بينات من الآيات
خذوا ما أتيناكم بقوة :
[171] في قصة سبق الحديث عنها في سورة البقرة ، أقتطع ربنا جانبا من الجبل و جعله فوق رأس بني اسرائيل ، و أمرهم بأن يتعهدوا بأخذ ما آتاهم أخذا قويا دون ان يتكاسلوا أو يتوانوا فيه ..
[ و إذ نتقنا الجبل فوقهم ]
اي رفعنا جزء من الجبل فوقهم .
[ كأنه ظلة ]
اي كأنه شيء يظلهم كالسقف و السحاب .
[ و ظنوا أنه واقع بهم ]
أي واقع عليهم ، و فاتك بهم .
[ خذوا ما آتيناكم بقوة ]
اي اجمعوا عزيمتكم ، و سخروا همتكم ، و اثبتوا تصميمكم على اتباع الدين ، فالدين ليس متكأ لكل خاوي العزيمة ، ضعيف الهمة ، فاقد التصميم ، أو لكلكسول جبان متعاجز ، انما هو رسالة الله الى الانسان ، ورسالة المؤمن الى نظرائه من البشر ، انه يصقل شخصية البشر و يفجر طاقاته ، و يظهر مدى تحمله للصعوبات و تعهده بالمسؤولية ، انك لا تستطيع أن تطلب من الدين شيئا قبل أن تعطيه من نفسك و من قدراتك التضحية والايثار ، و أن تكون لديك العزيمة الكافية لاتباع مناهجه مهما كلف الأمر .
و حين تخونك عزيمتك ، و تخشى أن يداخلك الشيطان و يفسد عليك تصميمك ، عليك أن تعود الى الكتاب و تتدبر في آياته ، وتذكر تعاليمه حتى تخشى الله ، و تتعهد بالمسؤولية ، و تتسلح بالتالي بالتقوى .
[ و اذكروا ما فيه لعلكم تتقون ]
و بقيت لنا كلمة في هذه الآية و هي : أن كل الناس و بالذات الرساللين منهم يمتحنهم الله كما امتحن بني إسرائيل ، فيأخذهم بالبأساء و الضراء حتى يتعهدوا بالمسؤولية و يأخذوا الدين بقوة ، و لا يجب دائما ان تكون الظلة قطعة جبل ، فقد تكون الظلة كابوس نظام ظالم ، أو فقرا مدقعا أو مرضا مزمنا ، و قد يكون الرسول الذي يبلغه ضرورة الالتزام بالدين و التعهد باتباعه بقوة ، قد يكون أحد المبلغين القادمين ، أو حتى آيات في الكتاب يتذكرها المؤمن في تلك اللحظات ، و منها هذه الآية التي تصدق في كل مكان و مع كل انسان ولكن بطرق شتى .
كيف نبلور جوهر الذات ؟
[172] كما حبة حية يدفنها التراب و الوحل و السماد و لكنها تنشط و تتحدى و تخرج الى النور و تبرز حيويتها ، و قدراتها ، و امكاناتها و تعطي ثمراتها ، كذلك كل واحد من ابناء البشر يدفنه ركام الخرافات ، و وحل الضغوط و الشهوات ، عليه أن ينشط و ان يتحدى و أن يبلور جوهرته الانسانية ، و أن ينبعث خلقا جديدا ، و هذهمسؤولية الانسان ، و ذلك ميثاق الله الذي تعهد به كل فرد من ابناء آدم و حواء .
و لكن كيف يبلور الواحد منا جوهر الانسانية في ذاته ، و يصبح ذلك الانسان الذي فضله الخالق و اكرمه و خلقه في احسن تقويم ؟
انما عن طريق الاتصال المباشر بالله ، و الانطلاق من الايمان به نحو بناء حياة جديدة لنفسه ، مستقلة عن تقليد الآباء ، و حرة بعيدة عن الغفلة و النسيان .
لقد كنا في صورة ذر كما جاء في أحاديث صحيحة ، و كنا في صلب آدم ، أو كان بعضنا في صلب البعض ، و أخرجنا الله سبحانه و اشهدنا على أنفسنا .
[ و إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ]
قد يكون معنى هذه العبارة أن ربنا اخرج كل ولد من ظهر والده .
[ و أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ]الغفلة لا تكون تبريرا مقبولا للبشر عند الله ، بل يجب أن يتحدى البشر حجاب الغفلة بنور التذكر ، و بوهج العقل الذي يشع في ضمير البشر في بعض الاحيان ان لم يكن دائما .
[173] [ أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل و كنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ]ان هذا التبرير ليس سليما و لا مقبولا عند الله ، إذ أن الله قد أخذ الميثاق من كل واحد منا و حمله مباشرة مسؤولية الايمان ، و إذا قصر جيل في إيمانه فأن الأجيال القادمة غير معذورة باتباع ذلك الجيل الأول ، و هذه الآية تحذر من التقليد ببلاغةكافية .
[174] و ربنا الحكيم يذكرنا بهذه الحقائق لكي نعود الى فطرتنا ، و نبلور جوهر الانسان في ذواتنا ، و نرفع عن أنفسنا غشاوة الغفلة ، و أغلال التقاليد .
[ و كذلك نفصل الآيات و لعلهم يرجعون ]
|