فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
[8] الإختلاف بين أهل الحق و أهل الباطل جزء من سنة الله في الحياة ، ليس لأنه تعالى يريد أن يكون بعضهم من أصحاب النار و البعض الآخر من أصحاب الجنة ، بل لأنه أعطاهم حرية الإختيار ، و مقتضى هذه الحرية أن يتبع البشر أحد الخيارين .

[ ولو شاء لجعلهم أمة واحدة ]

وهذا لا يتفق مع طبيعة الحياة ، وهدف الخلق .

[ ولكن يدخل من يشاء في رحمته ]


وهم المؤمنون الذين يأخذون بأسباب الهداية فيوفقهم الله لبلوغها ، و الآية تحذرنا من الإغترار بإيماننا ، وذلك بالتأكيد على كونه من عند الله و بتوفيقه .

كما تبين لنا الآية بأن الآخر الذي يختار طريق النار ، إنما يدخلها بإرادته ، و بإيكال الله له الى نفسه حيث يمنع عنه توفيقه ، فلا يحفظه من نوازغ الشيطان ، ولا من ضغوط الحياة ، كما هو شأنه مع المؤمنين فإذا به ينقلب على عقبيه .

وهذا الإنسان قبل اختياره لطريق السعير كأي بشر فيه الخير و الشر ، ولكنه بهذا الإختيار الخاسر يسلب منه عون الله و توفيقه فيتمحض في الشر ، ولهذا ترى أولياء الله المخلصين يلحون على الله بأن لا يكلهم الى أنفسهم ، ولا يقطع عنهم توفيقاته .

يقول ابن أبي يعفور : " سمعت أبا عبد الله ( الإمام الصادق (ع) ) يقول وهو رافع يده الى السماء : " رب لا تكلني الى نفسي طرفة عين أبدا " لا أقل ولا أكثر ، فما كان بأسرع من أن تحدر الدموع من جوانب لحيته ، ثم أقبل علي فقال ، " يا ابنأبي يعفور ! إن يونـس ابن متى وكله الله عز وجل الى نفسه أقل من طرفة عين فأحدث ذلك الظن " قلت : فبلغ به كفرا أصلحك الله ؟ قال : لا ولكن الموت على تلك الحال هلاك " (1)[ و الظالمون مالهم من ولي ]

يشفع لهم ، و يخلصهم من العذاب ..

[ ولا نصير ]

يعينهم ، ولعل في هذا المقطع من الآية إشارة الى حقيقة هامة : أن الظالم(1) موسوعة بحار الأنوار / ج 14 - ص 387


لا يضر بنفسه فقط عندما يتخذ من دون الله أولياء ، و يتبع الجبابرة ، بل و يظلم الآخرين أيضا ، ذلك لأنه باتباعه الجبار ( بل بمحض السكوت عنه ) يساهم في سيطرته على الآخرين .

ولعل الآية تهدي أيضا - عندما استخدم كلمة الظالمين - ألا عدالة في غير ولاية الله ، وألا نجاة من الظلم إلا بالعودة إليها ، فما للظالمين من ولي ولا نصير .. فمن رضي بحكومة الظالمين اكتوى بنارهم ، ولا يستجاب دعاؤه في الخلاص منها .

و بالرغم من أن لفظة الظالم قد يتسع مدلولها ليشمل كل منحرف إلا أن انتخابها متناسب و السياق الذي يحدثنا عن الولاية ، وحسب تعبيرنا القيادة وما تتبعه من فض الصراعات إما بعدالة أو بظلم .

[9] بلى . إن الكافرين و المشركين اتخذوا أولياء من دون الله ، ولم يدركوا بأنه وحده الولي الحقيقي للإنسان ، و صاحب القدرة المطلقة .

أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي ]

لأن إليه مصيرنا ، وهو القاهر علينا .

[ وهو يحي الموتى وهو على كل شيء قدير ]

أما ألاولياء و الأنصار المزعومون فإنهم لا يقدرون على شيء إلا بقدر ما يريده الله لهم ، فهم محدودون ، و الأولى بالعاقل أن ينتمي الى صاحب القدرة المطلقة فعنده تتحقق طموحاته ، و يصل الى أهدافه .

