فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


غزوة بني قريضة
روى الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن ابيه ، قال : لما انصرف النبي (ص) مع المسلمين عن الخندق ، و وضـع عنه اللامة ، و اغتسل ، و استحم ، تبدى له جبرائيل (ع) فقال : " عذيرك من محارب ، ألا أراك قد وضعت عندك اللامة ، و ما وضعناهابعد ! " فوثب رسول الله (ص) فزعا ، فعزم على الناس ان لا يصلوا صلاة العصر حتى يأتوا بني قريضة ، فلبس الناس السلاح ، فلم يأتوا بني قريضة حتى غربت الشمس ، و اختصم الناس ، فقال بعضهم : ان رسول الله (ص) عزم علينا ان لا نصلي حتى تأتي بني قريضة ، فانمانحن في عزمة رسول الله ، فليس علينا إثم ، و صلى طائفة من الناس احتسابا ، و تركت طائفة منهم الصلاة حتى غربت الشمس ، فصلوها حين جاءوا بني قريضة احتسابا ، فم يعنف رسول الله (ص) واحدا من الفريقين ، و بعث علي بن ابي طالب (ع) على المقدم ، و دفع اليه اللواء ،و أمره ان ينطلق حتى يقف بهم على حصن بني قريضة ، ففعل ، و خرج رسول الله (ص) على اثاره ، فمر على مجلس من الانصار في بني غنم ينتظرون رسول الله (ص) فزعموا انه قال : مر بكم الفارس آنفا ، فقالوا مــــر بنا دحية الكلبي على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج ، فقال رسول الله (ص) : " ليس ذلك بدحية و لكنه جبرائيل (ع) ارسل الى بني قريضة ليزلزلهم و يقذف في قلوبهم الرعب " قالوا و سار علي (ع) حتى اذا دنا من الحصن سمع منهم مقالة قبيحة لرسول الله (ص)فرجع حتى لقي رسول الله (ص) بالطريق ، فقال : يا رسول الله لا عليك ان لا تدنو من هؤلاء الأخابث ، قال : " اظنك سمعت لي منهم اذى " فقال : نعم يا رسول الله فقال : " لو قد رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا " فلما دنا رسول الله (ص) من حصونهم ،قال : " يا اخوة القردة و الخنازير ، هل أخزاكم الله و انزل بكم نقمته ؟! " فقالوا : يا ابا القاسم ما كنت جهولا ، و حاصرهم رسول الله (ص) خمسا و عشرين ليلة حتى أجهدهم الحصار ، و قذف الله في قلوبهم الرعب ، و كان حيي بن أخطب دخل مع بني قريضة في حصنهم حين رجعت قريش و غطفان ، فلما ايقنوا ان رسول الله (ص) غير منصرف عنهم حتى يناجزهم ، قال كعب بن اسد : يا معشر يهود ! قد نزل بكم من الأمر ما ترون و اني عارض عليكم خلالا ثلاثا ، فخذوا أيها شئتم ، قالوا : ما هن ؟ قال : نبايع هذا الرجل و نصدقه ، فو اللهلقد تبين لكم انه نبي مرسل ، و انه الذي تجدونه في كتابكم ، فتأمنوا على دمائكم و أموالكم و نسائكم ، فقالوا : لا نفارق حكم التوراة أبدا ، و لا نستبدل به غيره ، قال : فاذا أبيتم علي هذا فهلموا فلنقتل أبناءنا و نساءنا ، ثم نخرج الى محمد رجالا مصلتين بالسيوف ، و لم نترك وراءنا ثقلا يهمنا ، حتى يحكم الله بيننا و بين محمد فان نهلك نهلك ، و لم نترك وراءنا نسلا يهمنا ، و ان نظهر لنجدن النساء و الابناء ، فقالوا : نقتل هؤلاء المساكين ، فما خير في العيش بعدهم ؟! قال : فاذا أبيتم علي هذه فان الليلة ليلة السبت، و عســـى ان يكون محمد و اصحابه قد أمنوا فيها ، فانزلوا فعلنا نصيب منهم غرة ، فقالوا : نفسد سبتنا ، و نحدث فيها ما أحدث من كان قبلنا ، فأصابهم ما قد علمت من المسخ ، فقال : ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما ، قال الزهري : و قالرسول الله (ص) حين سألوه ان يحكم فيهم رجلا : " اختاروا من شئتم من أصحابي " فاختاروا سعد بن معاذ فرضي بذلك رسول الله (ص) فنزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فأمر رسول الله (ص) بسلاحهم فجعل في قبته ، و أمر بهم فكتفوا و اوثقوا ، و جعلوا في دار


اسامة ، و بعث رسول الله (ص) الى سعد بن معاذ ، فجيء به ، فحكم فيهم بأن يقتل مقاتليهم ، و تسبى ذراريهم و نساؤهم ، و تغنم أموالهم ، و ان عقارهم للمهاجرين دون الانصار ، وقال للانصار أنكم ذوو عقار و ليس للمهاجرين عقار ، فكبر رسول الله وقال لسعد : " لقد حكمت فيهم بحكم الله عز و جل " فقتل رسول الله (ص) مقاتليهم وكانوا فيما زعموا ستمائة مقاتل ، و قيل قتل منهم اربعمائة و خمسين رجلا ، وسبى سبعمائة و خمسين ، و روي : انهم قالوا لكعب بن أسد و هو يذهب بهم الى رسول الله (ص) : ارسالا يا كعب ما ترى يصنعبنا ؟! فقال : كعب افي كل موطن تقولون ؟! الا ترون ان الداعي لا ينزع ، ومن يذهب منكم لا يرجــــع ؟ هو و الله القتل ، و اتى بحيي بن اخطب - عدو اللــه - عليه حلة فاختية ، قد شقها عليه من كل ناحية كموضع الانملة ، لئلا يسلبها ، مجموعة يداه الى عنقه بحبل ،فلما بصر برسول الله (ص) فقال : أما و الله ما لمت نفس على عداوتك ، و لكنه من يخذل الله يخذل ، ثم قال : ايها الناس ! انه لا بأس بأمر الله ، كتاب الله ، و قدره ملحمة كتبت على بني اسرائيل ، ثم جلس فضرب عنقه ، ثم قسم رسول الله (ص) نساءهم و ابناءهم و اموالهم على المسلمين ، و بعث بسبايا منهم الى نجد مــع سعد بن زيد الانصاري فابتاع بهم خيلا وسلاحا ، فلما انقضى شأن بني قريضة ، انفجر جرح سعد بن معاذ ، فرجعه رسول الله (ص) الى خيمته التي ضربت عليه في المسجد ، و عن جابر بن عبد الله قال : جاء جبرائيل (ع) الى رسول الله (ص) فقال : " من هذا العبد الصالح الذي مات ؟! فتحت له أبواب السماء ، و تحرك له العرش " فخرج رسول الله (ص) فاذا سعد بن معاذ قد قبض . (1)

فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس