سورة التحريم
الإطار العام
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد ارتفعت و لا تزال راية الجدل بين المذاهب الاسلامية في شأن زوجات الرسول - صلى الله عليه وآله - فاختلفوا الى ثلاثة آراء رئيسية :
الاول : أضفـــى عليهن مسحة من العصمة متابعة لبعض النصوص ، كقول الله : " النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم و ازواجه امهاتهم " (1) ، و كونهن مشمولات باية التطهير و اخبار و ردت ، و لأنهن زوجات افضل خلق الله - صلى الله عليه وآله - الذي لا يعقلان يختار لنفسه من الزوجات الا خير النساء ، و قد دعمت هذا الرأي اعتبارات مذهبية اخرى .
الثاني : و تطرف فريق الى حد الطعن فيهن لدوافع مصلحية او مذهبية ، كالمنافقيــن الذين نالــوا بالإفـك و البهتان من بعـض زوجات الرسول - صلى الله عليه و آلــه - .
(1) الاحزاب / 6 .
الثالث : و بين هذا و ذلك اخذ فريق سبيلا وسطا ، فلا تبرير للأخطاء ، و لا تضخيم لها : و لكي يصل الباحث الى الرأي الموضوعي لا بد ان يدرس أمرين اساسيين : احدهما : تاريخ زوجات الرسول - صلى الله عليه وآله - دراسة موضوعية ، و الآخر : موقف القرآن عبر دراسة شاملة لكل ما أوردته آياته في الموضوع ، و لكن بما ان في التاريخ اختلافا و تزويرا فان القرآن يبقى هو الميزان الثابت و الفرقان الاعظم و بالخصوص في القضايــا الحساسة كالموقــف من زوجات سيد الرسل - صلى الله عليه و آله - ، فما هو موقف القرآن ؟
لقد سجلت الآيات القرآنية موقف الرسالة الالهية في هذه القضية ، و يكفينا ان نعرض هنا ما جاءت به سورة التحريم التي يبدو انها تحدثنا فيما تحدثنا عن هذا الموضوع كخط عام لاياتها .
1 - ففي البداية تبين ان الرسول - صلى الله عليه وآله - كان يتعرض للضغط من قبل بعـض ازواجه ، حتى يضطر في بعض الاحيان ان يحرم على نفسه ما احله الله له ، فيضيق عليها طمعا في مرضاتهن ( الايات 1 / 2 ) ، و هاتان الآيتان تعريض ببعض زوجات الرسول و ليس به- صلى الله عليه وآله - .
2 - ان اثنتيــن منهن خانتــا النبي بـإفشاء بعض ما أفضـى اليهمــا مـن الاسـرار ( الاية 3 ) .
3 - انهن او بعضهن كمن يملن عن الحق في بعض الاحيان ( تصغي قلوبهن ) و يمكن ان يتبن عن ذلك الى الله ، كما يمكن ان يتمادين في الميل الى حد المظاهرة ضـد - الرسول - صلى الله عليه وآله - ، و بالتالــي الــوقـوف ضد جبهة الحق التي مثلها اللــه ، و أميــنوحيـه ( جبرئيل ) ، و خيرة المؤمنيــن ، و الملائكة الذين ينصرون النبي ( الاية 4 ) .
4 - ان نساء النبي لسن أفضل النساء على الاطلاق ، فهو لو طلقهن فقد يجد خيرا منهن بين الناس ممن جمعت فيهن بصورة أفضل صفات الخير و الفضيلة كالاسلام و الايمان و القنوت و التوبة و العبادة و السياحة ، ( الاية 5 ) .
5 - و يفصل القرآن بين الزوج و زوجته في التقييم ، لان قيمة كل انسان ما يحسنه هو لا ما يحسنه الآخرون مهما كانت الرابطة بينه و بينهم قريبة و حميمة ، كما ان مقياس القبح هو ما يقوم به الفرد من السيئات لا ما يقوم به الاخرون مهما قربوا منه ، اذن فالتقييمالموضوعي الدقيق لأي أحد بتقييمه كفرد منقطع عن اي أحد ، و هذا ما يجعل زوجتي نوح و لوط مثلا للكفار فتدخلان النار لا فرق بينهما و بين سائر الناس عند الله من جهة ، و من جهة أخرى نفس هذه الحقيقة هي التي تجعل آسية بنت مزاحم زوجة فرعون الذي ادعى الربوبية مثلا للمؤمنين عبر التاريخ ، و كذلك مريم التي احصنت فرجها و صدقت بكلمات الله و كتبه وقنتت له مع القانتين ( الايات 10 ، 11 ، 12 ) .
6 - و هكذا كانت سورة التحريم تدور حول علاقة الزوج بزوجته حيث ينبغي ان تكون وفق المقاييس الالهية ، فلا يجوز لاحد ان يقيم الزوجة على اساس زوجها سلبا او ايجابا ، فقد كانتا زوجتا لوط و نوح خائنتين و كانت آسية صالحة .. و لا يجوز للمرأة انى كانت ان تنشرأسرار البيت خارجه . و هكذا تتواصل آيات سورة التحريم لتكمل بصائر آيات سورة الطلاق في مراعاة التقوى في سائر ابعاد الحياة الزوجية .
|