو : الجانب العملي .
[36] بيد أن الخوف و الحزن من نصيب الكفار الذي يكذبون بالآيات بعد وضوحها ، فهي علائم صريحة على الحقيقة التي لا يصدقون بها استكبارا ، و استجابة لأهوائهم ، و عقدهم النفسية .
[ و الذين كذبوا بآياتنا و استكبروا عنها ]
إن جزاء هؤلاء الاقتران بالنار ، و التلاحم مع عذابها دون أن يجدوا خلاصا .
[ أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ]
و خلود هؤلاء في النار يعتبر الجزاء المناسب لعنادهم الذي لا رجاء في إصلاحه ، و لاستكبارهم الذي جعل قلوبهم في صندوق حديدي لا ينفذ إليه النور و الهواء ، بالرغم من قوة ضياء النور أو زيادة دفع الهواء .
[ 37] إذا كم يكون ظلم البشر لنفسه كبيرا حين يجعل نفسه في هذا المأزق الخطير ، و يستكبر عن الحقيقة .
[ فمن أظلم ممن إفترى على الله كذبا أو كذب بآياته ]إن البشر حين يستكبر و يتطاول على الحقيقة يخدع نفسه و الآخرين بصنع بديــل للحقيقة ، فهو من جهة يكفر بالحقيقة و الآيات و العلائم الواضحة التي تدل عليها ،و من جهة ثانية يخلق لنفسه أفكارا و ينسبها الى الله كبديلة عن الحقائق ، و جزاء هؤلاء هو : أن تلك الحقائق التي كفروا بها ستحيط بهم و تنتقم منهم .
[ أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ]
إن نصيب المؤمنين العاملين بالكتاب هو تحقق المكتسبات الرسالية الحسنة لهم ، أما نصيب الكفار الرافضين للكتاب فهو تحقق العقوبات التي ينذر بها الكتاب ..
[ حتى اذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله ]أي تلك الأفكار ، و أولئك الشركاء الذين كانوا يجسدون تلك الأفكار في الواقع العملي ، أين هم الآن ؟ و قد كنتم تعتمدون عليهم ، و تزعمون بأنهم يشكلون البديل المناسب عن الحقيقة ، و عن آيات الله !
[ قالوا ضلوا عنا و شهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ]كافرين بالحقيقة ، و بالتالي شهدوا على أنفسهم بأنهم يستحقون العذاب .
حوار التابع و المتبوع :
[38] لأن هؤلاء كانوا مستكبرين ، لذلك كانوا يفتخرون بأنسابهم و بعشيرتهم ، و بالسابقين من آبائهم و كبرائهم ، و حين اجتمعوا في النار ببعضهم ، كان بين التابعين و المتبوعين منهم حوار نافع لنا .
[ قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن و الانس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها ]بالرغم من ان الأمم اللاحقة تعتمد على الأمم السابقة في الدنيا ، لكنها فيالآخرة و لوضوح الحقائق عندهم جميعا يلعن بعضهم بعضا ..
[ حتى اذا اداركوا فيها جميعا ]
أي اجتمعوا إلى بعضهم ، و أدرك بعضهم بعض .
[ قالت أخراهم ]
أي تلك الأمم المتأخرة .
[ لأولاهم ، ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار ]لأنهــم أضلوا و سنوا سنة سيئة ، فسرنا عليها فهم يستحقون ضعفا من العذاب .
[ قال لكل ضعف ]
لأولئك بسبب أسبقيتهم بالكفر ، لأنهم سنوا تلك العادات السيئة ، و روجوا لتلك الأفكار الباطلة ، و كل من يدعو الى فكرة باطلة فله عذاب من يعمل بها .
أما أنتم فعليكم ضعف من العذاب ، لأنكم اتبعتم أولئك من دون سلطان من الله أنزل عليكم ، فالذي يعمل السيئة بسبب شهواته عليه من العذاب بقدرها ، أما من يعملها تقليدا لغيره فعليه بالاضافة الى عذابها عذاب التقليد الباطل ، لأنــه يحرم شرعا أن تتبع أحدا مندون الله ، فان إتباعك له شرك و ضلالة بذاته ، إنه كفران بنعمة الحرية ، و تحطيم لكرامة الله عليك .
[ و لكن لا تعلمون ]
[39] و السابقون أجابوا أتباعهم بأنهم لم يزيدوهم باتباعهم شيئا ، فما الذي انتفع به فرعون من اتباع ملوك مصر له ، و ما الذي انتفع به هتلر من اتباع حكامالبلاد الاسلامية له و لأساليبه ؟ لا شيء .
[ و قالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون ]إن العذاب الذي يذوقه الكفار إنما هو بسبب ما اكتسبوه من أعمال ، لا بسبب هذا الشخص أو ذاك .
|