و داعيا إلى الله بإذنه و سراجا منيرا
هدى من الآيات ينقسم السياق في هذا الدرس الى شطرين ، يدعونا شطره الأول الى ذكر الله و تسبيحه و بالتالي الى المزيد من المعرفة بربنا عز و جل ، و يبين لنا شطره الثاني عبر كلمات بسيطة في ظاهرها ، و عظيمة و مركزة في معناها جانبا من صفات الرسول القائد ، لو تدبرنا فيهالانفتحت لنا أبواب المعرفة بشخصيته العظيمة ، و ما أحوجنا نحن المسلمين الى هذه المعرفة .
و العلاقة بين الموضوعين تبينها الآية الكريمة " لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر ، و ذكر الله كثيرا " فمعرفة الرسول ، و الاقتداء به لا يمكن إلا للانسان المؤمن و العارف بالله ، لان الرسول جاء من عند الله ،و كلما ازداد الانسان معرفة بربه ازداد معرفة بنبيه ، و في الدعاء " اللهم عرفني نفسك فانك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك ، اللهم عرفني نبيك فانك ان لمتعرفني نبيك لم أعرف حجتك ، اللهم عرفني حجتك فانك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني " .
اذن معرفة الله مفتاح لكل المعارف الأخرى ، و لعله لذلك جاء في الحديث " أول الدين معرفته " (1)و لان هذا الدرس يعرفنا بصفات الرسول الأكرم (ص) كان لابد أن يذكرنا بالله أولا ، لذلك وجدنا أول السياق دعوة الى ذكر الله و تسبيحه ، بينما يخوض نهايته حديثا عن صفات النبي ، و قد نعته القرآن بأنه شاهد ، فما هو الشاهد ؟
كما يتحرك لسان الميزان ليحدد الوزن فان الشاهد هو ميزان المجتمع ، و الرسول بـــرسالته و بحياته مقياس يتعرف به الانسان على ما اذا كان هو على الحق أو على الباطــل .
و لكن الرسول ليس شاهدا بسلوكه و حسب ، انما يبشر من يعمل الخير بالجزاء الحسن ، كما يحذر الذي يعمل السيئات من عاقبة السوء ، كما انه يدعو الناس الى ربهم وما يقربهم إليه ، و أكثر من ذلك يوضح لهم الطريق ، و يبرمج لهم الحياة ، فهو شاهد ، و مبشر ، و نذير، و داع الى الله ، و سراج منير .
و الذي يجمع هذه الصفات كلها هي استقامة الرسول ، و الاستقامة هي عدم الخضوع لأي ضغط أو شهوة ، الأمر الذي يصعب على الانسان بما فيه من جهل و غرائز و شهوات إحرازه لولا تنزيه الله و عصمته ، و لهذا نقرأ في نهاية الدرس خطاب الله لرسوله : " و لا تطع الكافرين و المنافقين " .
(1) نهج البلاغة / خ 1 - ص 39
|