[10] و يبين ربنا معنى الإنتماء الحقيقي لولاية الله ، بأنه ليس مجرد الإدعاء ، و التمني في القلب ، وحتى طاعة الله في الأمور الإعتيادية التي لا تكلف الإنسانجهـدا ولا مصلحة ولا تنازلا ، إنما التسليم لهذه الولاية في كل شأن ، و بالذات عند الصراع ، حيث يتشبث الواحد بفكرته و موقفه ، و تثار فيه ذاتياته و عصبياته .

[ وما اختلفتم فيه من شيء ]

أنى كان هذا الشيء ، وفي أي جانب من جوانب الحياة ..

[ فحكمه الى الله ]

يستوحى من كتاب الله ، ومن أودع قلبه علمه من أئمة الهدى - عليهم السلام - و أتباعهم الفقهاء ، العلماء بالله الأمناء على حلاله و حرامه .

ثم يقول القرآن عن لسان الرسول وكل مؤمن يسلم لآياته :

[ ذلكم الله ربي عليه توكلت و إليه أنيب ]

وهذا تأكيد لانتمائه الى ولاية الله في مقابل اتخاذ أولئك الأولياء من دونه ، إذن فهو على عكسهم يستجيب لحكم الله ، و نتساءل : لماذا يؤكد القرآن ضرورة التوكل على الرب هنا ؟

و الجواب : لأن الكثير من الناس يزعمون بأنهم حينما يتنازلون للآخرين عند الأختلاف استجابة لحكم الله و أوليائه ، فإنهم يعرضون أنفسهم للمخاطر ، لأن الطرف الآخر عندها سوف يتصرف من موقع صاحب الحق ، و يستغل انتهاء الخلاف في صالحه لضربهم . إن هذا الشعور من وساوس الشيطان الذي يريد من خلالها تضخيم الإختلافات الإجتماعية ، و تفتيت الأمة الواحدة ، وكم من مظلوم أصبح أكثر جورا من ظالمه بسبب هذا الشعور الذي يثير في الإنسان ذاتياته السلبية !‍ولكي يقاوم الانسان هذا الضغط يحتاج الى قوة نفسية كبيرة حتى لا يخشى من المستقبل بتطبيق الحق ، وهذه القوة يستمدها المؤمن من التوكل على الله و العودة إليه .

ثم إن التسليم لولاية الله يقتضي مواجهة الحكومات الظالمة ، وهي بدورها بحاجة الى استقامة عبر التوكل على الله .

[11] و يعالج القرآن الإختلاف من زاوية أخرى حينما يذكرنا بأنه من طبيعة الحياة ، التي تأبى اللون الواحد ، الأمر الذي يجعل الأنسان غير قادر على صبغها كلها لمزاجه و طبيعته الخاصة ، ولكنه عبثا يسعى لبلوغ هذه الغاية فترى البعض يريد التحدث لكل الناس بلغته القومية ، أو أن يقلدوا عاداته ، فإذا لم يستجيبوا له أبغضهم ، فالرومان صاروا يسمون غيرهم بالبرابرة أي المتوحشين ، و اليهود اعتبروا أنفسهم الشعب القارئ بينما أعتبروا الآخرين أميين لا يفقهون شيئا ، أما مدعي الحضارة الحديثة فإنهم يعتقدون بوحشية الشعوبغير الآرية .

هذه من طبيعة الإنسان فهو يريد العالم كله لونا واحدا هو لون شخصيته و تطلعاته ، و القرآن يؤكد هنا الإختلاف الطبيعي في الحياة ، و يذكر الإنسان بعجزه عن رفع أقرب الإختلافات إليه ، وهو اختلافه مع زوجته .

و لكــن القرآن الكريم يقرر مبدأ الأختلاف بين حقائق الخلق ، و علينا الإعتراف به ، و التعرف على حكمة الله فيه ، و السعي وراء تلك الحكمة ، و حكمة الأختلاف التكامل ، وليس الصراع ، فلقد جعل الله البشر شعوبا و قبائل بهدف التعارف ( وليس التدابر و التباغض) ، و خلق الزوجين الذكر و الأنثى ليتكاملا ، و لعل هذا أبرز أمثلة الإختلافات الفطرية .

[ فاطر السماوات و الأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا ]وهذا في صالح الإنسان ، و بيان القرآن لانشطار الأنثى من نفس الذكر ، جاء لضرب الأفكار الجاهلية التي تزعم بأن الأنثى ذات روح حيوانية ، فبهذا الإختلاف يكون التنامي و التناسل ، ولكن لو تحول هذا الإختلاف الى خلاف بين الطرفين ، وانتهى بالتالي الى الطلاقو العداء . أفلا تنقرض البشرية من على وجه الأرض ؟!

بلى . وهكذا لو اختلفت القبائل و الشعوب ، وسعت لفرض عاداتها و طبائعها على الآخرين ، لأن الله خلق كل مجموعة بشرية لتحقق هدفا خاصا في الحياة ، أما لو تصارع الجميع لفرض شخصيتهم على بعضهم فسوف ينتفي التعارف و التعاون و التكامل مما يجعل الحياة جحيما لاتطاق .

[ يذرؤكم فيه ]

أي يجعل تكاثركم و انتشاركم بسبب هذا الأختلاف ، ولعل من الحكم الأخرى للإختلاف إشعار الإنسان بعجزه الذي تدل عليه حاجته للآخرين ، والتي هي بدورها تدل على حاجته الى الله ، لأنه الصمد الذي لا كفو له ولا شريك ولا شبيه .

[ ليس كمثله شيء ]

و نتساءل : لماذا أضيف كاف التشبيه على " مثل " ، في الوقت الذي كان يكفي أن يقال : ليس مثله شيء ؟ هـل الكاف هنا زائدة كما قال المفسرون ؟ أم في المعنى لطفا بديعا ! نحن نميل ألا ننسب الزيادة الى كلام ربنا . اللهم إلا التي تكون للتأكيد ، ولامعنى ظاهر للتأكيد هنا ، فنعود و نتساءل : إذا ما معنى الكاف ؟ التفت بعض المفسرين الى معنى المثل الذي يختلف ظلاله عن كلمة ( ند ) أو شبه و مساوي و شكل ، حيث أن ظلال كلمة المثل توحي بجانب القيمو الصفات و الأسماء ، بينما ظلال الند توحي بالتشابه في الجوهر ، و ظلال ( الشبه ) توحي بالتماثل في الكيفية ، أما كلمة ( المساوي ) فتوحي بالتشابه في الكمية ، و إيحاء ( الشكل ) هو التماثل في المساحة . (1)فإذا قلنا : " ليس كمثله " أي لا يشابه صفاته و أسماءه أحد ، فالكاف بمعنى التشبيه ، و المثل بمعنى مجمل الصفات و الأسماء ، و الله العالم .

[ وهو السميع البصير ]

فلا يزعم أحد أنه مادام ربنا لا شبيه له ولا كفو فهو بعيد عنا لا يسمع ولا يرى ، كلا .. إن تعاليه لا يتنافى و قربه الى درجة أنه يسمع ما نقول ، و يبصر ما نفعل ، فهو رفيع الدرجات وهو أقرب إلينا من حبل الوريد .

[12] وهو الذي يرزق من يشاء ما يشاء ، فيعطي لشعب الطاقات و المعادن ، و لآخر العلم و الإرادة ، فاذا بالناس يختلف بعضهم عن بعض لتتعاون البشرية مع بعضها ، كما أن ربنا يفتح للبشرية أبوابا متعددة من الرزق ، وإذا ما نفذ شيء منه تلطف عليهم بآخر يحل محله ،فإذا بالآفاق الواسعة تتفتح بقدرة الله أمام البشرية لتجدد الطاقات البديلة عن النفط الذي بات مهددا بالإنتهاء . وما يدرينا لعلهم يهتدون الى تحويل الماء الى طاقة محركة كما اهتدوا من قبل الى تفكيكه بقدرته تعالى !

[ له مقاليد السماوات و الأرض يبسط الرزق لمن يشاء و يقدر ]فلماذا يحسد الناس بعضهم ، و يسعى كل واحد للتفرد بالنعم ، و ربنا العليم ينزل من القدرات على من يشاء من البشر بقدر ، حسب حكمته البالغة ؟


(1) تفسير نمونة / ج 20 - ص 372 - نقلا عن مفردات الراغب .


[ إنه بكل شيء عليم ]

وبالتالي فهو يبسط الرزق للناس ، و يعلم ما يحتاجون مما يقوم حياتهم . و يختلف الرزق عن الكسب بأن الأول هو ما يتفضل به الله على الإنسان ، بينما الثاني هو ما يسعى إليه بنفسه ، وهو تعالى يهب لكل واحد نوعا من الرزق ، وعلى الإنسان أن يسعـــى ( و يكسب ) ليجلب رزقه ، فالأرض و الأنهار و النشاط و العقل كلها رزق من الله ، أما الكسب فهو تسخير هذا الرزق ليتحول الى حقول مزروعة .

وما يتفاضل به الناس ليس الرزق بل الكسب ، لأن الله رزقهم بصورة عادلة فهو إذا سلب من أحد رزقا أعطاه رزقا آخر يتفضل به على غيره ، فشبه الجزيرة العربية التي جعلها الرب حارة رطبة أودع فيها (80%) من احتياطي النفط في العالم ، بينما جعل استراليا الفاقدة للنفط بلادا زراعية فإذا بها تغطي قدرا كبيرا من احتياجات العالم ، وهكذا قسم الموارد الزراعية و الطبيعية بين البشر ، وعليهم أن يسعوا لتسخيرها لمصلحتهم !

[13] ولكن الناس حولوا اختلافاتهم الى خلاف و صراع لا يكتسب شيئا من الشرعية ، لأن رسالات الله كلها واحدة ، وجاءت لتحل مشاكل الناس ، ومن أهمها مشكلة الخلاف ، وربنا إنما بعث الانبياء لتوحيد البشرية على أساس المبادئ .

[ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم و موسى و عيسى ]في الأحاديث المأثورة بعض التفصيل في شريعة الله التي نزلت على الرسل ، وفي الدين الذي أمرنا بإقامته ، و نختار منها حديثا مأثورا عن السيد عبد العظيم الحسني أنه قال :


" دخلت على سيدي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - فلما بصر بي قال لي : مرحبا بك يا ابا القاسـم أنت ولينا حقا ، قال : فقلت له : يابن رسول الله إني أريد أن أعرض عليك ديني ، فإن كانمرضيا ثبت عليه حتى ألقى الله عز وجل ، فقال : هاتها يا أبا القاسم ، فقلت : إني أقول : إن الله تبارك و تعالى واحد ليس كمثله شيء ، خارج من الحدين حد الإبطال وحد التشبيه ، وإنه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر ، بل هو مجسم الأجسام ، ومصور الصور ، و خالق الأعراض و الجواهر ، و رب كل شيء ، و مالكه ، جاعله و محدثه ، وإن محمدا عبده و رسوله ، خاتم النبيين فلا نبي بعده الى يوم القيامة ، و أقول ، إن الإمام و الخليفة و ولي الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موســى ثم محمد بن علي ثم أنت يا مولاي ، فقال عليه السلام : ومن بعدي الحسن ابني ، فكيف الناس بالخلــف من بعده قال : فقلت : وكيف ذاك يا مولاي ؟ قال : لأنه لا يرى شخصه ، ولا يحل ذكره باسمه حتى يخرج ،فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا ، قال : فقلت : أقررت ، و أقول : إن وليهم ولي الله ، و عدوهم عدو الله ، و طاعتهم طاعة الله ، و معصيتهم معصية الله ، و أقول : إن المعراج حق ، و المسائلة في القبر حق ، وإن الجنة حـق ، و الميزان حق ، وإن الساعةآتية لا ريب فيها ، إن الله يبعث من في القبور ، و أقول : إن الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلاة و الزكاة و الحـج و الجهـاد و الأمــر بالمعـروف و النهـي عن المنكـر . فقال علي بن محمد - عليهما السلام - : يا أبا القاسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده ؛ فاثبت عليه ثبتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة "[ أن اقيموا الدين ]


لأن إقامته بتطبيق أحكامه تماما كفيلة بتنظيم حياة الناس و إسعادهم ، ثم نهى ربنا عن التفرق في الدين بسبب الأهواء و الشهوات فقال :

[ ولا تتفرقوا فيه ]

لأننا لو أقمنا الدين حقا فلن يكون هناك مجال للتفرق ، فالدين كله واحد وإن اختلفت الرسالات في صياغتها ، وهذه من أعظم وصايا الأنبياء للأمم و للبشرية جمعاء .

جاء في الحديث عن الإمام الرضا (ع) عن آبائه عن النبي (ص) أنه قال :

" قال الله جل جلاله : ما آمن بي من فسر برأيه كلامي ، وما عرفني من شبهني بخلقي ، وما على ديني من استعمل القياس في ديني " (1)[ كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ]

ولو تدبرنا عميقا في هذا المقطع لاكتشفنا مدى علاقته بالمقطع السابق من الآية ، فهو يبين لنا بأن اختلاف الديانات السماوية ناشئ من تسرب ثقافات الشرك المحيطة بها إليها ، فجوهر الدين واحد ولكن الرواسب و الأفكار الغربية التي دخلت إليه هي التي أسست الخلافبين رسالة و أخرى ، وهذه القاعدة تنطبق حتى على الرسالة الواحدة ، فالقرآن مثلا واحد وكله حق ، ولكن لماذا صار كل فريق من المسلمين يدعي أنه وحده يمثل القرآن ؟ لأن بعضهم أضاف اليه إضافات من أفكاره ومن الثقافات الغريبة عليه فلم يقم الدين ، ولأن هذه الأفكار و الشهوات تختلف من فريق لفريق بل من شخص لآخر دب الخلاف بينهم ، بل بدى القرآن نفسه مختلفا للناس .


(1) نور الثقلين / ج 4 - ص 565


ثم إن التحدي الكبير الذي يعيشه المؤمنون في مواجهتهم لقوى الشرك يدعوهم للـــوحدة بينهم ، لكي لا يجد الأعداء ثغرة للتسلل الى صفوفهم ، و الإفساد بينهم من الداخـل .

وفي ظروف التحدي تحتاج الأمة الى المزيد من الإستقامة على طريق الدين ( و إقامة الدين كله دون أن يختلفوا فيه ) ، و السبب هو أن الشيطان قد يوسوس إليهم بأن يتنازلوا عن بعض بنود الدين لكسب المزيد من الأنصار ، بناءا على سلم الأولويات أو التدرج في تطبيق الشريعة ، وقد يؤدي ذلك الى الإنحراف في الدين ، مثلما حصل عند النصارى في التاريخ حيث كانت الديانة المسيحية نقية طاهرة فلما رأى الأحبار قلة المنتمين إليها صمموا على الإقتباس من أفكار الفلسفة القديمة الرائجة يــــوم ذاك ليؤمــن الناس ، و من بين ما أدخلوهعليها بعض الأفكار المقتبسة من الفلسفة المعروفــة بـ ( النيو افلوطينية ) ، فصارت الديانة التي عليها كثير من النصارى اليوم مشوبة بها .

و اليوم نجد الناس يضيفون الثقافة القومية أو الوطنية أو الإشتراكية أو الرأسمالية الى الفكر الإسلامي ، وما هي سوى ألوان من الشرك إذا عرفنا جوهرها المتمثل في التسليم لغير الله .

إذا يجب علينا أن ندعو الى الدين الخالص بلا أي إضافة ، فإن استجاب الناس و إلا فواجبنا بذل المزيد من الجهد ، و بدل أن ننزل ديننا الى مستوى الناس يجب أن نرفعهم الــى مستواه ، وليس علينا بعد الدعوة و التبليغ مسؤولية الهداية ، لأن الهداية من عند الله .


[ الله يجتبي إليه من يشاء ]


مـن رسله ، كالذين سبق ذكرهم من أولي العزم الذين فضلهم الله على سائر أنبيائه ، وهم نوح شيخ المرسلين الذي قدمه السياق لأنه أول نبي عقد عزمات قلبه على إبلاغ رسالة التوحيد ، بتلك الصعوبات المعروفة و عبر ( 950 ) عاما ، و ذكر بعده نبينا محمد (ص) لأنهالأعظم من بين أولي العزم ، ثم جاء ذكر الأنبياء الثلاثة بالترتيب الزمني إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ( عليهم السلام ) .

[ و يهدي إليه من ينيب ]

من سائر عباده .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس