إنا كل شيء خلقناه بقدر
هدى من الآيات في الدرس الأخير يذكرنا الوحي بأهم عبرة فيها ، و التي يسرها الله بقصص واقعية من تاريخ البشرية ، ابتداء من قوم نوح و انتهاء بآل فرعون ، وهي عاقبة السوء للذين يعرضون عن آيات الله و نذره ، و يكذبون برسالته و رسله ، لأنهم حينئذ يسيرون بعكس آلاف القوانينو السنن في الحياة ، و لأنهم - وهو الأهم - يخالفون الحق ، و يعصون رب العزة سبحانه ، مؤكدا بأن ما لحق أولئك من شديد العذاب في الدنيا بتكذيبهم ليس إلا شمة و ضغثا بالنسبة إلى العذاب الأدهى و الأمر الذي ينتظرهم في الآخرة ، حيث تدق أجراس بدئه ساعة البعث والحساب .
و بعد ان يضع الذكر الحكيم لوحة من مشاهد الآخرة والعذاب أمام قلوبنا و أعيننا يؤكد لنا حقيقة هامة ، هي أن الدنيا بنيت بكل مفرداتها من الذرة حتى المجردة و أصغر من ذلك و أكبر على أساس من السنن و المقاييس و القوانين الحكيمة " إنا كل شيء خلقناه بقدر" الآية (49) ، و بالتالي يجب على الانسان ان يكيفنفسه و حياته و علاقاته بكل شيء فيها على هذا الأساس ، أما إذا انتظر أو سعى لتسير الحياة من حوله بسننها و مقاديرها و خلقها وفق هواه فلن يستطيع الى ذلك سبيلا ، لأنها ثابتة و أقوى منه ، بل و سيخسر إلى الأبد .
فلا يظن الانسان إذا أنه يتحرك في الفراغ ، كلا .. إن حوله ملايين الأنظمة التي تحصي عليه أخطاءه و أفعاله و أقواله ، و حتى نياته مسجلة عليه تسجيلا دقيقا ، و لهذا يقول الله عز وجل مبينا حال المجرمين حين يرون كتبهم في يوم القيامة : " فترى المجرمينمشفقين مما فيه و يقولون يا ويلنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها و وجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا " (1) و بعد الحساب يلقون جزاءهم إذ يسحبون في النار على الوجوه ، أما المتقون فيعطون كتابهم بيمينهم ، أما جزاؤهم جنات و نهرفي مقعد صدق عند مليك مقتدر .
|