فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


فاصبر لحكم ربك
هدى من الآيات

في هذا الدرس تعالج الآيات اسباب التكذيب بالرسالة و التهرب من مسؤولياتها ، و هي :

اولا : الأمنيات الباطلة التي تحلم بتساوي الناس في الجزاء ، الأمر الذي يبرر للمترفين عدم التصديق بالرسالة و العمل بمضامينها و تحمل المسؤولية في الحياة ، ولماذا يكلف الانسان نفسه ما دام الجزاء واحدا ؟

و القرآن بعد ان يؤكد على عظيم ثواب المتقين و شديد عذاب المجرمين ، يسفه الحكم الباطل لدى البعض بتساوي الفريقين عند الله ، وذلك بأدلة وجدانية لابد للانسان السوي من التسليم لها .

ثم تبين الآيات بان جزاء الآخرة ليس إلا تجسدات واقعية لاعمال الانسان التي اختارها بتمام وعيه و إرادته في الدنيا ، لذلك لا يستطيع احد سجودا يوم يكشف عن ساق الجد رغم الدعوة الإلهية له الى ذلك ، و تغطي وجهه الذلة . لماذا ؟ لانه أعرض عن السجود وقد كانفي سلامة مادية و معنوية في الدنيا ، وان هذه الحقيقة تبعث في وجدان المؤمنين روح المسؤولية التي يعمقها الوحي بتحذير الانسان من انه لو كذب بهذا الحديث فسوف يستدرجه من حيث لا يعلم ، الأمر الذي يصير به الى سوء العذاب ، ولا يكون له في الآخرة من خلاق ، و ذلك من متين كيده عز وجل الذي يحسبه المترفون خيرا .

ثانيا : الموقف الخاطىء من الرسالة و الاعتقاد بانها مغرم ، لما فيها من مسؤولية و بالذات واجب الانفاق المفروض على أصحاب الثروة ، و انها لكبيرة على المترفين الذين اسرتهم الاموال و يتضاعف حرصهم كلما فتح الله لهم ابوابا من الدنيا و أملى لهم .

ثالثا : البطر الذي يجعل الانسان لا يشعر بالحاجة الى الرسول و الرسالة ، بل قد تراه يزعم انه قد أعطي الغيب بيده ! الآية (47) .

و هذه الاسباب الثلاثة ذاتها تجعل الحركة التغييرية في أوساط المترفين وفي ظل هيمنتهم حركة بطيئة و صعبة مما يوجب على كل مصلح رسالي أخذها بعين الاعتبار ، فيصبر لحكم ربه ، مستقيما على رسالته لا يتراجع عنها ، و لا يصاب بردة فعل سلبية قد تقوده الى تكفيرمجتمعه او هجرته ، كما فعل النبي يونس بن متى - عليه السلام - الذي يئس من التغيير فدعى على قومه فابتلي بالسجن في بطن الحوت ، فانه يجب على كل رسالي الصبر في طريق الرسالة وان كان المكذبون يكادون من الحقد و البغض يزلقونه بأبصارهم ، و يمارسون ضده حربا إعلامية شعواء سلاحها الشائعات و التهم و الدعايات المغرضة ، الآيات ( 48 / 51 ) .


و كما يجب ان يستقيم الداعية على اهدافه الربانية دون يئس من اصلاح الناس ، كذلك يجب ان لا يفقد ثقته برسالته فيشكك نفسه في قيمها لعدم تجاوب الناس معه او لاعلام المترفين و المتسلطين ضدها .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس