فانما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون
هدى من الآيات ينظر المؤمن الى الحياة نظرة عقلانية تنعكس على سلوكه الشخصي الاجتماعي وعلى تعامله مع الطبيعة ، فهو يؤمن بالعدالة الالهية التي تحكم الخلق جميعا ، و يرى أن لكل شيء هدفا خلق من أجله ، فللسماء هدف ، و للأرض هدف ، و لكل مخلوق هدف .
وان سنة الجزاء التي تتجلى في جميع أبعاد حياة البشر مظهر لتلك الهدفية ، التي يشير اليها ربنا الكريم ، ولكن في الجانب الاجتماعي منه ، مما يثير السؤال : لماذا لا يتركز الحديث عن الفرد ؟ و الجواب : لأن تفاعل الأفراد مع بعضهم ، و بالتالي انصهارهم في بوتقة المجتمع ، لا يدع المفسر أو الموجه يتحرك عن الفرد الواحد ، في تحليله أو توجيهاته ، فالمجرم لا يكون وحده مجرما ، إنما يمارس الجريمة ضمن مجموع متجانس و بنية اجتماعية معينة ، ولو حدث أن اقترف الجرم شخص واحد فانك تجد آثار المساهمة الاجتماعية واضحة فيه، بالسكوت و التشجيع تارة ، و بالتعاون تارة
أخــرى ، و لذلك فان الذي يتحمل الجزاء ليس الفرد في غالب الأحيان و إنما المجتمع بأكملـه .
و عندما يبين القرآن حكمة الجزاء يضرب لنا مثلا من واقع المجتمعات الغابرة التي جزيت بأفعالها على الرغم من قوتها و كيدها ، وهذا الجانب من التاريخ البشري يعكس هدفية الحياة و عقلانيتها .
إن الذي يعمل شيئا لا يستطيع الهروب من الجزاء ، فهو إن لم يلحقه عاجلا فسوف يلقاه آجلا ، وفي دعاء كميل نقــرأ تعبيرا عـن هذه الحقيقة عند قول الامام علي (ع) : " ولا يمكن الفرار من حكومتك " (1)و من فكرة الجزاء نهتدي الى أن الدنيا دار ابتلاء ، وأنه لابد من دار أخرى للجزاء ، ذلك أننا نجد البعض يموتون دون أن يلقوا جزاءهم في هذه الحياة ، أو يلقونه بأقل مما يستحقون .. فهل كان جزاء هتلر الذي جر العالم الى الحرب التي أدت الى مقتل أكثر من ( 60) مليون انسان أن يموت انتحارا ؟ وهل جزاء شمر الذي أدخل الحزن على قلوب الملايين عبر التاريخ بقتل سيد شباب أهل الجنة أن يقتل قصاصا و حسب ؟! كلا .. إن لهم جزاء أكبر من ذلك في دار أخرى يلقى فيها الجميع جزاءهم الواقعي .
إن منهج طرح القرآن للموضوعات المختلفة منهج حكيم للغاية ، فهو من جهة يحدثنا عن جزاء المجتمعات السابقة ، ومن جهة يحدثنا عن هدفية الخلق ، ثم يذكرنا بيوم القيامة ، وهذه الموضوعات الثلاثة حينما تتفاعل عبر النظرة الواحدة للحياة تنسجم مع بعضها ، و تصيرصورة واحدة متكاملة ، فربنا عاقب الأمم الغابرة مما يهدينا الى أنه خلق الخلق لغاية لو زاغوا عنها عوقبوا بشدة ، و يهدينا بالتالي الى(1) مفاتيح الجنان / دعاء كميل
أنه سوف يجازي الأفراد في الآخرة الجزاء الأوفى .
ولكن لماذا لا يضرب لنا القرآن أمثالا من حياة الأفراد ، كفرعون الذي أغرق في النهر ، أو قارون الذي خسف به و بداره الأرض ، أو إذا تكلم عنهم بمفردهم كان الحديث إشارة و حسب ؟
و الجــواب : إن النظـر الى جزاء أمة سيكون أجدى من النظر الى جزاء فرد واحد ، لأن جزاء الأفراد قد يفسر بالصدفة ، و لكن جزاء الأمم و بتلك الصور المتميزة دليل على حكمة الباري ، و أنه المدبر للخليقة .
|