تعليق لقد قتل بسبب حكم سعد بن معاذ ما بين ( 450 و 600) مقاتل من بني
(1) مجمع البيان / ج 8 - ص 351
قريضة ، مع ان الاسلام حساس في موضع القتل ، فهو يعتبر من يقتل نفسا واحدة كأنما يقتل الناس جميعا " كتبنا على بني اسرائيل انه من قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا " (1) مما يجعل هذا الحكم في ظاهره حكما جائرا في حقهم ، أما حينما نعود الى الواقع فاننا نكتشف صواب هذا الحكم حتى بالقياس الى عادات المجتمع آنذاك . فالخيانة التي ارتكبها بنو قريضة بنقضهم العهد مع النبي (ص) في ساعة الشدة ، عندما اعانوا الكفار و المشركين عليه و على الامة تستحق ذلك في حكم الشرع ، و في منطق المجتمع الذي يرفض الخيانة بشتىصورها ، و في كل الظروف .
فمع ان الحروب و الغارات كانت سمة للعرب إلا أن الوفاء بالعهد ، و الإلتزام بالمعاهدات ، بل و الدفاع عن الحلفاء أمر مقدس عندهم ، و لان بني قريضة لم يدافعوا عن رسول الله ، بل وحاربوه مع سائر الأحزاب فانهم استحقوا ذلك ، و هذا أمر طبيعي تحكم به حتى التوراة .
ثم ان سعد بن معاذ الذي جرح بسهم في جبهته ، في معركة الاحزاب و استشهد بعد حادثة بني قريضة كان صورة للانسان الذي تاسى برسول الله (ص) فهو ممن استجاب لقوله تعالى : " لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة " الآية ، و هو ايضا من المعنيين بقوله تعالى : " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " الآية .
[28] و من هذه الآية ينتهي السياق الى الفكرة الثانية التي تدور حول علاقة النبي (ص) بأزواجه .
[ يا أيها النبي قل لأزواجك ان كنتن تردن الحياة الدنيا و زينتها ]فان هذا لا يتفق مع اهداف النبي في الدنيا ، ولا تطلعاته في الحياة و لعلنا(1) المائدة / 32
نستلهم من هذه الآية أن المؤمن المجاهد الذي يريد التأسي برسول الله في كل شؤونه ، و يسعى لتطبيق قوله سبحانه : " ولكن في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر " إن عليه هو الآخر ان يتحرر من ضغط زوجته ولا يخضع لها اذا تحولت الى عقبة في طريق الجهاد وحتى لو بلغ الأمر به الى تهديدها بالطلاق يفعل ذلك ابتغاء مرضاة ربه .
[ فتعالين أمتعكن ]
من المستحب للمؤمن حينما يفارق زوجته أو صديقه ان تكون خاتمة المطاف طيبة حسنة ، فيعطي للطرف الآخر هدية أو ما أشبه ، و قد يستفاد من المتاع هنا نصف المهر اذا لم يدخل بالزوجة ، و كله اذا دخل بها .
[ و أسرحكن سراحا جميلا ]
اي طلاقا حسنا ، بتفاهم من دون شجار ، لأن هناك من الازواج من يفترقون بعد العراك و الشتم .
[29] اما الخيار الآخر فهو بقاء العلاقة مع النبي بشرط ان تكون أهداف هذه العلاقة هي :
1 - مرضاة الله و إن كانت مخالفة لما تميل له النفس .
[ و إن كنتن تردن الله ]
2 - التسليم للرسول .
[ و رسوله ]
و الذي يريد الرسول هو الذي يسلم لقيادته ، و ينتمي لتجمعه ، و يحبه بقلبه انتماءا سياسيا و اجتماعيا و قلبيا ، ولا يتحقق هذا الانتماء الشامل من دون التسليم الى من يمثل الرسول في المجتمع بقيادته و سلوكه .
3 - حب الآخرة .
[ و الدار الاخرة ]
من طبيعة الانسان انه يعيش ضغثا من الدنيا و ضغثا من الآخرة ، و على هذا الأساس يجب ان تكون الاولوية في حياة الانسان للدار الآخرة " و ابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة و لا تنس نصيبك من الدنيا " (1)و عموما فان من يريد الله والرسول و اليوم الآخر هو الذي يعمل من اجل ذلك ، و هذه الحقيقة تؤكدها الآية الكريمة : " و من أراد الآخرة و سعى لها سعيها و هو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا " (2) وفي هذه الآية يؤكده قوله تعالى :
[ فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما ]
اذن فالانتساب للرسول بمجرد لقلقة اللسان و قبله الايمان بالله و اليوم الآخر وحده من دون السعي و العمل بما يتفق مع ذلك لا يكفي ، انما العمل هو الذي يقرب الانسان أو يبعده من ربه ، و الله يقول : " ان أولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه " (3) وأولى الناس بالرسول ، الذي يتأسون به ، و ليس قرابته بالنسب أو السبب ، وما نجده في الروايات من تعظيم لمنزلة فاطمة (ع) ليس لقرابتها من الرسول انما(1) القصص / 77
(2) الاسراء / 19
(3) آل عمران / 68
لاقتدائها به ، و كونها نسخة اخرى من حياته (ص) و لذلك اصبحت سيدة نساء العالمين .
[30] ثم يتوجه النداء من الله مباشرة لنساء النبي :
[ يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة ]
واضحة ، مورست بإرادة تامة ، و من دون أسباب قاهرة ، و لم تعقبها توبة .
[ يضاعف لها العذاب ضعفين ]
و ذلك لانها سوف تصبح قدوة سيئة للأخريات ، و لانها ترتبط بالرسول فقد يمس انحرافها بسمعته في المجتمع ، كما يفترض في من يعيش بين يدي الرسول ان يكون مطيعا لا عاصيا أو منحرفا ، فقد يرتكب الانسان المعصية وهو يعيش في محيط من الإنحراف ، و لكن ما هو عذر العاصي في محيط كله يدعو للصلاح و الطاعة ؟
ثم يؤكد القرآن ان لا نتصور بان انتسابنا للأولياء بأي شكل - غير العمل الصالح و التأسـي بهم - يمكنه ان يخلصنا من النار ، فاذا عملنا المعصية ثقل على الله أوعز عليه - تعالى عما يشركون - ان يعذبنا . كلا .. فالجميع عنده سواء ، لا يميز بينهم سوى العمل الصالح .
[ و كان ذلك على الله يسيرا ]
[31] ثم من الجانب الآخر يضاعف الله العمل الصالح لنساء النبي .
[ و من يقنت منكن ]
تسلم و تخضع .
[ لله و رسوله ]
ولا تخرج عن طاعتهما .
[ و تعمل صالحا ]
ترجمة خارجية لذلك التسليم ، اذ لا يكفي خضوع القلب ، بل لابد من تسليم جوارح الانسان جميعها ، و التي تعمل من نساء النبي ذلك .
[ نؤتها أجرها مرتين ]
و لهذه الآية تفسيران :
الاول : ان المقصود من المرتين هو مضاعفة الجزاء ، و هو أمر طبيعي ، لان السلوك الحسن لزوجات الرسول يصيرهن قدوات حسنة للآخرين و في الحديث عن أبي جعفر (ع) قال :
" ايما عبد من عباد الله سن سنة هدى كان له أجر مثل أجر من عمل بذلك من غير ان ينقص من اجورهم شيء ، و ايما عبد من عباد الله سن سنة ضلالة كان عليه مثل وزر من فعل ذلك من غير ان ينقص من اوزارهم شيء " (1)الثاني : اضافة الى ذلك يقصد بالمرتين الدنيا و الآخرة ، فأما في الدنيا فالجزاء برفع الله شأنهم بين الناس ، و أما في الآخرة فما تؤكده عجز الآية :
[ و أعتدنا لها رزقا كريما ]
[32] [ يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن ](1) بح / ج 71 - ص 258
لان الله سيضاعف لكن الجزاء حسنا كان أو سيئا ، و السياق يشير الى ان هذه المفارقة ليست نتيجة للتفوق العنصري الذاتي ، انما لارتباطهن المباشر برسول الله (ص) و لهذا حرص الاسلام على نقاء سمعتهن و طهارة سلوكهن الاجتماعي ، و من هذا المنطلــــق حدد الله اسلوب الكلام الذي ينبغي ان تتعاطاه نساء النبي مع ابناء المجتمع اذ قــال :
[ فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض ]
يجب ان يكـون حديث المرأة المسلمة مع الجنس الآخر و بالذات نساء الرسول جادا ، و خاليا من الدلال و التملق ، حتى لا يجر هذا الاسلوب الى علاقات غير مشروعة مع الآخرين ، حفاظا على عفتها ، و سلامة للأسرة و المجتمع المسلم - هذا من الناحية الاجتماعية - و للموضوع وجهة سياسية اذا تحدد في زوجة القيادة الرسالية أو غيرها مما يشكل خطرا على أمن الأمة و مسيرتها ، لان الآخرين من المنافقين - و عموم الاعداء - اصحاب الاطماع السياسية ، يبحثون عن ثغرة ينفذون منها للقيادة ليحتووها ، أو يؤثروا على قراراتها ، وقد تكونهذه الثغرة هي زوج القيادة لو ضعفت و خضعت امام الآخرين .
أما عن محتوى التعامل من قبل نساء النبي فيجب ان يكون متناسبا مع موقعهن ، و مرضيا ( معروفا ) عند الرسول ، و ليس مخالفا له .
[ و قلن قولا معروفا ]
و هكذا يجب ان يكون كلام زوجة الرسول (ص) ومن ينتسب الى القيادة متوافقا مع مواقفها و اسلوبها ، اذ يجب ان يعرفوا بانهم لا يمثلون أنفسهم انما يمثلون القيادة بانتمائهم اليها ، و لانها يجب ان تكون جدية فلابد ان يكون كلام المنتمينجديا أيضا .
ولا تعني الجدية من قريب أو بعيد ان يشتم هؤلاء الآخرين . كلا .. و هذا درس يهم القيادة ، و كل من يدور حول القيادة ، ذلك أن من مشاكل القيادة انها تكون جيدة في غالب الأحيان ( القائد - الامام - الفقيه - المرجع - الرئيس ) لكن الحاشية ( البطانة ) تكـون خلافا لذلك ، فاما الحواشي فعليهم ان يتقوا الله لأن خطأهم يكون بعشرة كما صوابهم ، و اما القيادات فيجب ان تكون حذرة من التاثر السلبي بالبطانة ، و لهذا الشطر من الآية الكريمة تفسير اجتماعي يهم المرأة وهو : انه يجب على المرأة بان تقتصر في حديثها مع الرجالعند الضرورات ، بما هو متعارف اجتماعيا و عقليا بكفايته ، و هذا ما تؤكد عليه رواياتنا ، و ما يستفيده معظم الفقهاء منها .
|