فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا
هدى من الآيات

الايمان يفتح عين الانسان على الحياة فيراها كما هي ، من دون حجب ، اما من لا ايمان له فكمن هو في الظلمات ، فالصلة مقطوعة بينه و بين ما حوله لأنه - أساسا - لا يعترف بضرورة البحث عما هو حق و عما هو واقع ، بل يكتفي بما يظنه ظنا ، و ان الظن لا يغني عن الحق شيئا ، اما الايمان فانه يجعل الانسان يبحث عن الحق انى وجده ، لان الايمان ذاته هو التسليم للحق .

جاء في توحيد المفضل :

" فاعتبر بما ترى من ضروب المآرب في صغير الخلق و كبيره ، و بما له قيمة و ما لا قيمة له ، و أخس من هذا و احقره الزبل و العذرة ، التي اجتمعت فيها الخساسة و النجاسة معا ، و موقعها من الزرع و البقول و الخضر أجمع ( اجمل ) الموقع الذي لا يعد له شيءحتى ان كل شيء من الخضر لا يصلح و لا يزكو الا بالزبل و السماد الذييستقذره الناس ، و يكرهون الدنو منه .

و اعلــم انه ليس منزلة الشيء على حسب قيمته ، بل هما قيمتان مختلفتان بسوقين ، و ربما كان الخسيس في سوق المكتسب نفيسا في سوق العلم ، فلا تستصغر العبرة في الشيء لصغر قيمته ، فلو فطنوا طالبوا الكيميا لما في العذرة لاشتروها بأنفس الاثمان ، و غالبوا بها" (1)

انك إذا سلمت للحق فسوف تبحث عنه ، و حين تبحث عنه تجده ، و اذا كانت الحاجة ام الاختراع ، فان الاحساس هو السبب الرئيسي للمعرفة ، لان الانسان لا يعرف بالشيء الا اذا احس بالحاجة الى معرفته ، فمن لا ايمان له و اكتفى بظنونه لا يحس بالحاجة الى المعرفة ،لان الهوى موجود عنده أساسا فلا داعي للبحث عنه .

و في الدرس ما قبل الأخير في سورة الروم نجد ربنا سبحانه يبين لنا بان الايمان هو البصيرة ، فالكافر كالاعمى و الاصم ، بينما المؤمن هو البصير و السميع لا تحجبه حجب الهوى ، ولا المسبقات الفكرية و العقد النفسية ، انه ينظر نظرة مجردة عفوية ، انه لا يلبسنظارة ملونة ، سواء كانت هذه النظارة افكارا جاهلية ، أو نظرات سلبية و قاتمة عن الحياة كنظرات الذي يعيش الحزن و الهم و الكآبة ، أو نظرات مغرقة في الغرور و التمني و التبرير .

فالمؤمن عادة ما يكون متفاعلا في الحياة ، اذ انه يرى الحياة كلها بصورتها الطبيعية ، فهو يشكر الله على النعم ، و يصبر في حال البلاء على النقم ، فكلما راى شيئا في الحياة شكر الله و حمده . لماذا ؟


(1) بحار الانوار / ج 3 - ص 136


لانه يرى ان النعم من الله سبحانه ، بينما الكافر يتصور ان النعم من نفسه ، فكلما اعطاه الله خيرا قال : هل من مزيد .

و من نعم الله العظيمة : الرسالة التي حملها أطهر خلقه الينا ، و ما أخسر أولئك الذين اجرموا حين لم تنفعهم الرسالة ، و طوبى للمؤمنين الذين نصرهم الله بما فرض على نفسه سبحانه من تأييدهم .

و الرسالات تجل عظيم للرحمة الإلهية ، كما السحب المباركة التي تروي الارض و تملأها خصبا و رزقا ، و تملا النفوس بشرى ، بعد ان استبد بها اليأس و القنوط .

افلا تنظر الى الارض تهتز و تربو ، و تزهو بزرعها البهيج . ان ذلك من آثار رحمة الله ، و هكذا يحيي الارض بعد موتها . أفلا نهتدي بذلك الى قدرة الرب ، و انه كيف يحي الموتى ؟!

و آيات هذا الدرس تثير فينا الاحساس بالتفاؤل و الايجابية .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس