ولمن خاف مقام ربه جنتان
هدى من الآيات بعد ان يذكرنا القرآن بانشقاق السماء يوم القيامة ، و يعرض لنا في بضع آيات منه حال المجرمين وعذابهم ( 35 / 47) ( ربما لان الاسهاب في ذلك لا ينسجم مع سياق السورة التي تكشف لنا عن تجليات اسم الرحمن في الخليقة ) بعدئذ يستعرض بشيء من التفصيل التجليات الاعظم لرحمة الله ، و ذلك من خلال الحديث عن ثواب اهل الجنة و الذي يقع في ( 33) آية كريمة تمتد الى آخر السورة .
ان ربنا رحيم وآلاء رحمته ظاهرة في الدنيا و الآخرة ، و لكن النظرة السلبية الناتجة من امراض النفس و عقدها ومن الفلسفات هي التي تعمينا عن هذه الحقيقة الجلية ، فاذا بنا ندس بناتنا في التراب خوف العيلة ، و نقتل اولادنا و نغل ايدينا عن العطاء ، ولا توفيالكيل والميزان ، و انما تبخس الناس اشياءهم كل ذلك خشية الفقر و نأكل اموال اليتامى ظلما ، كل ذلك لاننا لا نطمئن الى رحمة الله الذييبسط الرزق لمن يشاء ، و الذين نعمه لا تعد ولا تحصى ، و يعلم الله كم تسبب هذه النظرة الموغلة في السلبية في العقد و الانحرافات النفسية و الاجتماعية عند الانسان ، فهي التي تغل فاعلياته و يمنعه من السعي ، و لماذا يسعى وهو يائس من التوفيق و النجاج ؟
بينما النظرة الايجابية الى أسماء الله ، بالتعرف عليها و الايمان بها ، تملأ القلب أملا و رجاء و تبعث بالانسان نحو السعي و النشاط ، و تفجر الطاقات الكامنة في شخصيته ، انه حينئذ ينفق و يضحي في سبيل الله و من اجل مبادئه ، راضيا بما يفعل ، مطمئنا الى رحمة ربه ، و في الخبر " من ايقن بالخلف جاد بالعطية " (1) و كيف يوقن احد بالخلف فيعطي او يقلع من ذنوبه و اخطائه و هو لا يعرف ربه بالرحمة و الغفران ؟! لا ريب انه لن ينفق و لن يتوب .
و لذلك يسعى القرآن بمنهجيته الحكيمة التي يلمسها المتدبر في آياته مواجهة النظرة السلبية المقيتة ، و بث البصيرة الايجابية في ردع البشر تجاه ربه و حيث تدعونا هذه السورة الى التعرف على اسم ( الرحمن ) ، و تذكرنا بمظاهر هذا الإسم في الخليقة ، و الآيات الهادية اليه فانها تحذرنا من التكذيب بها ، بذكر جانب من عذاب المجرمين الذين صاروا الى الجريمة بسبب تكذيبهم كما ترغبنا في التصديق بها ، من خلال التفصيل في بيان جزاء الذين عرفوا الرحمن حق معرفته ، و قدروه حق قدره فخافوا مقامه .
|