وأن ليس للإنسان إلا ما سعى
هدى من الآيات بصراحة الحقيقة ، و بقوة اليقين ، يتقدم بنا السياق القرآني شيئا فشيئا الى الفكرة المركزية في هذه السورة ، و هي فكرة المسؤولية التي نجدها في تضاعيف اغلب آياتها و كأنها خافية لكل فكرة فيها و شاهد ، الا انها تتجلى كصراحة الشمس عند قوله تعالى : " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى " الآية ( 39 ) .
و لكن الله قبل ان يقذف بهذا الحق على باطل التبرير و اتباع الهوى و الظن ، يذكرنا بلون من الوان الشفاعة المقبولة عنده و هي شفاعة الاعمال الحسنة للانسان عن اللمم من السيئات كما نجد تصريحا به في الآية الكريمة : " و أقم الصلاة طرفي النهار و زلفا منالليل ان الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين " (1) ان تقوى الانسان التي تجنبه كبائر الاثم تشفع له في الصغائر ( اللمم ) ، و لعل(1) هود / 114
تقديم هذه الفكرة ( الشفاعة ) المشحونة بالرجاء و اللطف الالهي ، على فكرة المسؤولية وما فيها من الشدة و الصرامة ، يهدف اعطاءنا الامل في رحمة الله ، لكي لا نيأس فنتوغل في الجريمة و الذنب ، او نقعد من عمل الصالحات ، بناء على تصوراتنا البشرية المرتكزة في القنوط و الجزع . كلا ان الله رحيم و يحاسبنا بفضله لا بعدله ، والا لما دخل الجنة احد كما قال الرسول الاعظم (ص) : " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه و فضل " (1) .
ثم يؤكد القرآن بخطاب فصل مسؤولية الانسان عن سعيه ، أنه يجازي عليه ان خيرا فخير و ان شرا فشر ، وهي تتعلق بنفي الشرك و برفض الانداد و مدى عمق حقيقة التوحيد في النفس فكلما زاد يقين الانسان بالله و انه المالك الحاكم الاحد لكل شيء ، كلما كان اقرب من المسؤولية ايمانا و عملا ، و ابعد عن الحجب و التبريرات التي تمنعه من حملها .
ان التوحيد يجعله لا يتوسل بوشائج الشرك ، التي هي بذاتها نوع من التبريرات التي يلجأ اليها الانسان تهربا من المسؤولية . انك تراه يقبل كل شيء ، يقبل ان يكون عبدا للشجر و للحجر و للبقر لا فرق من اجل ذلك لكي يفر من ثقل المسؤولية . اذا فمتى ما طهرت نفسهمن درن تلك الاصنام ، القائمة على اساس الثقافة الجاهلية الضالة ، القائمة بدورها على الظن و هوى النفس ، فانه يومئذ مجرد ان يقف امام المسؤولية بلا تبريرات يجد نفسه امام حجة بالغة تضطره الى التسليم لها عمليا .
|