فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
[40] الله هو محور الحياة الطبيعية للانسان .

[ الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم ]

و اذا كان الله هو الذي خلق و رزق ، و أمات و أحيا ، و اذا كان الله هو المحور في الحياة الطبيعية ، فلماذا لا نتبع الله في النظام الاجتماعي ، و لم لا نجعل التوحيد لا الشرك هو الذي يرسم حياتنا ؟!

[ هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء ]

كلا ..

[ سبحانه و تعالى عما يشركون ]

[41] [ ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس ]ان الانحراف الذي نشاهده كل ساعة ليس بالطبع ناتج عن انحراف الطبيعة ، لأن الله خلق الطبيعة حسنة ، و اتقن صنعها ، و الفساد انما هو بما كسبت ايدي الناس .

و حقيقة فساد الانسان ان المحور الاساسي لحياتهم كان التوحيد فبدلوه الىالشرك ، و حين يوصل القرآن الفساد بذنوب البشر تعرف ان المنهج الاسلامي متقدم على المنهج الاجتماعي القائم بدرجة ، كما انه متقدم على النظرة الجاهلية بدرجتين ، فالجاهليون يعتقدون بان ما يظهر من الاثار في الحياة لا يمت الى سبب ، فلا يبحثون عن سبب معقول .


بينما المنهج القرآني يربط الظواهر الطبيعية باسبابها المشهورة و الغيبية ، فالظلم - مثلا - سبب لشقاء الظالم ، و نزول العذاب عليه ، اما بصورة مشهورة حيث انه يكون سببا لتحدي المظلوم ، مما يزعزع أمن الظالم و استقراره ، و أما بطريقة غيبية حيث ان الرب الذي بيده ملكوت كل شيء يقدر للظالم العذاب او الشقاء بتسليط الأمراض عليه و إنزال الصواعق و الكوارث الطبيعية على بلاده .

هكذا تضحى مسؤولية البشر عن أفعاله حقيقة لا فكاك منها في منطق القرآن ، لان الذي يجريها بيده الاسباب الطبيعية و غير الطبيعية .

و نحن حين نتلو هذه الآية لنتخذها بصيرة لوعي العصر الذي نعيشه نزداد يقينا بعظمة القرآن ، و صفاء بصائره .

بلى . ظهر الفساد في البر و البحر بانتشار وسائل الدمار فيهما ، من اسلحة نارية تقليدية تتكاثــر كالجراثيم في جسم مريض ، و تدعمها اسلحة نووية تنشر مظلة رعب رهيبة ، و اخطر منها الاسلحة الكيمياوية التي طفقت البشرية التنافس عليها .

و في آخر تصريح لمراقب عليم عن اخطار هذه الاسلحة جاء : ان نشوب حرب نووية بين القوتين العظميين ستسفر عن سقوط (4) مليارات قتيل في العالم الثالث ، و ذلك ان تغييرا أساسيا يحدث في اتجاهات الرياح الموسمية ، و ان الشمس تحتجببسبب الدخان الاسود الناجم عن احتراق المدن . (1)

و اذا عرفنا ان سكان العالم هم اليوم خمسة مليارات بشر فان ذلك يعني ان الحرب تهدد اربعة اخماسهم .

و من الرعب النووي الى الامراض التي لا شفاء منها كالسرطان ، و الايدز ، و القلق ، و الجنون ، و امراض الاعصار المتكاثرة ، و الى التخلف القاتل الذي يحصد الملايين في جنوب ارضنا ، و التخمة التي تطغى النخبة في الشمال ، مما حدى بعض العلماء اليائسين في فرنسا الى القول لان عضلات البشرية لا تعالج بسوى حرب نووية .

أما عن الخطر المحدق فعلا بالبشرية ( تلوث البيئة ) فتقول مجلة ( الحقيقة الواضحة ) التي تدعو الى العودة الى الدين في عددها المؤرخ (1/2/1987 م) و الذي طبع منه اكثر من سبعة ملايين نسخة تقول :

هل القوة النووية هي المصدر الوحيد لتدمير الارض ؟

لننظر الى مجموعة معلومات جاءت في بعض المجلات الرائدة : ان التلوث الجدي الذي لا يقارن بحادثة بوبال في الهند ، و لكن بتراكماته سوف يهدد الارض و تضيف : لقد اظهرت الابحاث الجديدة ان تدمير طبقة الاوزون بواسطة الغازات التي ينتجها الانسان سوف يكون اكبر مما كان متوقعا ، ثم تقول : لقد اكتشفنا أخطر المواد الكيماوية و ادخلناها في موادنا الغذائية ، و تعطي احصائية عن وسائل التدمير في امريكا ، و تقول : ان المواطنين الامريكيون ينتجون (5/1) مليار رطل من(1) احد علماء الطبيعة البارزين و اسمه ( فردريك و ورنر ) من جامعة ( اسكس ) البريطانية . انظر جريدة الوطن بتاريخ ( 10/ ج2 / 1407 هـ ) الموافق ( 9 / فبراير / 1987 م ) .


المخلفات المدمرة في اليوم و تضيف : ان تدمير البيئة يجري سريعا ، و اذا لم يوقف هذا التدمير فسوف يكون مرعبا .

و تضرب مثلا لحجم التلوث في امريكا و تقول : ان الابحاث تقول : ان هناك حاجة لـ ( 100 ) مليار دولار و خمسين سنة من الوقت حتى تتم ازالة المواد السامة من الولايات المتحدة ، حتى ان خبيرا في شؤون المحيطات قال : اننا نواجه النكبة ، و تختم المجلة تحذيرها :
لن يكون هناك خيار للانسان الا الدمار اذا ما نظر الى سياسة الربح و التوسع الصناعي بشكله الحالي .

و قد أكدت الروايات الاسلامية على الصلة بين النكبات و المصائب التي يتعرض لها البشر ( افرادا أو مجتمعات ) و بين أعماله . دعنا نقرأ بعض هذه الروايات :

عن الامام الباقر (ع) قال :

اما انه ليس من سنة اقل مطرا من سنة ، و لكن الله يضعه حيث يشاء ، ان الله - جل جلاله - اذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدر لهم من المطر في تلك السنة الى غيرهم ، و الى الفيافي و البحار و الجبال ، و ان الله ليعذب الجعل في حجرها بحبس المطر عن الارض التي هي بمحلتها لخطايا من بحضرتها ، وقد جعل الله لها السبيل الى مسلــك سوى محلة اهل المعاصي ، قال : ثم قال ابو جعفر الباقر " فاعتبروا يا أولي الابصار " (1)ثم قال : وجدنا في كتاب علي (ع) قال : قال رسول الله (ص) :

" اذا ظهر الزنا كثر موت الفجأة ، و اذا طفف المكيال أخذهم الله بالسنين(1) بحار الانوار / ج 73 - ص 372


و النقص ، و اذا منعوا الزكاة منعت الارض بركتها من الزرع و الثمار و المعادن كلها ، و اذا جاروا في الاحكام تعاونوا على الظلم و العدوان ، و اذا نقضوا العهد سلط الله عليهم عدوهم و اذا قطعوا الارحام جعلت الاموال في ايدي الاشرار ، و اذا لم يأمروا بمعروف و لم ينهوا عن منكر و لم يتبعوا الاخيار من اهل بيتي سلط الله عليهم شرارهم ، فيدعوا عند ذلك خيارهم فلا يستجاب لهم " (1)و روي عن الامام أمير المؤمنين (ع) قال : قال رسول الله (ص) :

" ثلاثة من الذنوب تعجل عقوبتها و لا تؤخر الى الآخرة : عقوق الوالدين و البغي على الناس ، و كفر الاحسان " (2)و روي عن الامام الصادق (ع) قال :

" الذنوب التي تغير النعم البغي ، و الذنوب التي تورث الندم القتل ، و التي تنزل النقم الظلم ، و التي تهتك الستور شرب الخمر ، و التي تحبس الرزق الزنا ، و التي تعجل الفناء قطيعة الرحم ، و التي ترد الدعاء و تظلم الهواء عقوق الوالدين " (3)

و روي في تفسير الآية عن الامام الصادق (ع) انه قال :

" حياة دواب البحر بالمطر ، فاذا كف المطر ظهر الفساد في البر و البحر ، و ذلك اذا كثرت الذنوب و المعاصي " (4)(1) المصدر / ص 373

(2) المصدر / ص 374

(3) المصدر / ص 373

(4) نور الثقلين / ج 4 - ص 190


ربما لا يكتشف العلم العلاقة بين الزنا و موت الفجأة أو بين التطفيف و الفقر ، أو بين المعاصي و انقطاع المطر ، و لكن الحقيقة ان هذه أثر من تلك ، و ان طاعتك أو معصيتك تؤثر فيما حولك ، و قد أكد القرآن على هذه الفكرة مرارا فقال :

1- " و ألو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا " (1)2 - " و لو ان اهل القرى آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الارض و لكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون " (2)3 - " و ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بانعم الله فأذاقها الله لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون " (3)انك اذا لم تعرف سبب الابتلاءات انها من الذنوب ، فلا دليل لك على ان تبقى على سلوكك المنحرف ، و تحتمل تبعة هذا السلوك ، فقد جاء في الحديث المأثور عن أمير المؤمنين (ع) في قوله تعالى : " و ما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم و يعفوا عن كثير " :

" ليس من التواء عرق ، و لا نكبة حجر ، و لا عثرة قدم ، ولا خدش عود الا بذنب ، و لما يعفو الله اكثر فمن عجل الله عقوبة ذنبه في الدنيا فان الله اجل و اكرم و اعظم من ان يعود في عقوبته في الآخرة " (4)و قد عبر الله عن عمل الذنب بما كسبت اليد ، لان اليد هي التي تباشر عادة(1) الجن / 16

(2) الاعراف / 96

(3) النحل / 112

(4) بحار الانوار / ج 73 - ص 374


فعل الذنب ، و تعبير اليد تعبير عن الارادة كقولك : هذا الامر بيدك .

[ ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ]

و تشير خاتمة الآية الى حقيقتين أخريين :

الاولى : ان الله سبحانه يعفو عن كثير من الذنوب ، و انما يعجل عقوبة بعض الذي عملـــــوا ، و في التعبير القرآني بلاغة نافذة ، فان ما ينزل العذاب يكون ذا ألم يذاق " ليذيقهم " و انه تجسيــد لـذات المذنب حيث لم يقل ربنا سبحانه " ليذيقهمعقوبة بعض .. " و انما قال تعالى " ليذيقهم بعض " فالذي عملوه بذاته يضحى عذابا .

الثانية : ان حكمة العذاب تنبيه البشر لعله يرعوي عن غيه ، و يعود الى الطريق المستقيم و الدين القيم الذي يقي الناس ألوان العذاب .

[42] قد يتخذ البعض القرآن رصيد معلومات ، وقد يتخذه البعض منهجا لبلوغ معلومات جديدة عبر بصائره ، و بالرغم من أهمية الحصول على المعلومات المباشرة من القرآن إلا أن آياته الكريمة تؤكد على أولوية اتخاذه منهجا للبحث ، و وسيلة للمعرفة ، و بابا الى العلم، و بصائر و هدى .

و أكد الرب المرة تلو المرة ، ان القرآن بصائر و أمثال و هدى و نور ، و ان فيه آيات لقوم يعقلون و للعالمين و لقوم يسمعون .

و البصيرة اداة البصر ، و المثل وسيلة لمعرفة ما يشابهه . انه النموذج الذي يقـــــاس عليه ما يطابقه و الهدى يبصرنا سنن الله ، و النور يضيء لنا الدرب لنراها بأنفسنا .

و من أمثال هذه الآيات يعرف خطأ الذين اتخذوا القرآن نهاية المطاف ، و ليسوراءه عمل يقومون به لمعرفة الحقائق ، بل القرآن منهج لفهم الحياة ، و اثارة لعقل الانسان ، بالاضافة الى اشتماله على رصيد لا ينتهي من العلوم و المعارف و هكذا فهو اطار يتحرك عبره البشر ، و بداية الانطلاقة ، و ربما هذا هو الفرق بين الامة الاسلامية في بدايةانطلاقها ، وعما عليه الآن بعد جمودها .

فالامة الاسلامية في بداية انطلاقها كانت تتخذ من القرآن وسيلة للبحث ، و منهجا للتفكيــر ، و لذلك كانوا يشدون الرجال لطلب العلم و لو في الصين لانهم كانوا طلاب تجربة ، لم يقولوا كما قال البعض : حسبنا كتاب الله ، اذ لم يكن كتاب الله بديلا عن الجهد ،بل كان إطارا له ، و لقد كان رسول الله (ص) يبعث اصحابه الى اليمن ليتعلموا فنون الحرب و التجسس على بعض الاسلحة الجديدة ، و لقد كان يزرع فيهم حب المعرفة بقوله :

" الحكمة ضالة المؤمن "

من هنا نجد القرآن يأمرنا بالسير في الارض لننظر آثار التاريخ على الارض مباشرة :

[ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل ]ليس فقط ننظر الى ظواهر الامور ، بل نبحث عما وراء الظواهر من حقائق ، فننظر الى آثار الماضين ، و نستدل بها على حياتهم ، و نعرف منها بعض السنن الاجتماعية التي كانت حاكمة عليهم .

