فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات


التقليد داء المجتمع :

[167] لقد مسخ فريق من بني إسرائيل قردة خاسئين ، و بالرغم من ان ذلك الفريق السيء الحظ قد هلك بعد ثلاثة أيام أو سبعة أيام حسب ما جاء في التاريخ ، إلا أن تلك الحالة قد استمرت بعدئذ في أجيال بني إسرائيل التي عصت ربها و اتبعت شهواتها ، أو حتى لم تحترمقوانين الدين .

ما هي تلك الحالة ؟

لابد أن نعرف مسبقا أن أبرز سمات القرد هو التقليد و التشبه بالآخرين ، و هذا يستدرج منتهى درجات الذلة و القماءة ، و لذلك فان الحالة التي استمرت مع الأجيال الصاعدة من بني إسرائيل كان الاستعباد و الذلة ، حيث سلط الله عليهم طاغوت الظلم و الارهاب ، و أنظمة القهر و الديكتاتورية فاذاقتهم سوء العذاب ، و ذلك بسبب عصيانهم لربهم أو سكوتهم عن المعاصي .

[ و إذ تأذن ربك ]


أي أعلن ذلك بوضوح كاف ..

[ ليبعثن عليهم الى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب ]ما داموا في معصية الله أو بالسكوت عن المعاصي ، و إذا غيروا ما بأنفسهم غير الله لهم حالهم ..

[ إن ربك لسريع العقاب ]

بالرغم مما يتراءى للبشر ان عقابه بطيء .. كلا إنه سريع يلحق بالبشر في الدنيا ، وقبل الوقت الذي يسوف العاصي فيه التوبة ، و يمني نفسه بتأخر العذاب .

ثم إن عقاب الله ما دام ثابتا لا محالة ، فان كل آت قريب يحدوه إليه الليل و النهار بسرعة فائقة ، و لا يقدر البشر على الفرار منه إلا اليه سبحانه ، و بالعودة الى مناهجه ، و إصلاح الفاسد ، ذلك لان رحمة الله واسعة ..

[ و إنه لغفور رحيم ]


نتائج الظلم الاجتماعي :

[168] الظلم الذي مارسه بنو إسرائيل من هتك حرمة السبت كان ظلما إجتماعيا عاما و سبب في تبدل النظام السياسي ، و تسلط الطغاة على الحكـــم و قيامهــم باضطهاد الشعب ، ( كما تكونوا يولى عليكم ) و كان من نتائج هذا الظلم الاجتماعي و اشباهه الانهيار في مجتمعهم ، حيث تساقطت حدود المجتمع و تفرقت بنو إسرائيل مجموعات .. مجموعات ..

[ و قطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون و منهم دون ذلك ]و كانت تلك بدورها مرحلة من مراحل سقوط هذا المجتمع المؤمن ، حيث تفرقواو اختلفوا ، و لكن بقيت فيهم أمة صالحة و أمم متدرجة في الصلاح ، و لكن الله أنزل عليهم الحسنات حينا و السيئات حينا لكي يختبرهم و يمتحن مدى صمودهم أمام إغراء الحسنات و عذاب السيئات ..

[ و بلوناهم بالحسنات و السيئات لعلهم يرجعون ]

حيث أن فلسفة الاختبار هي : ظهور ما خفي على الانسان من واقعه الضعيف حتى يصلحه و يكمل نفسه .


ثقافة التبرير :

[169] أما المرحلة الاخطر التي هبط اليها بنو إسرائيل فقد كانت انتشار الثقافة التبريرية التي تتخذ من الدين ستارا لاتباع الشهوات ، كما هــــو الحال عند بعض المسلمين حيث انهم يعملون المعاصي بعد التحايل على الدين ، بزعمهـــم بطريقة أو بأخرى ، فيرابون باسم البيع ، و يسكتون عن الظالم باسم أنه ولي الأمر ، أو باسم أن العصر هو عصر التقية و الانتظار ، أو يشجعون الخلافات باسم أنها الاولى بالاهتمام ، و هكذا .. كانت بنو إسرائيل في هذه المرحلة تتوسل ببعض النصوص و تفسرها حسب آرائها ، و تعمل المعاصي باسمها .


[ فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب ]

و لكنهم لم يعملوا به و أنما كانوا ..

[ يأخذون عرض هذا الأدنى و يقولون سيغفر لنا و إن يأتهم عرض مثله يأخذوه ]إن تفسيرهم للاستغفار ساذج و بعيد عن الحقيقة ، ذلك لأن الاستغفار هو في واقعه الندم و العزم على ترك المعصية ، و إصلاح آثار الذنب السابق ، أما هؤلاء فقدزعموا أن مجرد التمني بالمغفرة كاف في درء خطر العذاب ، علما بان ذلك كان نتيجة اتخاذ الدين وسيلة تبرير لأخطائهم ، و الدليل على ذلك أنهم يعودون الى الذنب كلما وجدوا عرضا زائلا من أعراض الدنيا ، و خطورة هذا النوع من التفكير أنه يكرس ضلالة البشر ، إذ أن وسيلة إصلاح البشر و هي الدين قد اتخذت عندهم وسيلة تبرير للفساد فكيف يمكن إصلاحهم ؟! لذلك فان القرآن شديد أبدا على أولئك الذين يحرفون الدين ويفسرون نصوصه و تعاليمه تفسيرا خاطئا و قد ا تخذ مسبقا العهود و الموثيق على من أرسل عليهم الكتاب بألا ينسبوا الى الله غير الحق المتمثل في توصية الناس بأن الآخرة أفضل من الدنيا ، و ذلك هو هدى العقل إذا انتفع الانسان بعقله .

[ ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق و درسوا ما فيه ]و كانت تعاليم السماء واضحة بالنسبة الى الدنيا و انها عرض زائل ..

[ و الدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون ]

[170] و بالرغم من أن أكثر هؤلاء قد انحرفوا و حرفوا الدين و نسبوا الى ربهم أفكارا باطلة ، إلا أن طائفة منهم تمسكت بالكتاب تمسكا شديدا ، و طبقت تعاليمه و منها : إقامة الصلاة ، و الاستلهام من الله في تصرفاتهم و مواقفهم عن طريق إقامة الصلاة ، و الله سبحانه لا يضيع أجر هؤلاء لأنهم مصلحون ، لا يكتفون بالصلاة بل باقامتها و تطبيق سننها في الحياة .

[ و الذين يمسكون بالكتاب و أقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين ]

فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس