موقف القيادة الرسالية من الأحداث و الأشخاص
هدى من الآيات نجد في هذا الدرس فكرتين هامتين هما :
الأولى : تتمة لما مر في الدروس السابقة حول قصة الأحزاب ، و كيف ان ربنا نصر المؤمنين ، و رد الكافرين يجرون أذيال الهزيمة و الفشل إلى بلادهم مكرهين ، و قد خسروا بطلهم عمرو بن ود .
الثانية : حديث حول نساء النبي (ص) .
و هنا يطرح السؤال التالي : ما هي العلاقة بين الفكرتين في السياق القرآني ؟ أي ما هي العلاقة بين انتصار المسلمين باذن الله في الحرب ، و بين الوصايا و التعاليم الإلهية لنساء النبي في هذه السورة ؟
و الجواب : يبدو أن محور سورة الأحزاب هو القيادة الرسالية في علاقاتها معالاشخاص و الاحداث التي تدور حولها ، و الآيات تؤكد بأنها مستقيمة على رسالة ربها ، لا تلويها الأحداث المتطورة - بما تحمله من ضغوط و اغراءات - و لا يؤثر في مسيرتها الأشخاص الذين يحوطونها لأنها تتبع هدى الله فتحدد موقفها من الأحداث ، و تستجيب لما يتفق معهذا الهدى اذا اقترحه الآخرون ، و ترفض ما سواه مهما كان صاحب هذا الراي قريبا أو معتمدا عندها ، و مهما كانت الظروف .
و من أبرز و أهم الحوادث في حياة القيادات هي الحرب ، و القيادة الرسالية التي تجسدت يومها - في حرب الاحزاب - في أفضل و أكمل صورها في الرسول الأعظم محمد (ص) كالجبل الأشم ، لا تزلزلها العواصف ، بل تتحدى متغيرات الزمان و الحرب و فرار المنافقين و تعويقهم ، و بالذات هزيمتهم في حرب الاحزاب التي هي أقسى و أشد الحروب خطورة على رسول الله و على الأمة الاسلامية آنذاك ، من الناحية العسكرية ، فالرسالة في أول انطلاقتها ، و القيادة كما الأمة في بداية نشأتها و تكونها ، و قد جمع الكفار فلولهم من كل حدب وصوب .
صحيح ان غزوة أحد كانت أعمق أثرا من الناحية النفسية على رسول الله (ص) حيث ترك عمه حمزة سيد الشهداء مجندلا ، تلوك كبده هند ، كما أن ثلة من أصحابه الخلص لقوا مصرعهم فيها ، إلا أن حرب الاحزاب كانت الأشد و الأقوى عسكريا ، و كان نصر الله للمسلمين في هذهالحرب دليلا واضحا على نصرة الله لعباده المؤمنين ، كما أن استقامة القيادة الرسالية المتجسدة في شخص الرسول (ص) يومذاك و استقامة من يحيطون به من صحبه الخلص ، دليل على النموذج الأرقى للقيادة التي يجب ان تقاوم الحوادث المتغيرة ، و الظروف الصعبة ، و عمومضغوط الحياة ، فعظمة القيادة و مسؤوليتها تتجلى في استقامتها و مقاومتها للنكسات و الظروف السلبية التي تعصف بالامة و بالتجمع الذي تقوده .
ثم ان اقرب الناس الى الانسان و أمضاهم أثرا في شخصيته و قراراته - اذا كان مائعا ضعيف الارادة - هي زوجه ، ذلك ان زوجه حينئذ هي التي تصنع شخصيته ، و بالذات اذا تعلق بها قلبه ، و بالزواج ترسم خريطة الحياة المستقبلية للزوجين ، فالزوجة من الناحية النفسية في غالب الأحيان صورة أخرى للزوج بعد فترة من الزواج ، كما أن الزوج في أكثر الاحيان نسخة أخرى لزوجته و لهذا قيل : وراء كل عظيم امرأة ، فالصورة الاخرى الغير مرسومة ظاهرا لاكثر الرجال ، و السطر الغير مقروء في حياتهم هي زوجاتهم .
و لكن رسول الله (ص) كما القيادة الرسالية لا يتأثر أبدا بزوجاته ، بل يضحي بهن في لحظة واحدة لوأمره الله بذلك ، أو تعارض بقاؤه معهن مع أهداف رسالته ، و الآية (27) ربما جاءت حينما كان الرسول (ص) متزوجا بتسع زوجات ، فأمره حينئذ بتخييرهن بين البقاء معهو تحمل الأذى و الهجرة و الفقر ، أو الطلاق بالمعروف و الإحسان ، و بالفعل خيرهن ( ص) لان بعضهن كانت تقول : لو يطلقنا رسول الله لوجدنا من يتزوجنا من أهلنا ، و يخرجنا من هذا العيش المشين ، فقبلت احداهن الطلاق ، فطلقها الرسول ، و لكنها اصبحــت ذليلة في قومها ، فقيرة إلى أن ماتت ، مريضة على اسوء حال ، دون ان يتزوجها أحد .
و كـــان هذا التصرف من الرسول (ص) معقولا ، فالتي تختار الرسول زوجا لها - وهو الذي جاء مغيرا للعالم ، و صانعا لأمة حسب وحي الله ، و مؤسسا لتاريخ حضارتها - لابد ان تتحمل الصعوبات و تستوعب طموحاته و ممارساته ، و تكيف حياتها بما يتناسب مع كل ذلك .
اذن تتلخص العلاقة بين الفكرتين في محورية رسول الله كقائد رسالي للأمة ، لا يتأثر بالأحداث و الظروف الصعبة كالحروب مثل حرب الاحزاب وهي أشدها ، و لابالاشخاص كالمنافقين أو زوجاته ، و هنا نذكر بقوله تعالى : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " فالرسول هو القيادة التي يجب علينا الاقتداء بها اذا كنا في موقع القيادة ، أو البحث عمن يكون امتدادا لها ثم التسليم له .
|