فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


اولا : ما هي حقيقة الدنيا ؟
لقد اختلفت البشرية في الاجابة على هذا السؤال الحساس الذي يراود فردا فردا


منا الى مذاهب عديدة : قال المثاليون ان الدنيا لا واقع لها و ما هي الا خيال ، و ذهب المتصوفة الى ان الدنيا شر محض ، و ان الجسم سجن الروح ، و بالتالي فان وظيفة الانسان في الحياة هي السعي الحثيث و المستمر لبناء الروح على حساب الجسد ، و لا بد لذلك من احتقار الدنيا و تجنب ما فيها لانها تغذي شهوات النفس المنبعثة من حاجات الجسم ، الأمر الذي يشد الروح الى التسافل ، و يمنعها من التسامي في آفاق الملكوت المعنوي ، او الوصول الى رضوان الله و الجنة ، و قال الماديون ان الدنيا وجدت بالصدفة فليس بعدها من حياة و لا مسؤولية ، انطلاقا من الكفر بالغيب ، و عليه فان السعيد فيها من اطلق لنفسه العنان يتلذذ من نعيمها ما يشاء ، و على هذا المذهب اكثر البشرية ، بالذات اذا اعتبرنا الموقف العملي في الحياة هو المقياس .

اما الرسالات الالهية فهي تختلف عنهم جميعا ، حيث اعتبرت الحياة الدنيا مرحلة تتوسط حياة الذر، و الحياة الآخر ، و حيث كان الانسان طاهرا و نظيفا و قد قطع على نفسه عهدا و ميثاقا " و قد اخذ ميثاقكم " بان يسلم لربه ، فانه يجب عليه المحافظة على ذلك الطهر بالايمان بالله و الاستجابة لدعوة الرسول ، لينطلق نحو الآخر و يبلغ الجنة من عند الله و الرضوان .

ان الانسان لن يبقى في الدنيا و لن تتوقف مسيرته بها ، انما ينتقل الى سفر طويل ينتهي به الى مقره الابدي ، فعليه ان يكيف نفسه وفق هذه الحقيقة ، فلا ينسى ذلك السفر الحتمي ، فيتعامل مع الدنيا و كأنها دار البقاء ، و لا يدع استعداده لتلك الرحلة الشاقة ، فاذا جاءت ساعته و حل اجله و هجمت منيته ، و ليستمع الى نصيحة امامه امير المؤمنين ( عليه السلام ) حين يخاطبه فيقول : " اما بعد فان الدنيا ادبرت ، و اذنت بوداع ، و ان الآخرة قد اقبلت و اشرفت بأطلاع ، الا و ان اليوم المضمار ، و غدا السباق ، و السبقة الجنة ، و الغاية النار ، افلا تائب من خطيئته قبل


منيته ، الا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه ، الا و انكم في ايام امل من ورائه اجل ، فمن عمل في أيام امله قبل حضور اجله فقد نفعه عمله ، و لم يضرره اجله ، و من قصر في ايام امله قبل حضور اجله فقد خسر عمله ، و ضره اجله " (1) .

فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس