خلقناكم فلولا تصدقون
ى من الآيات بعد أن درس أعقد مضامين الفلفسة كنظرية الفيض و الدور و التسلسل ، و قانون العدم و الوجود ، مر أحدهم بعجوز تحرك المغزل ، و سألها : كيف عرفتني مدبر الكون ؟ فأجابته بفطرتها و إيمانها البسيط - بعد أن أوقفت النسج - : هكذا عرفت أن للكون مدبرا . لكنه ظل حائرا لم يدرك شيئا من قصدها ، فبادرته : إن المغزل يقف حينما لا أعمل ، فكيف لا يكون لهذه الارض المدحية ، و السماء المبنية على ما فيهما من الحياة و الحركة و التحول مدبر ؟!
هكذا الكثير من الحقائق التي نعيش معها كل لحظة نبقى ساهين عنها دون أن نهتدي الىعبرها ، فالخلق ، و الموت ، و النشأة ، و الزرع ، و الماء ، و النار كلها من أقرب الحقائق الينا و أكبرها شهادة و هدى لو وعيناها ، ، و الانسان قادر على أن يجعل الحياة كلها مدرسة ، و ما فيها من الظواهر و العبر دروسا يكمل بها إيمانه و معرفته ،فيهتدي بالشهود الى الغيب ، و بالحاضر الى المستقبل ، و بالمخلوق الى الخالق ، الا ان المشكلة لا تكمن في قلة العبر و انما هي في قلة الاعتبار و المعتبر ، فالمواعظ على كثرتها و وضوحها كالشمس هل يراها من غض بصره أو استتر بحاجب ؟!
من هنا فان اهم اهداف الرسالات الالهية رفع الحجب التي بيننا و بين الحقائق ( الاصر و الاغلال ) العلمية بالتعليم ، و النفسية بالتزكية لنلمسها مباشرة ، قال الله : " هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين " (1) . أرأيت الذي ضل عن إبنه فدل عليه ؟ أرأيت كيف يعرفه ؟ كذلك الذي عاش في ضلال مبين عن حقائق يعشو عنها و هي قريبة منه كيف يهتدي اليها لو كشف عن بصره الستار ؟ و قد لا تكون حاجة الانسان لكي يستوعب الحقائق التي تهدي الآيات اليها ، و يؤمن بها الى المعلومات و المعارف ، بقدر حاجته الى يقظة الضمير و إثارة العقل .
و انما يترف الانسان ، و يصر على الشرك ، و يكفر بالاخرة بسبب ضلاله عن ربه ، و قدره حق قدره . و لذلك يذكره القرآن بآيات معرفته الدالة اليه ، و قد تكون تلك الآيات اقرب شيء اليه ( كالخلق ) و لكنه غافل عنها .
|