ان السير في الارض ، و البحث فيها عن ركام القصور المهدمة ، و بقايا المزارع المعطلة ، و نماذج الادوات المدفونة تحت الانقاض ، يدعونا الى النظر في نهايات تلك الامم التي كان جل سعيها الخلود في الارض ، و تحدي سنن الله في الخلق .. لقد بنوااهراماتهم بمصر ، و قلاعهم في بعلبك ، و زرعوا ارض بابل و نينوى بالآثار العظيمة ، و لكنهم ابيدوا حيث اشركوا بالله .

يقول الامام أمير المؤمنين (ع) :

" اين العمالقة و ابناء العمالقة ! اين الفراعنة و ابناء الفراعنة ! اين اصحاب مدائن الرس الذين قتلوا النبيين ، و اطفؤوا سنن المرسلين و أحيوا سنن الجبارين ! اين الذين ساروا بالجيوش ، و هزموا بالألوف ، و عسكروا العساكر ، و مدنوا المدائن ! "(1)

[ كان أكثرهم مشركين ]

حينما تبحثون في الارض ، و حينما تنقبون في الاثار ، و تبحثون في الانظمة الاجتماعية السائدة عليهم ستكتشفون بانهم كانوا مشركين في الاغلب ، فإما كانوا عبدة الاصنام و ما ترمز اليه من الثروة و القوة أو عبد الطاغوت .

في الآيات السابقة بين القرآن الشرك و التوحيد في مجال الاقتصاد ، و بعدها في الاخــلاق ، و هنا بينها في مجال الصراع الحضاري ، أو بتعبير آخر الصراع من أجل البقاء ، فالشرك ليس الوسيلة المثلى للبقاء بل هو السبب الرئيسي للإنهيار .

[43] فاذا اكتشفنا بان الشرك هو مادة الفساد ، و سبب نهاية البشر فردا كان او مجتمعا ، فعلينا ان نخلص العبادة لله .

[ فأقم وجهك للدين القيم من قبل ان يأتي يوم لا مرد له من الله ](1) نهج البلاغة / الخطبة 182 - ص 262


فاقامة الوجه لله أمان يوم القيامة .

[ يومئذ يصدعون ]

يتفرق بعضهم عن بعض ، و حيث يتميز الكفار عن الصالحين ، و تلك هي المفارقة الشرعية الوحيدة بين الانسان و فطرة الانسان .

[44] فالذين كفروا فعليهم كفرهم يوم القيامة ، اذ يتحول الى حميم و غساق ، و الذين آمنوا فسوف يجدون أعمالهم الصالحة .

[ من كفر فعليه كفره و من عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون ]فالعمل الصالح سيأتيك في يوم أنت أحوج ما تكون إليه ، و لكن من كفر فان نتيجة كفره ستكون وبالا عليه .

و في هذه الآية ملاحظة هامة و هي : ان الله عندما ذكر من كفر ، قال : " فعليه كفره " بصيغة الفرد ، و عندما ذكر من عمل صالحا قال : " فلأنفسهم يمهدون " بصيغة الجمع ، و الفكرة هي : ان نتيجة الكفر تكون على صاحبها فقط ، أما نتيجة الايمان و العمـــل الصالح فتكون اضافة على أنها لصاحبها لذويه و اقربائه و سائر المؤمنين ، فقد ورد :

" ان المؤمن يشفع في مثل ربيعة و مضر "

و قد ورد في تفسير الآية : " و كان ابوهما صالحا " في قصة اليتيمين اللذين اقام جدارهما الخضر (ع) .

عن ابي عبد الله عليه السلام :


" انه كان بينهما و بين ذلك الاب الصالح سبعة اباء " (1)وفي رواية أخرى عن ابي عبد الله (ع) قال :

" ان الله ليحفظ ولد المؤمن الى الف سنة ، و ان الغلامين كان بينهما و بين ابويهما سبعمائة سنة " (2)[45] [ ليجزي الذين ءامنوا و عملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين ]في الآية السابقة ابان الله في كتابه ان العمل هو الذي يحدد نهاية البشر " فمن كفر فعليه كفره ، و من عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون " و في هذه الآية يبين انه يتفضل على الصالحين ، و حين يكون الفضل من الله فبشرى للانسان و طوبى .

و لعل التعبير السابق " فلأنفسهم يمهدون " كان تمهيدا لبيان أن جزاء الصالحين ليس مجرد تمثل أعمالهم الصالحة في صورة نعيم ابدية في الآخرة و انما هي مجرد تمهيد لفضل الله الذي لا يحد و لا ينتهي .

و جاء في الحديث المروي عن الامام الصادق (ع) :

" ان العمل الصالح يسبق صاحبه الى الجنة فيمهد له كما يمهد لأحدكم خادمه فراشه " (3)و لكن الله يجزيهم من فضله ، و هو لا يحب الكافرين :

[46] بعد ذلك يعود الله الى عرض بعض آياته في الحياة فيقول :


(1) (2) تفسير نور الثقلين / ج 3 - ص 291

(3) المصدر / ج 4 - ص 191


[ و من ءاياته أن يرسل الرياح مبشرات ]

من نعم الله على الانسان النظرة الايجابية الى الحياة ، و التي تنبع من الايمان بالله ، فالذي يؤمن بالله يجد ان الحياة تبتسم له ، و اذا رأى مشاكل الحياة فانه يتجاوزها بسهولة ، اما الكافر فان سحبا سوداء تكتنف قلبه ، فلا يبتسم لنور الشمس ، و لا لنعم الحياة ، و القرآن يثير فينا الاحساس بالجمال فيما يحيط بنا من حقائق ، أو تترى علينا من ظواهر .

ان الانسان مفطور على حب الجمال ، و ان مظاهر الطبيعة الرائعة غذاء مريء لروحه الحساس ، و لكن هذه الفطرة قد تدس في تراب العقد النفسية ، و الانشداد الى المشاكل اليومية ، و الغرق في طوفان الاوهام و التمنيات .

و هكذا نحتاج الى ما يدغدغ هذه الفطرة حتى يوقظها و ينميها ، و هذه مسؤولية الفن و الادب .

و آيات القرآن تثير فطرة الجمال في قلوب المؤمنين و تنميها - كما تنمي نوازع الخير و الفضيلة جميعا - حتى تغدو تلك القلوب تعيش مهرجان الحب ، و تستريح الى همسات الطبيعة التي تحدثها حفيف الاشجار و تلاعب المياه عند الشواطئ و الغدران .

الا ترى كيف يحدثنا الرب عن المبشرات من الرياح التي تنطلق من المنخفضات الجوية و تنساب بين الصخور و الاحجار ، و تهب على أولئك المزارعين الذين مزق اعصابهم طول انتظار الغيث ، و قد صرفوا اسابيع من عمرهم جاهدين لاستصلاح الارض و زراعتها ؟! بلى .. ها هي الرياح تأتي مبشرة بالسحب الخيرة ، و اذا بقطعات السحب تتسابق و تتكاثف و تحتك و تعلن عن نفسها بالبرق و الرعد ،و ترخى السماء عزاليها .

بلى .. كما تقوم الرياح بتلقيح الأشجار ، و نشر بذور الزرع المتراكمة في منطقة على مساحات شاسعة ، و توزع غاز الأوكسجين على الناس ، و تحمل منهم الى الاشجار الغازات السامة لتتغذى بها و تمنع اشعة الشمس من حرق الاوراق ، و تقوم بتحريك السفـــن الشـراعية من بلد الى بلد ، كما تساهم في انطلاق الطيارات و السفن التجارية ايضا .

كل ذلك من اجل ان يتذوق الانسان رحمة الله ، و يتصل قلبه الصغير بالكون الواسع عبر هذه المتغيرات .

[ و ليذيقكم من رحمته ]

من نعمة المطر فتخضر الارض .

[ و لتجري الفلك بامره ]

فهذه الرياح تدفع السفن الشراعية من بلد الى بلد .

[ و لتبتغوا من فضله ]

من نعم أخرى عبر التواصل التجاري بين الأمم .

[ و لعلكم تشكرون ]

إن ذروة السعادة - و هي غاية النعم - حين يبلغ الانسان مستوى الشكر لله ، يرضى قلبه ، و تطمئن نفسه ، و تملؤ البهجة أرجاء فؤاده ، اما حين يكفر بنعم الله فانالهدف منها لا يتحقق أبدا . أو ليس الهدف منها الإحساس بالسعادة ، و كيف يسعد من يكفر بالنعم ؟!


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس