فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


ماهي صلاة الرب ؟
ماهي الصلاة ؟

قال علماء اللغة : ان لها معنيين : أحدهما النار وما أشبهها من الحمى ، و الآخر جنس من العبادة . (2)و لكن يبدو ان هناك علاقة بين الصلاة و الصلة في الاشتقاق الكبير ، فيكون الاصطلاء بالنار هو الاقتراب منها أو الاتصال بها ، و منها قولهم : حليت العود(1) البقرة / 152

(2) ابن فارس : معجم مقاييس اللغة / ج 3 - ص 300


بالنار ، و هكذا يشترك المعنيان ، لان معنى الصلاة يكون التعطف و هو نوع من الصلة بين العبد و ربه .

و جاء في تفسير البصائر :

الخامس : قيل : أريد بالصلاة هنا العناية بحال المؤمنين ، و ذلك لأن الصلاة في الأصل : التعطف ، لأن المصلي يتعطف في ركوعه و سجوده ، فاستعير لمن يتعطف على غيره حنوا و ترؤفا .

و لذلك قيل : إن الصلاة من الله تعالى الرحمة ، و من الملائكة الاستغفار ، و من الناس الدعاء .

ثم أضاف قائلا : و على الخامس ( و هو ما ذكرنا آنفا ) جمهور المفسرين وهو المروي . (1)و جاء في الحديث المأثور عن الامام الصادق (ع) انه قال : " الصلاة من الله عز وجل رحمة ، ومن الملائكة تزكية ، و من الناس دعاء " (2)و هكذا نستوحي من كل ذلك ان لكلمة " الصلاة " معنى واحدا هو الترؤف ، و التعطف ، و المزيد من العناية ، و التوجه .

و هذا المعنى مشترك بين العبد و ربه ، فالله سبحانه يتعطف على المؤمنين بالمزيد من الرحمة ، و على العباد أن يتعطفوا على رسولهم بطلب التعطف من الله له ( و هو الدعاء ) أما الملائكة فهم من جهة يستغفرون ربهم للمؤمنين ، و من جهة ثانية يقومون(1) تفسير البصائر / ج 32 - ص 228

(2) نور الثقلين / ج 4 - ص 303


بدور مباشر في نشر رحمة الله لهم .

و هكذا نجد ان خاتمة الآية تدل على معنى الصلاة من الله على المؤمنين .

[ ليخرجكم من الظلمات الى النور ]

من شح الذات ، و الجهل ، و العجز ، و السلبية ، و الحقد ، و البغضاء الى رحاب الحق ، و المعرفة ، و الارادة ، و الأمل ، و المحبة ، و السلام .

[ و كان بالمؤمنين رحيما ]

[44] هذا عن رحمة الله بالمؤمنين في الدنيا ، أما في الآخرة فان أبرز تجليات رحمة الله بهم تكون في أمرين :

الأول : السلامة ، تحية من الله لهم ، " و الملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " (1) . و قال تعالى : " إن المتقين في جنات و عيون ادخلوها بســـلام آمنين " (2) و هذه التحية بالاضافة الى معناها الظاهر وهو قول : ( السلام عليكم ) فانها تعني السلامة الجسدية من النقص العضوي و الصحي ، و السلامة الروحية من الرذيلة و الصفات السلبية ، و السلامة الاجتماعية ، و الاقتصادية و هكذا ، و بالتالي الكمال في سائر جوانب الحياة ، ذلك ان التحية هي طلب الحياة ، و يتبادل المؤمنون التحية بالسلام ، اشارة الى طهارة القلوب و صفائها .

[ تحيتهم يوم يلقونه سلام ]

الثاني : الجزاء الكريم .


(1) الرعد / 23 - 24

(2) الحجر / 45 -46


و أعد لهم أجرا كريما ]

لماذا يقول الله : " و اعد لهم " ؟

لعل حكمة ذلك تكمن في أن الإعداد يدل على التدرج ، مرحلة بعد مرحلة ، و شيئا بعد شيء ، مما يوحي على أن هذا الأجر نتيجة لأعمال المؤمنين الصالحة التي هي الأخرى صارت بالتدريج ، فكلما عمل الانسان خيرا اضاف الى رصيده وزنا بقدره و نوعيته ، و يصف الرب الأجربأنه كريم و الكريم يعني أمرين :

الأول / ان الأجر جزيل جدا ، لأن المعطي كريم ، و من صفات الكريم انه يعطي الأجر أكثر مما هو مستحق ، فكيف اذا كان المعطي هو الله و هو أكرم الأكرمين ؟

الثاني / ان هذا الأجر يكون خالصا من الإذلال الذي يمس بكرامة الانسان .

[45] ثم يؤكد القرآن للرسول دوره في الحياة ، و ما دام القرآن وفي هذه السورة بالذات أكد كون الرسول أسوة حسنة للمؤمنين فإننا نستوحي من هذه الآية دور المؤمنين أيضا .

[ يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ]

و الشاهد : هو الدليل عليه ، فشاهد القول : الدليل عليه ، و شاهد القضاء : هو الدليل على الحادثة ، و حينما يسمي القرآن الرسول شاهدا فذلك يعني أنه (ص) دليل و ميزان بسلوكه الحسن ، يهدي الانسان الى معرفة نفسه و موقعه من الحق .

[ و مبشرا و نذيرا ]


مبشرا للمؤمنين بالجنة ، و منذرا للعاصين بالنار .

[46] و لكن الرسول لا يكتفي بذلك و حسب ، انما يسعى و بشتى الوسائل الشرعية الممكنة لدعوتهم للحق .

[ و داعيا الى الله بإذنه ]

ولا يمكن لأحد ان يسمي نفسه داعيا إلى الله إلا إذا أكمل نفسه ، و صيرها من حزب الله ، ثم اذن الله له في ذلك إذنا مباشرا عبر الوحي كالأنبياء و الأوصياء ، أو غير مباشر من خلال القيم الإلهية ، فربما يتصور الانسان انه يدعو الناس الى الله ، و لكنه في الواقع يدعوهم الى الشيطان .

و عن رسول الله (ص) لما سئل عن سبب بعض تسمياته قال : " أما الداعي فاني ادعو الناس الى دين ربي عز و جل ، و أما النذير فاني أنذر بالناس من عصاني ، و أما البشير فاني أبشر بالجنة من أطاعني " (1)و الرسول كما الشمس في المنظومة ، يمثل مركز الإشعاع المعنوي عبر الأجيال . أوليس ينبعث منه نور الوحي إلى الحياة ؟!

[ و سراجا منيرا ]

كما ينبعث الى كل أفق ، كذلك تشمل معارف القرآن ، و أحكام الشرع ، و تعاليم الرسول كل نواحي الحياة ، و من هنا نستوحي من كلمتي " سراجا منيرا " المناهج المفصلة في رسالة النبي و سيرته .

فالرسول ليس يدعو إلى الله ، و يبشر و ينذر فحسب ، انما يضع أمامنا المناهج(1) علل الشرائع / ج 1 - ص 127


التفصيلية التي تقربنا الى الله ، و تنتهي بنا الى الجنة ، و تبعدنا عن النار .

و السؤال : لماذا لم يكتف السياق بكلمة سراج ، بل قال : " سراجا منيرا " ؟ انما قال ذلك ليؤكد صفة الإشعاع المستمر في شخصية الرسول ، فقد يكون السراج متقدا ، و قد ينطفئ ، بينما النبي يبقى منيرا يضيء أبدا حتى بعد وفاته ، لأن إشعاعه إنما هو برسالته و سيرته و هما باقيتان عبر الدهور .

[47] و تجاه هذه الرسالة التي يحملها الرسول و من يتبعه الى الناس هناك موقفان :

الأول : الايمان و التسليم و الذي ينتهي بأصحابه الى الفلاح في الدنيا و الآخرة ، و لابد للرسالي أن يبشر من حوله بهذه النتيجة .

[ و بشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ]

[48] الثاني : العصيان بالكفر و النفاق ، و تجاه هؤلاء يجب على الرسول الإستقامة أمام ضغوطهم ، بل يجب عليه أن لا يغضب عليهم ، أو يحمل في نفسه الحقد ضدهم ، ذلك أنه ينبغي للرسالي أن يكون قلبه قطعة من الرحمة و النور حتى مع أعدائه .

وهذا نبي الرحمة (ص) و قد طرده الكفار و المشركون من بكة ، و بعدها من الطائف يقف وقد أدمت الأحجار قدميه ، فيجول ببصره الى السماء ثم يقول : " اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون " ثم لما عاد الى مكة منتصرا لم يفكر في الإنتقام ، بل قال كلمته المشهورة : " اذهبوا فأنتم الطلقاء " و هذه هي الاستقامة الحقيقية ، أن يستقيم الانسان حتى في عاطفته .


[ و لا تطع الكافرين و المنافقين ودع أذاهم ]

اما من أين يستمد الرسالي روح الاستقامة ؟ فذلك من توكله على الله ، أما لو اعتمد على نفسه أو على الآخرين فانه لن يستطيع ذلك .

ومن الملاحظ : ان القرآن يأمر بالتوكل عندما يأمر بالسلم مع الأعداء ، أو الصبر عليهم ، أو ترك أذاهم ، أو ما أشبه ، كقوله تعالى : " و إن جنحوا للسلم فاجنح لها و توكل على الله " .

و لعل السبب هو ان المبادرة بالاعتداء على الآخرين تأتي - عادة - من الخوف منهم ، و من يتوكل على الله لا يخاف ، و لذلك لا يعتدي على أحد ، بل لا ينتقم منهم حتى لا يشكلوا خطرا حقيقيا عليه .

[ و توكل على الله و كفى بالله وكيلا ]

و عندما يدعو القرآن الرسول الى التوكل على الله لا يكتفي بالقول : " و توكل على الله " إنما يتبع ذلك بقوله : " و كفى بالله وكيلا " و ذلك حتى لا نعتقد بامكانية الخلط في التوكل بين الله و الآخرين ، ففي الوقت الذي نرفع فيه شعار الإسلام نعتمد على الغرب أو الشرق ، كلا .. ففي الله الكفاية .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس