فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
[40] من طبيعة الرسالة الالهية انها لا تفرق بين انسان و آخر إلا بمقياس التقوى ، و رسول الله يجسد هذه الرسالة ، فهو لا يجعل بينه و بين الآخرين علاقة أرفع من الرسالة ، و مع ان للرسول أولادا هم ( قاسم - طيب - طاهر - إبراهيم ) إلا ان الله ينفي ابوته لاي رجل منهم ، لماذا ؟ هل لانهم ( كما ذكر البعض ) ماتوا قبل أن يبلغوا مبلغ الرجال ، و لم يكن الحسن والحسين ( عليهما السلام ) حين نزول الآية ببالغين أيضا ، فلم ينف الذكر سوى ابوته لزيد الذي دعي لوقت أنه ابن محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أم لما هو أشمل من هذا و هو نفي العلاقة المادية بين الرسول و بين أمته كالتي زعمها اليهود في علاقتهم بموسى ، و حسبوا أنها وحدها كافية لشرفهم و كرامتهم عند ربهم ، بل و نجاتهم من جزاء أعمالهم المنكرة ، فجاءت الآية تحصينا للأمة الاسلامية من تسرب هذه الفكرة الشيطانية إلى صفوفهم .

و يبدو ان الاجابة الأولى ظاهر الآية و تفسيرها ، و الثانية باطنها و تأويلها ، و كلاهما صحيح ، بلى . ان الرسول سمى نفسه أبا لهذه الأمة حين قال : " أنا و علي أبوا هذه الأمة " (1) و لكن الواضح ان مراده ليس الأبوة المادية بل المعنوية التي تفوق تلك بدرجات ، و لذلك كان الشطر الثاني من الآية هذه يكرس العلاقة المعنوية بين الرسول و أمته .

و هذا يعني أن الصفة الأساسية للرسول ليست أبوته انما رسالته ، فلا يمكن لأحد أن يدعي نبوته للرسول و بالتالي تميزه عن الناس بها ، انما يتميز الانسان بخضوعه للنبي و اتباعه لرسالته .

وإذ ننسب فاطمة و ابناءها ( عليهم السلام ) بأنهم أبناء الرسول و أهل بيته فليس(1) بحار الانوار / ج 69 - ص 243


ذلك فقط لقرابتهم الاجتماعية منه ، انما لتجسيدهم قيمه و رسالته في الحياة مما جعلهم أبناءه قلبا و قالبا . روحيا و جسديا .

[ ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ]

و هذا نفي للعلاقة المادية المجردة ، بينما الشطر الثاني من الآية اثبات للرسالة و العلاقات المنبثقة منها .

[ و لكن رسول الله و خاتم النبيين ]

و في تفسير الرسول لهذه الآية : قال جابر بن عبد الله الانصاري ، قال النبي (ص) : " انما مثلي في الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأكملها و حسنها إلا موضع لبنة ، فكان من دخلها فنظر اليها قال : ما أحسنها إلا موضع هذه اللبنة !! قال (ص) : فأنا موضع اللبنة ، ختم بي الأنبياء " . (1) و هذا يعني ان الكيان الرسالي غير مكتمل من دون الرسول .

و في نهاية الآيــة الكريمة يؤكد الله على احاطته علما بالأشياء ، فما هو معنى ذلك ، و ما علاقته بما قبله ؟

حينما نراجع آيات القرآن حول الطبيعة نجدها تحدثنا عن النمو و التكامل ، فالسماوات و الأرض و عموم الطبيعة انما وصلت لهذه الصورة من الكمال عبر مراحل ، قال تعالى : " الله الذي خلق السموات و الأرض وما بينهما في ستة أيام " (2) و هذه الآية تكشفلنا طبيعة النمو البشري ، و ان البشرية منذ خلق الله آدم عليه السلام ، إلى أن بعث النبي الأكرم (ص) كانت في مسار تكاملي ، و ان(1) نور الثقلين / ج 4 - ص 285

(2) السجدة / 4


الرسالات كانت تنسخ بعضها بعضا ، و تهيمن على التي قبلها لأسباب من أهمها التكامل ، حتى جاءت الرسالة المحمدية خاتمة لكل الرسالات ، لأنها في آخر المراحل - و هذا من معاني الإحاطة - فلم يكن بدعا ، ولا خلافا للحكمة أن يبعث الله رسوله الأكمل في آخر مرحلة .


[ و كان الله بكل شيء عليما ]

و لعل خاتمة الآية تشير أيضا الى ان الله ضمن رسالته الخاتمة كل ما احتاجته و تحتاجه حيـــاة البشرية حتى قيام الساعة ، و ذلك لإحاطته علما بكل ما قد يقع ، و كيف يقع ، و ماهي حاجة الناس عندما تتطور حياتهم . أوليست البشرية تتطور في اطار سنن الله التي لاتتبدل ولا تتغير ، أوليس الله عليما بتلك السنن التي أجراها ؟! بلى . و لذلك جعل رسالته الخاتمة مهيمنة على تلك السنن .

[41] و حتى يعرفنا الله بهذا الرسول العظيم يعرفنا بنفسه أولا ، و ذلك حين يدعونا لذكره .

يا أيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ]

لان أجل الانسان مستور عنه ، و لا يعلم أي خاطرة أو كلمة أو حركة تكون هي خاتمة حياته ، فلعل خاطرة الانحراف ، أو كلمة الخبث ، أو حركة السوء تكون نهاية المطاف ، فتهوى به سبعين خريفا في النار - كما يقول الرسول (ص) - و هكذا يجب عليه ان يستقيم على الحق بقلبه و لسانه و جوارحه وذلك بذكر الله ، الذي يعني اتصال قلب الانسان بربه عز وجل ، قال الامام الصادق (ع) : " ما أبتلي المؤمن بشيء أشد عليه من ثلاث خصال يحرمها ، قيل وما هي ؟ قال : المواساة في ذات يده ، و الانصاف من نفسه ، و ذكر الله كثيرا ، أما أنيلا أقول : سبحان الله


و الحمد لله ولا إله إلا الله و الله اكبر ، و لكن ذكر الله عندما أحل له ، و ذكر الله عندما حرم عليه " (1)وما يدري البشر ان فكرة شيطانية واحدة تسبب دماره . أوليس إبليس بدأ الكفر بفكرة جالت في خاطره حينما قال : لو انصفني الله لكنت أنا شيخ الملائكة و سيدهم ، فأخرج الله كبره عندما امتحنه بالسجود لآدم (ع) ؟!

وفي خطبة للإمام علي (ع) في المبادرة الى صالح الأعمال أكد على هذه الفكرة إذ قال : " فاتقوا الله عباد الله ، و بادروا آجالكم بأعمالكم ، و ابتاعوا ما يبقى لكم بما يزول عنكم ، و ترحلوا فقد جد بكم ، و استعدوا للموت فقد أظلكم ، و كونوا قوما صيح بهمفانتبهوا ، و علموا ان الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا ، فان الله سبحانه لم يخلقكم عبثا ، ولم يترككم سدى ، و ما بين أحدكم و بين الجنة أو النار إلا الموت أن ينزل به " (2)[42] ثم تؤكد الآيات على ضرورة استمرار الصلة بين العبد و ربه .

[ و سبحوه بكرة و أصيلا ]

ففي كل يوم ينبغي للانسان ان يفتتح حركته و انطلاقته بذكر ربه ، و يختتمها بذلك ايضا ، و لعل في الآية تأكيد على صلاة الصبح و فرضي المغرب و العشاء ، و ان أبرز أهدافها ربط الانسان في أول اليوم و آخره بخالقه عبر التسبيح .

واذا كان ظاهر التسبيح هو قول : " سبحان الله " فان باطنه و محتواه هو ما تهدف إليه هذه الكلمات من رفع الانسان عن حضيض الشرك إلى سماء التوحيد(1) نور الثقلين / ج 4 - ص 287

(2) نهج البلاغة / خ 64 - ص 95


و القيم ، فليس صادقا في تسبيحه من يلفظ هذه الكلمات و لكنه يقدم شهواته على القيم ، أو يطيع الآخرين بمعصية الله ، أو يحاول الخلط بين الحق و الباطل ، ضغثا من هذا و ضغثا من ذاك .

[43] و لا شك ان ذكر الله و تسبيحه سوف يستتبع جزاء من عند الله " فاذكروني أذكركم و اشكروا لي و لا تكفرون " (1) و هذا الجزاء يتمثل في أعظم صورة في الهداية الإليهة للانسان من الظلمات الى النور ، مما يؤكد بأن الهدف من الذكر هو الهداية ، و أنها - أي الهداية - تحصل من مجموع أمرين هما : سعي الانسان ( ذكره و تسبيحه ) و صلة الله له بالتوفيق و الرحمة .

[ هو الذي يصلي عليكم و ملئكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور و كان بالمؤمنين رحيما ]و الظلمات هي الجهل و العجز و سائر الصفات السلبية ، بينما النور ما يخالفها ، و هذا من رحمة الله بالمؤمنين .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس