إنا عرضنا الأمانة على السموات و الأرض
هدى من الآيات في نهاية هذه السورة و بعد بيان ضرورة الطاعة للقيادة الرسالية ، و أنها فرض الهي ، يبين لنا القرآن الآثار السلبية لرفضها ، فقد توعد الله المنافقين بالنفي ، و اعلان الحرب ضدهم ، كما حذر الكفار بأن كفرهم سيؤدي بهم الى الخلود في السعير ، أما متى يحين ميعاد هذا الجزاء ؟ فقد تجاوز السياق الاجابة عن ذلك ، مكتفيا بالتأكيد على حتمية وقوعه ، و ان تبرير الكفر بطاعة الكبراء لن يغني عن العذاب شيئا .
ثم يوضح ربنا وجاهة النبي (ص) عنده ، ناهيا المؤمنين عن التشبه ببني اسرائيل الذيــــن آذوا مــوسى (ع) حيث اتهموه بقتل هارون ، و بالبرص ، كما ادعى عليه قارون - بالتعاون مع فاجرة من بني اسرائيل - انه زنى بها ، لكن الله برأه من كل ذلك ، وفي هذا اشارة الى ان أراجيف المنافقين سوف تذهب سدى بقدرة الله ، و في الأثناء يدعو الله المؤمنين للتقوى ، ذلك انها أساس المنطق السليم ، فهي تبعدالانسان عن الكذب و التهمة ، و تدعوه للتثبت في منطقه ، كما تصلح سعيه في الحياة ، و تمحو اخطاءه ، ولان التقوى لا تتم الا بطاعة الله و القيادة الرسالية ، و جدنا الآية تصفها بالفوز العظيم .
و تختم السورة آياتها بالحديث عن امانة عرضها الرب على السموات و الأرض و الجبال ، فرفضتها خوفا من عدم تحملها ، و بالتالي من العذاب و الغضب الالهي المترتب على ذلك ، بينما تحملها الانسان ، فخانها المنافقون و الكفار بظلمهم و جهلهم ، فما هي هذه الامانة؟
من ناحية السياق ، جاءت الكلمة بعد الحديث عن الطاعة ، مما يوحي بأنها تعني الطاعة لله و للرسول ، و بالذات لرسول الله ، لما في طاعته من خروج من سجن الذات ، الأمر الذي يستصعبه البشر ، فقد يكون سهلا عليه الإستجابة للقيادة في الأمور العادية كالصلاة ، والزكاة ، و الحج ، و لكن من الصعب عليه الخضوع لإنسان مثله في الظاهر لو نصبه الرسول قائدا له .
و هناك اقوال أخرى حول الأمانة تبناها بعض المفسرين ، فقال بعضهم انها الامانة المتعارفة ، كما لو اعطاك شخص ما ماله لتحفظه له فان ذلك مما يصعب على الانسان رعايته و اداؤه ، و قال أخرون : انها العقل و العلم و الارادة و الحرية ، و مثلوا على ذلك بان اللهوهب العقل للانسان من دون المخلوقات الاخرى كالحيوانات ، و وهبه الارادة و الاختيــار دون الملائكة الذين جردهم عن الشهوة الدافعة لهم باتجاه الشر و الفساد ، وقد وصفهم عز و جل بقوله : " بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون " (1) وكل هذا صحيح ولكن التجربة الحقيقية للإنسان بعقله و علمه و اختياره انما تكون في طاعة الرسول بتمام المعنى ، التي تعتبر أصعب(1) الانبياء / 26 - 27
تجليات الاختيار في حياة البشر ، فلا معارضة اذن بين القول بأن الأمانة هي العقل ، و بين القول بأنها الطاعة للرسول بدلالة السياق القرآني .
|