بينات من الآيات
و يؤثرون على انفسهم
هدى على الآيات يركز السياق في هذا الدرس على بحث العلاقة الداخلية في جبهة المؤمنين من جهة ، و في جبهة اعداء الله و اعدائهم من جهة ثانية ، ففي البداية ينطلق من خلفيات قسمة الفيء الذي صار نصيبا للمهاجرين بحكم النبي ، و بإيثار الانصار انفسهم ، فيمتدح حب هؤلاء لبعضهمو طهارة قلوبهم ، و ايثارهم على انفسهم مما يؤكد خروجهم من زنزانة النفس ، كما يسجل موقف المهاجرين الايجابي من الانصار ، و مدى تحررهم من اي اصر او عقدة ، و يضع ذلك نموذجا ساميا للعلاقة التي ينبغي ان تحكم التجمعات و المجتمعات الايمانية افرادها و جماعاتها، و شعوبها و اجيالها ، فان الهيبة و الانتصار ، و التقدم ، و الفلاح يرتكز على الذوبان في بوتقة الايمان و التسليم للقيادة الرسالية ، و بتعبير القرآن : " الوقاية من شح النفس ، و اتباع بصائر الوحي " ، بعيدا عن كل هوى و مصلحة .
ثم يضع القرآن صورة ثانية عن طبيعة العلاقة الداخلية في جبهة الباطل ، و يؤكد لنا بانها قد تتراءى للمراقب الخارجي بانها جبهة متماسكة الا انها تفتقر لاهم عوامل الوحدة و التماسك و هي وحدة القلوب ، و السبب هو اتباعهم الباطل و الاهواء و المصالح ، و نبذهمالحق المتمثل في الرسالة و هدى العقل ، و كل ذلك فان الانسان لا يجد دوافع حقيقية للتضحية و التفاني من اجله ، و لهذا فان جبهة الباطل تضعف و تتمزق بمجرد تعرضها للتحديات الحقيقية ، و قد راينا كيف استسلم بنو النضير من دون قتال ، و كيف تنصل المنافقون عن نصرتهم رغم العود و الايمان و المغلظة بينهما ، و هكذا هي العلاقة بين اهل الباطل ( افرادا و جماعات و دولا ) يتناصرون مادامت ثمة مصلحة مشتركة ، اما اذا انعدمت او وجدت في مكان و موقف اخر فانهم يميلون حيثما تميل ، و هي بالضبط تشبه العلاقة بين الشيطان و بين ادم ، حميمة مادامت للشيطان مصلحة فيه ، اما اذا آن عذاب الله فكأنه لا يعرفه " فلما كفر قال اني بريء منك اني اخاف الله رب العالمين " .
|