بينات من الآيات
كيف يخسر المستكبرون
[ 40] [ إن الذين كذبوا بآياتنا و استكبروا عنها ]
الذين كذبوا بآيات الله زاعمين ان التكذيب يخدم ذواتهم ، و يشبع إحساسهم بالعلو والعظمة خسروا مرتين . مرة حين سدوا على أنفسهم بسبب التكذيب أبواب الرحمة ، و آفاق العلم ، و رحاب الحياة ، إذ أن التكذيب كان معتقلا حصينا سجنوا أنفسهم بين جدرانه الضخمة المرتفعة ، و الشرط الأول للاتصال بالحياة هو معرفتها ، و بعد المعرفة يسهل تسخير الحياة لأهداف البشر ، و الذي لا يعترف بالمعرفة ، و يكذب بآيات الحقيقة ، بل لا يعترف بأن هناك واقعـــا عليه أن يوفق نفسه و أعمال حسبه ، كيف يتسنى له تسخير الحياة ؟! من منا يكفر بالحياة ، و يهدم على نفسه السلالم التي لابد أن يتسلقها ، و الخسارة الثانية انهم يخسرون مكانهم في الجنة ، و يدخلون النار .
ان التعبير القرآني يسمو الى منتهى اللطف و الدقة حيث يقول :
[ لا تفتح لهم أبواب السماء ]
ثم ان البشر يسمو بمعنوياته و بدعائه و بايمانه و بارادته و برؤيته البعيدة , و كلذلك مسلوب ممن يكذب بآيات الله ، لأنه لا يعترف بالله و لا يريد الايمان به .
إن ابواب السماء مفتوحة أمام أعمال المؤمنين و دعواتهم ، بعكس الكفار .
و يأتي القرآن ليبين الخسارة الثانية فيقول :
[ و لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ]
و لانه مستحيل أن يدخل الجمل بضخامته في ثقب المخيط لصغره ، فأن دخول الجنة هو الآخر غير واقع .
[ و كذلك نجزي المجرمين ]
فليس ذلك فقط بسبب كفرهم و استكبارهم ، بل و أيضا بسبب إجرامهم العملي ، و بقدرة الله أيضا و قبل كل شيء .
[41] محل هؤلاء النار ، حيث يستقرون في جهنم و فوقهم ظلل من اللهيب و الدخان ، تغشاهم و تسترهم .
[ لهم من جهنم مهاد و من فوقهم غواش و كذلك نجزي الظالمين ]بظلمهم و بقدر ذلك الظلم .
و حسبما يبدو لي : إن الجمل الاعتراضية في القرآن كالتي سوف تأتي في الآية التالية و هي ( لا نكلف نفسا إلا وسعها ) إنها و الجمل النهائية مثل آخر الآيتين الأخيرتين وما أشبه هي إشارات الى الفطرة البشرية التي يهدي اليها العقل ، و يذكر بها الوحي ، و تبنىعليها شرائع السماء جميعا ، فالجريمة و الظلم قبيحان و جزاؤهما يجب أن يكون شديدا ، و المستكبر المكذب بآيات الله . مجرم ظالم ، و هذهالاشارات تشكل القيم الأساسية في القرآن الحكيم .
عاقبة المؤمنين
[42] تلـــك كانت عاقبة المكذبين الظالمين ، فما هي عاقبة المؤمنين الصالحين ؟
أولا : هؤلاء لا يكلفون فوق طاقتهم ، فليس الايمان أو الواجبات شيئا شاقا حسبما يوهم الشيطان للبشر ، بل هو عمل ميسور .
ثانيا : ان مصير الايمان و الصلاح الجنة و الرضوان ، و صاحب الايمان و الصلاح هو صاحب الجنة و الرضوان ، ذلك حق لا ريب فيه .
[ و الذين آمنوا و عملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ][43] ثالثا : أن الايمان بالله هو مثل للخروج من معتقل الذات الى رحاب الحقيقة ، و من نتائجه الاولية الواقعية في الرؤية ، و أن يرى الشخص نفسه ، و يرى الآخرين معه ، فلا تضيق نفسه بما أنعم الله عليهم ، ولا ينافق معهم ، ولا يسلب منهم نعم الله أو يحب ذلكو يعلم أن فضل الله على أي أحد يتناسب و طيبة نفسه ، و مقدار عمله ، و حكم الله في الحياة ، فاذا لماذا الحقد و الحسد ؟ و لماذا الفسق و التزوير و النفاق ؟ هذه الصفة تنعكس في الآخرة على شكل مؤانسة و صفاء بين قلوب المؤمنين .
[ و نزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار ]الرضا من نعم الله على المؤمنين في الجنة ، فهم كما رضوا في الدنيا بما قسم اللـــه عليهم و أسلموا لربهم ، راضون في الآخرة لأنهم رأوا عاقبة عملهم الصالح .
[ و قالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله ]اذا فهي نعمة كبرى لا يبلغها الفرد بذاته ، بل بالله سبحانه ، و من هنا يستوجب المزيد من الشكر ، و المزيد من الحمد و الرضا .
[ لقد جاءت رسل ربنا بالحق ]
كانوا يؤمنون بهذا الحق في الدنيا إيمانا غيبيا ، و ها هم يرونه عين اليقين أمامهم ، و كما ان المؤمنين يشكرون ربهم ، فان الله يشكرهم و يشعرهم بأن أعمالهم الصالحة هي التي أوجبت لهم هذا الفضل العظيم ، و بهذا يزدادون إحساسا بالرضا و الاعتزاز ، إذ فرق بين أن تحصل على نعمة صدفة أو تخطط لها و تتعب نفسك ، فتصل إليها بجهدك .
[ و نودوا أن تلكم الجنة ]
العظيمة الواسعة النعم .
[ أورثتموها بما كنتم تعملون ]
فأعمالكم الصالحة هي التي جعلتكم تملكون هذه الجنان إرثا حلالا .
|