أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم
هدى من الآيات لكي تنفذ بصيرة الإنسان الى واقع الخلق و تصلح بذلك علاقته به فلا يرفعه الى مقام الخالق ، ولكي تخلص عبادة الإنسان لخالقه من شوائب الشرك ، و يعلم أن النعم من عنده فلا يكفر به بإشراك عباده فيها ، و بالتالي لكي تكون علاقته بالنعم سليمة منبعثة من نور التوحيد ، تسوق آيات الدرس حقائق التوحيد خالصة من زيغ المعتقدات الجاهلية ، والتي منها نظرية الحلول التي يزعم أهلها أن لله في عباده جزء يتنزل الله به عن مقام ربوبيته درجة ، و يرتفع العبد به الى مقام الربوبية بقدرها . إنه الكفر المبين بالنعم و بمن أنعم سبحانه ، و هكذا الإنسان من طبعه الهبوط الى هذا الدرك من الكفر .
و يستنكر القرآن زعمهم بأن الله أختار البنات بينما اصطفى لهم البنين في الوقت الذي تراهم يستاؤون من الإناث حتى إذا بشر أحدهم بها ظل وجهه مسودا وهو كظيم .
و يتساءل السياق : كيف يختار البنات وهن ناشئات الحلي و الزينة ، ولا يصلحن للجدال و المخاصمة ؟!
وهكذا جعلوا الملائكة إناثا بينما هم عباد الرحمن و العباد أمام معبودهم شرع سواء ( وهكذا ينسف القرآن أساس التفاضل الذاتي بين الخلق وهو في ذات الوقت الإنحراف الكبير الذي يزيغ اليه ذووا الثروة و الجاه ) و ينكر عليهم أن يقولوا ما ليس لهم به من علم و ينذرهم بأن كلامهم يعتبر شهادة ، وأنه مسجل عليهم ، وأنهم يسألون عنه .
( و جعل الملائكة أو غيرهم أنصاف آلهة يساهم في الإيمان بالقدر ( الجبر ) و أنهم لا يملكون من أنفسهم شيئا ) و أنه لو شاء الله لما عبدوا الملائكة .
( ولكن انسياقهم وراء النظرية القدرية تم بدفع شهواتهم و نزوع الإنسان الى التملص من المسؤولية ) و إنه مالهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون .
( و تراهم يعظمون آباءهم الى درجة اتباعهم بغير هدى ) ولا يجوز تقديس الآباء إلا بقدر ما كان عندهم من كتاب أو هدى ، أما إنهم يقولون إنا مهتدون لأننا نتبع آباءنا فيما وجدناهم ماضين عليه من شرعة و منهاج .
وهذه عبادة جرت في كل الأمم ، فما أرسل الله في قرية من نذير يحذرهم من الإسترسال مـــع المنكـرات إلا قال المترفون فيها ( الذين عبدوا الثروة و خشوا من الإصلاح ) إنا وجدنا أباءنا على أمة ، و إننا ماضون عليها .. وحين دعاهم النذير بما هو أهدى من آثار آبائهم كفروا برسالته فانتقم الله منهم بسبب تكذيبهم ، و أثبت الإنتقام أنهم مسؤولون عن مواقفهم ، اعترفوا بها أو لم يعترفوا ( وهكذا بان كفران الإنسان و اصله الجهل بمقام الله و أنه لا يتشبه بخلقه أبدا ) .
|