ان في ذلك لآيات لكل صبار شكور
هدى من الآيات هل ان الأصل في الحياة الكمال أم النقص ؟ العدم أم الوجود ؟ فاذا كان الأصل هو الكمال ، فان كل نقص يطرأ على الكون يخالف انتظارنا و توقفنا ، و اذا كان العكس ، فان من واجبنا الشكر لله على كل اضافة جديدة .
حسبنا عودة الى الوراء توضح لنا الامر ، حيث اننا لم نكن شيئا مذكورا بالامس ، و ان الكمالات قد أضيفت لنا شيئا فشيئا ، فصرنا الى القوة بعد الضعف بقدرة الله ، و بعد الجهل الى المعرفة برحمته .
هكــــذا كان العدم مهيمنا علينا من كل جانب و صوب ، فمن علينا ربنا بنعمة الخلق ، و أسبغ علينا من نعمه الظاهرة و الباطنة ، حتى ان كل ذرات كياننا المادي و المعنوي هي نعم إلهية علينا ، فلماذا نكفر و نتكبر و نطغى و نحن نعلم بأن هذه النعم لن تكون الا الى فترة يسيرة ، و انها عرضية تزول عندما يقرر الانسان ان لا يشكر ربهعليها ، أو حينما يكتب الله لها الزوال .
و يتجلى الفرق بين الانسان الذي يتصور بان الكمال هو الأصل في ذاته ، و بين الآخر الذي يعرف انه لم يكن شيئا ، انما خلقه الله شيئا ثم اضاف اليه من نعمه ، يتجلى الفرق في الصفات بين الصبار الشكور و الختار الكفور ، لأن كلا هذين الموقفين منطلق من إحدى النظرتين السابقتين ، فمن يتصور بأن الاصل هو الكمال لا يرى ضرورة للشكر أو الصبر ، لأنه سيعتبر ذهاب النعمة من بين يديه شذوذا لا يطاق ، بينما يشكر الآخر - الذي يعتقد بان الاصل هو النقص و العدم - عند النعم ، و يستفيد منها في تكامله ، و يصبر عند البلاء لأنهيعتبر النعمة حينذاك أمانة استرجعها الله ، و هذا الايمان يجعله يحير في مهرجان الرضا بقضاء الله و التسليم بقدره ، أما الكفور فاذا مسه الخير تراه منوعا ، أما اذا مسه الشر فهو جزوع ، يدفعه شعوره الدائم بالنقص ( الحقارة ) الى التفتيش عن إضافات توصله الى الكمال ، دون التفكير في الوسيلة السليمة و دون معرفة .
و من أجل ان نخلق في أنفسنا صفة الصبر و الشكر ، يدعونا القرآن الى التفكر في أنفسنا في الكون ، بحثا عن الحقيقة العظمى فيه ، و هي معرفة الله ، و الانسان غالبا ما يفكر في مخلوقات الله بذاتها ، دون ان يقوده تفكره فيها الى معرفة ربه و هذا منهج خاطئ ، والقرآن الكريم يوسع أفقنا و يأخذ بأذهاننا الى ما وراء الحياة الدنيا ، و يعطي لنا منهجا ينتهي في كل اتجاه الى معرفة الله ، ذلك ان هذه المعرفة تعطي الانسان نظرة سليمة الى هذه الحياة ، في سرائها و ضرائها ، و في ظاهرها و باطنها .
|