فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


ثم جعلناك على شريعة من الأمر
هدى من الآيات

تشتــرك الأمـة الاسلاميـة و بنوا إسرائيل في عهدهم الرسالي في القضايا الجوهرية ، بالرغم من بعض الفوارق ، فلقد فضل الله الأمة الاسلامية على سائر الأمم بالرسالة الخاتمة ، كما فضل الله بني إسرائيل على من عاصرهم برسالته التي أنزلها على موسى بن عمران (
عليه السلام ) ، كما فضلهما على الناس ببينات من الأمر ، تبصرهم سبيلهم المستقيم ، و توفر لهم فرصة الوحدة ، ولكن لم تكن الرسالة لتعصم الناس عن أن يختلفوا لو لم يرد الناس أنفسهم ذلك ، و من هنا فقد اختلف الناس من بعد موسى كما اختلفوا بعد نبينا محمد ( صلىالله عليه وآله ) بغيا بينهم ، و ليس لنقص في عوامل الوحدة المتوافرة لديهم من عند الله سبحانه .

ولعل سبب المقارنة بين بني إسرائيل و الأمة الاسلامية يوجز في أمرين :

الأول : ما سبق من حديث الرسول الدال على أن الأمة الاسلامية ستحذو حذوبني إسرائيل حذو القذة بالقذة ، و النعل بالنعل ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه .

الثاني : للدلالة على أن ما جرى عند بني إسرائيل يشبه القانون الاجتماعي أو السنة الحياتية التي تتكرر عادة بين الأمم إلا من عصم الله .

و نستوحي من هذه الآيات بصيرتين :

الأولى : لقد وفر الله لبني إسرائيل كل أسباب السعادة ، فأعطاهم الكتاب و الحكم و النبوة ، و فضلهم على العالمين ، و آتاهم بينات من الأمر ، و أعطاهم العلم و الوعي ، ولكنهم اختلفوا من بعد ذلك بغيا ، و جروا على أنفسهم الويلات ، مما يدل على أن البغي ليسذا طابع فردي ، لأن من يظلم يشجع الآخرين على الظلم ، و تنتشر عادة البغي حتى يظن كل واحد أن من ( لا يظلم الناس يظلم ) أو ( إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب ) .

ثــم إن الظالـم لا يلبث أن يبحث عن فلسفة لظلمه ، و محور يجتمع الظالمون حوله ، و ينظمون و يسنون شرائع له ، و ينصبون له اعلاما يدعون الناس الى الرضوخ له ، و هكذا يبدو الظلم عملا فرديا يرعاه الحرص و التعالي ، و سرعان ما يتحول الى تيار اجتماعي منظم ،له مؤسساته و قوانينه و دعائمه و قياداته و .. و.. ، حتى يصبح الناس فريقين : طبقة ظالمة مستكبرة متسلطة ، و طبقة مظلومة مستضعفة مقهورة ، و تلك الطبقة قد تختلف صورها ، و لكن جوهرها واحد ، كأن تتسمى باللوبي ، أو الاقطاعيين ، أو اتحاد الشركات ، او الحكومة، او .. او ..

الثانية : و حينما ينحرف الناس ، و تتسلط عليهم طبقة مستكبرة مستضعفة ، تظلــل النــاس بسحـابــة سوداء من الارهاب و الاعلام المضلل ، لابــد أن يقف الصالحون ( أنبياء كانوا أم تابعين لهم ) متسلحين بالشجاعة و الاستقامة ، و يرفعوا أصابعهم إلى السماء مشيرين إلى الله الواحد الأحد ، فإذا رأى الله منهم الصبر على

فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس