فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


لقد صدق الله رسوله الرؤيا
ى من الآيات

لأنه قد جرى في البدء جدل بين المسلمين حول صلح الحديبية ، نجد السياق القرآني هنا يؤكد على المكاسب الكبيرة التي جناها المسلمون من وراء هذا الصلح المبارك ، ليؤكد على سلامة النهج الرسالي ، و ضرورة الطاعة أبدا للقيادة الربانية ، كما تذكر الآيات بهذه المناسبة بطائفة من الحقائق التي غابت عن الأذهان ، و التي تتصل بهذا الأمر اتصالا مباشرا .

الأولى : إن الحرب ليست هدفا بذاتها ، وإنما هي وسيلة الى هدف لو حققناه من دونها يكون الأمر أفضل ، بل لا يصح آنئذ إثارتها أبدا .

الثانية : إن وصول المسلمين الى أهدافهم من دون الحرب ليس إلا دليلا على تأييد الله لهم ، لأنه يصعب الوصول الى مثل هذه الأهداف من دون التضحيات الباهضة .


الثالثة : لو أن المشركين أشعلوا فتيل الحرب مع المسلمين ببطن مكة لانتصر المسلمون عليهم بإذن الله ، و هذه سنة إلهية سابقة و دائمة لا يمكن أن تتبدل ، و لكن عدم حدوث الحرب ليس في صالح المشركين و حسب ، باعتبارهم كانوا يهزمون لو بدأوها ، وإنما هي في صالح المسلمين أيضا .

الرابعة : لو أن الحرب وقعت بين المشركين و المسلمين يومذاك ربما لم يكونوا يستطيعون النفاذ الى قلوب المشركين و بذلك القدر من الأثر العميق ، بل ربما ازداد المشركون تعنتا و رفضا ، و بالذات كانت لدى قريش ومن لف لفها مشكلة نفسية ، تتمثل في الحمية الجاهلية التي أوغرت قلوبهم ضد المسلمين ، فلو كان المسلمون يدخلون في نفق العصبية ، فبدل أن يقيموا الأحداث و الواقع تقييما موضوعيا يأخذ بعين الإعتبار المصلحة الرسالية ، يتبعون ردات الفعل و العواطف المستثارة ، و يصرون على عدم الرجوع بدون الطواف حول الكعبة و النحر و تقديم الهدي و .. و .. ، كما أراد ذلك قسم من المسلمين ، لتساووا في العصبية مع كفار قريش و مشركيها .

ومن هذه الفكرة نستفيد عبرة هامة ، وهي ضرورة أن يدرس المؤمنون القضايا و المواقف المختلفة دراسة رسالية ، نابعة من نهج موضوعي ، هدفه مصالح الاسلام ، و ليس إرضاء نزواتهم و عواطفهم .

ثم إن القرآن يسوق الحديث عن الرسول (ص) و الذين حوله من المؤمنين ، و كيف أن شخصيتهم الايمانية ذات بعدين ، فظاهرها العذاب و الحدة على أعداء الله ، و باطنها الرحمة و اللطف برفاق المسيرة الواحدة ، وفي الضمن ينبهنا إلى فكرة هامة ، وهي أن أصحاب الرسول ليسوا مبرأون من الأخطاء ، و ليسوا حجج الله على الناس ، و إنما الرسول وحده الحجة أو من نصبه الله لذلك . و كيف يكون حجةمطلقة من امكن خطأه ؟ نعم . المؤمن - كل مؤمن - حجة على الآخرين فيما يصح من أعمالـه و صفاتــه ، و لذلك فإن مغفرة الله و أجره لا يشملان كل الذين صحبوا النبي (ص) ، و إنما يختص بهما المؤمنون الصادقون الذين أخلصوا الصحبة ، و استقاموا على الحق إلى الأخير .



فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس