ومهما يكن من امر فان كثيرا من الناس حين يقدمون ادلتهم
وحججهم او دفوعهم فانهم يتكلمون عن العدل والحق كانهم
اصحابه فعلا، بينما هم يتكلمون من زاويه مصالحهم الخاصه
-بغض النظر عن مدى مشروعيتها- فيعمد بعضهم الى شراء
الذمم احيانا فى جلب شهود الزور او تقديم الهدايا لهذا او ذاك،
وما الى ذلك من الوسائل غير المشروعه التى سنرى مدى
العمق والدقه فى معالجتها من لدن الامام على(ع) من خلال
تحليله للبينه وموازنتها مع ما تحصل لديه من ادله اخرى.
ولعل من المفيد هنا التذكير بما يروى عن الامام على‏بن ابى
طالب(ع) من ان نبيا من الانبياء شكا الى ربه القضاء قائلا: كيف
اقضى بما لم تر عينى ولم تسمع اذنى، فكان جواب البارى له
ان اقضى عليهم بالبينات واضفهم الى اسمى يحلفون به.
واخيرا، فان ما بقى من آثار الامام على(ع)، من احكام وسوابق
قضائيه، يجعلنا نميل الى استعراض ادله الاثبات التى اعتمدها
فى قضائه الرحب فى عده مباحث، وعلى النحو التالى:
المبحث الاول الاقرار:
الاقرار لغه الاثبات، وهو يعنى الاعتراف، وفى المفهوم الفقهى
يعرف بانه (اخبار عن ثبوت الحق)((172)) حيث يعترف
المدعى عليه او المشكو منه بما نسب اليه من ادعاء او ضده من
اتهام، كان يدعى المدعى بان له عليه مبلغا من المال، وليكن
عشره آلاف دينار، فيقر المدعى عليه معترفا به، او يدعى بانه
قد سرق منه المال المذكور فيعترف المشكو منه بالسرقه.
ويستمد الاقرار حجيته الشرعيه اساسا، من القرآن الكريم،
حيث يقول جلت عزته: (يا ايها الذين آمنوا كونوا قوامين
بالقسط شهداء للّه ولو على انفسكم)((173)). فالشهاده على
النفس، فى مذهب المفسرين، تعنى الاقرار، وهو دليل اثبات
للحق المدعى به، وقد امر به سبحانه وتعالى احقاقا للحق
ومجانبه للباطل والمماطله واطاله الخصومه، حيث اكده تعالى
فى سوره اخرى بقوله: (وليملل الذى عليه الحق وليتق اللّه
ربه)((174))، فالاملال يعنى الاملاء وهو لا يتحقق الا بالاقرار
((175)).
ومنهج الامام على، او موقفه من الاقرار الذى اعتبره دليل
اثبات، لا شائبه فيه عند وجود ما يقنع بصحته، فقد قضى باقامه
الحد على قوم شربوا الخمر فى الشام، بعد ان تيقن من سلامه
اعترافهم واقرارهم الصادق بشرب الخمر((176)).ومن خلال
استقراء سوابق الامام القضائيه وحيثيات احكامه فيها فان الذى
يستلخص منها عده قواعد ومبادى‏ء منها ما يتعلق بحجيته
ومنها ما يخص شروط صحته:
فالاقرار ينبع من اراده المقر المنفرده فى ترتيب اثر قاصر
عليه، لهذا يجب ان تتحقق فى المقر الشروط اللازم تحققها فى
التصرفات الشرعيه من اهليه ورضا، اضافه الى ان يكون المقر
به معلوما وان يكون الاقرار بمناى عن ايه شبهه -وخصوصا فى
المسائل الجزائيه كما تدلنا سوابقه العادله- فاقرار فاقد الاهليه
او ناقصها لا يمكن الركون اليه، حيث لا يصح اقرار الصبى
والمجنون والمعتوه ومن فى حكمه((177))، كما لا يقبل اقرار
من لحق ارادته عيب من العيوب كالاكراه او حاله
الضروره((178)).
ومن تطبيقات الامام القضائيه، فى هذا الباب، نذكر قضيه
المجنونه التى ارتكبت الفعل الفاحش، فلم يوافق الامام
على(ع) على اقامه حد الزنى عليها رغم ثبوت الدليل ضدها،
وقال: هذه مجنونه آل فلان وان النبى قال: (رفع القلم عن
المجنون حتى يفيق، وعن الغلام حتى يحتلم، وعن النائم حتى
يستيقظ). كما جاء فى حيثيات حكمه ايضا: (انها مغلوبه على
عقلها ونفسها)((179)) لهذا قرر الافراج عنها وغلق قضيتها.
وفى قضيه اخرى تحصلت الادله الكافيه ضد امراه فى ارتكابها
الفعل الفاحش مع رجل غريب، وعندما سالها الامام على(ع)
عن حقيقه قضيتها اجابت انه (كان لاهلى ابل، فخرجت فى ابل
اهلى وحملت معى ماء ولم يكن فى ابل اهلى لبن، وخرج
خليطنا وكان فى ابله لبن فنفذ مائى فاستسقيته فابى ان
يسقينى حتى امكنه من نفسى فابيت، فلما كادت نفسى تخرج
امكنته من نفسى كرها) فقال الامام: (اللّه اكبر (فمن اضطر غير
باغ ولا عاد فلا اثم عليه))، واخلى سبيلها((180)).
ففى القضيه الاولى، كان اتيان الفاحشه من قبل المجنونه وهى
فاقده لتمام الوعى والادراك ومنعدمه الاهليه، فلا عبره بالبينه
المثاره ضدها ولا قيمه لاقرارها بارتكابها جريمه الزنى. اما
القضيه الثانيه فان اقرار الجانيه انما ثبت لدى الامام انه كان
بدافع الاضطرار فى ارتكابها الفعل الفاحش الذى يشكل احد
عيوب الاراده، وقد بلغت دقته فى وصفه للفعل منتهاها، اذ لم
يعتد بالوصف الذى اضفته تلك الامراه على فعلها، وهو الاكراه،
انما كف فعلها بوصف آخر يقع فى دائره حاله الضروره لا كما
ظن احد الكتاب المحدثين ب(ان الجريمه فى هذه الحاله لم
تدخل تحت حاله الاكراه)((181))، اى كما وصفته المتهمه
على ما تقدم، ولكن عند تامل مدلول آيه الاضطرار التى استند
اليها الامام فى حكمه وتامل مفهوم الاضطرار لتراجع مثل ذلك
الكاتب عن رايه المذكور، فالاضطرار رغم ان حكمه هو حكم
الاكراه نفسه تماما الا انه يختلف عنه من حيث المعنى، فرغم
انهما ينفيان المسووليه الجزائيه عن مرتكب الفعل الاجرامى
فى المنظور الاسلامى، ولكن المراه فى هذه القضيه لم تكن
مكرهه حيث ان الرجل الغريب لم يستعمل ايه وسيله من
وسائل الاكراه معها لنيل مرامه منها، ولم تقسر على ارتكاب
الفعل الفاحش انما قبلت، بمحض ارادتها، العرض الذى تقدم به
اليها ذلك الرجل الفاسق لقاء ان يسقيها الماء، وتلافيا لموتها
قبلت منه ذلك العرض، فهى هنا مضطره لا مكرهه على اتيان
الفعل الفاحش، وهو ما قرره الامام بكل دقه سواء فى الوصف ام
فى الحكم.
وقضاء امير المومنين على(ع) يدلنا على عدم الركون الى
الاقرار بوصفه دليل اثبات من دون تمحيص او تدقيق، اذ كثيرا
ما كان يهدره حتى لو تحققت شروط صحته احيانا، انطلاقا من
نظرته الحيه والانسانيه لموضوع التجريم والعقاب الذى
يستنتج منه وجوب تدقيق النظر لا فى مجرد الاقرار بل فى
ظروف الحادث وملابساته وما اكتنف الجانى من ظروف. ونذكر
على سبيل المثال، ما يروى من ان رجلا جاء اليه -اى الامام
على(ع)- واقر امامه بارتكابه جنايه السرقه، فقال له الامام: اتقرا
شيئا من القرآن؟ فقال: نعم سوره البقره. فقال له: قد وهبت
يدك لسوره البقره، ثم اضاف قائلا: (اذا قامت البينه فليس
للامام ان يعفو) ولكن (اذا اقر الرجل على نفس فذاك الى الامام
ان شاء عفا وان شاء قطع)((182)).
والذى نستشفه من هذه القضيه ان قرار الحكم العلوى فيها قد
تمخضت عنه جمله قواعد وفوائد فى مقدمتها انه لا يجوز عند
توفير بينه جريمه جديه كجريمه السرقه هذه -اى النصاب
المطلوب فى الشهاده- العفو عن مرتكبها، ولكن اذا ما توفر
ضده دليل الاعتراف فقط فان مساله العفو عنه وارده، ومتروك
امر تقديرها الى القاضى او الامام، وهنا وجد الامام ما يسوغ العفو
عن السارق فى هذه القضيه كونه يقرا سوره البقره ويحفظها،
اى فيه مسحه من الايمان، والا لما قرا تلك السوره الطويله
وحفظها. والقرآن، كما هو معلوم، يهدى للتى هى احسن واقوم
فى مسار سلوك العبد الذى يلازم قراءته او حفظه، ويتمعن فى
معانيه ومدلولات آياته، فضلا عن فضائل قراءته الاخرى.
وفى قضيه اخرى اقر فيها المتهم امام الامام على‏بن ابى طالب،
بانه قام بقتل شخص، وملخص الحادث انه عثر على جثه رجل
وجد مرميا فى خربه، وشوهد بالقرب منه رجل وبيده سكين
ملطخه بالدم، فاخذ به الى امير المومنين الامام على(ع) فاقر
امامه انه هو الذى ارتكب جنايه القتل هذه، كما ذكرنا. وفى هذه
الاثناء جاء رجل آخر وادعى انه القاتل الحقيقى، فسال الامام
المتهم الاول عن سر اعترافه بالقتل، فاجاب: انى رجل قصاب،
وكنت قد ذبحت شاه وبيدى السكين الملطخه بالدم، فاخذنى
هولاء وقالوا: انت الذى قتلت صاحبنا. فقلت: ما يغنينى الانكار
وقد تم ضبط‏ى قرب الجثه وبيدى السكين الملطخه بالدم،
لهذا اعترفت بقتله. ثم سال الامام المتهم الثانى عن اقراره
فاجاب بما يفيد انه قتل الرجل بدافع الطمع فى ماله، اذ كان
وقت الحادث ليلا فصادف ان جاءت الشرطه (العسس) وعندما
حاول الخروج من الخربه والهرب صادفه القصاب المسكين
فاستتر منه فى بعض زوايا الخربه، وتم مسكه من قبل العسس
وافاد موضحا انه لولا اقراره بهذه الحقيقه فانه سيتحمل دم هذا
القصاب ايضا، وهنا وجه الامام سوالا لابنه الحسن(ع) الذى كان
حضرا قائلا: ما الحكم فى هذا؟
فاجابه: (اما هذا فان كان قد قتل رجلا فقد احيا نفسا واللّه عز
وجل يقول: (ومن احياها فكانما احياء الناس جميعا))، فخلى
على عنهما ودفع ديه المقتول من بيت المال((183)).
ففى هذه القضيه نجد ان الامام قد اخلى سبيل القصاب رغم
اعترافه الصريح بالقتل، اذ انه فحص هذا الاعتراف وقارنه
باعتراف المتهم الثانى فتبين له، من خلال ملابسات الحادث
وقرائنه، انه اعتراف غير صحيح، لهذا اهدره. اما المتهم الثانى
الذى اخلى سبيله هو الاخر فان مرد ذلك يعود الى ان اقراره
هذا قد انقذ حياه القصاب من القصاص، كما ان مبادرته
التلقائيه بالاعتراف تمثل قرينه على ندمه وتوبته، والا لما قدم
نفسه الى العداله، وللسببين المذكورين صفح عنه الامام
واخلى سبيله، لا بل انه، فضلا عن ذلك، جعل ديه المقتول من
بيت المال تشجيعا للقاتل الحقيقى وتثمينا لمصداقيته
وهدايته للتوبه ورحمه به وبعائلته، اذ قد يكون من الفقراء
المحتاجين اصلا الى المال، لهذا اغراه الشيطان ونفذ اليه من
هذه الثغره التى يقول فيها الامام: (لو كان الفقر رجلا قتلته)،
فركب هواه واقدم على جريمته لحاجته الى المال، ولا يفوتنا
قول الامام على(ع) ان (العفو عن المقر لا عن المصر)((184))،
اما فى حاله انكار المتهم لما اسند اليه من اتهام وعدم وجود ما
يعزز ادعاء المشتكى ضده فيصار الى رفض شكواه وغلق دعواه،
فقد روى((185)) ان رجلا جاء الى الامام على(ع) مدعيا ان له
شاهدين على آخر كان قد سرقه، وعندما عجز عن جلب شهوده
تم اخلاء سبيل المشكو منه لانكاره ما اسند اليه من فعل
السرقه.
هذا والثابت ان الامام على(ع) كان لا يعتد بالاعتراف المقترن
بالاكراه او التهديد، ومن سوابقه فى هذا المجال نذكر اعتراف
احدى الحوامل امام الخليفه عمر بانها حملت سفاحا، فامر عمر
برجمها، وصادف فى الطريق ان شاهدها الامام على(ع) فسال
عن موضوعها، وبعدما علم بخبرها استفسر من عمر عما اذا كان
قد اخافها او نهرها، فاجابه بالايجاب، فقال على(ع): (يا عمر اما
سمعت قول الرسول: لا حد على معترف بعد البلاء انه من
قيدت او حبست او تهددت فلا اقرار له). لهذا اخلى عمر
سبيلها((186)).وعلى ضوء ما تقدم يتضح جليا ان منظور الامام
على ازاء الاقرار، بوصفه دليلا للاثبات يقوم على التمحيص
والتحليل، وكثيرا ما يتردد فى قبوله حتى عند صحته فى
المسائل الجزائيه، لا بل انه لم يقبله فى الجرائم الحديه ما لم
يعزز بدليل آخر، فهناك اكثر من سابقه قضائيه لم يقم فيها حد
الزنا الا بعد اصرار الجانى على الاعتراف واقراره فى اربع مرات
عبر فواصل زمنيه كان فى كل مره فيها يود الامام ان لا يعود
اليه الجانى كى يكرر له الاعتراف ويطلب منه اقامه الحد عليه
بكلمه (طهرنى) عسى ان يرعوى ويتوب الى اللّه تعالى توبه
نصوحه، اذ اعتبر كل اعتراف هنا بمثابه شهاده، لهذا لم يكن له
من بد -فى مثل هكذا حالات- من انزال عقوبه الحد
بالجانى((187)) فجرائم الحدود تدرا بالشبهات، وان الاعتراف
وحده لا يمثل دليلا كافيا للادانه، والحكم عنده فى الاعم
الاغلب من قضائه، وحتى لو اقتنع بصحه الاقرار فامر باقامه
الحد استنادا عليه امر متروك تقديره للامام او القاضى، لان
الاساس فى جرائم الحدود وخصوصا منها ما يمس العرض
والشرف هو الستر، كما تدلنا عليه سنه الرسول الكريم((188)).
ومن سوابقه(ص)نذكر قراره لمن حمل رجلا على الاقرار عنده
بالزنا الذى ورد فيه (هلا سترته بثوبك وسماعها بالبينه)،
فالاقرار لم يعتد به هنا مفضلا الستر فى هكذا حاله لعدم وجود
البينه الشخصيه -اى الشهاده المطلوبه وهو الطريق الذى سار
عليه ابن عمه الامام على(ع). اما فى المسائل المدنيه، فان
الاقرار يكفى للاثبات ما دام قد صدر من شخص كامل الاهليه،
وبارادته الحره والواعيه، وبشكل لا لبس فيه ولا شبهه، كما
يدلنا عليه منهجه(ع)، فقد قضى فى رجل مات وترك ورثه
فاقر احدهم بدين على ابيه انه يلزمه ذلك لوحده من حصته
فى التركه، ولكن فى حاله ما اذا اقر اثنان منهم، وكانا عدلين،
شمل اقرارهما بقيه حصص الورثه حيث اعتبرا بحكم الشهود،
وفى حاله عدم ثبوت عدالتهما الزما من حصتهما بقدر ما
ورثا((189)). اى انه هنا اعتبر الاقرار حجه قاصره على المقر،
وهذا هو عين العدل والمنطق، وقد سار على هذا النهج
المشترعون الوضعيون حاليا.
وبمراجعه وصيه الامام على الى شريح يتضح لنا ان البينه فى
الحقوق الماليه على المدعى واليمين على المدعى عليه عند
الانكار، اما فى حاله الاقرار فانه يبطل اليمين((190)) وكذا فى
حاله المملوك فان ادعى الحريه فعلى مالكه اثبات خلاف ذلك
لقوله(ع) ان (الناس كلهم احرار الا من اقر على نفسه
بالعبوديه، وهو مدرك، من عبد او امه)((191)).
المبحث الثانى الشهاده:
تعرف الشهاده بانها اخبار الشخص عن واقعه او حق يعلمه
بنفسه او بالمشاهده((192))، فضابط الشهاده اذن هو
العلم((193)) اى المشاهده لقوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك
به علم) وقوله: (الا من شهد بالحق وهم يعلمون). وذكر
العاملى فى وسائله ان الرسول الامين سئل عن الشهاده فقال:
(هل ترى الشمس على مثلها فاشهد اودع)((194)) وقال ايضا:
لا تشهد بشهاده لا تذكرها. وعلى هذا فالشهاده يقتضى ان
تكون على اليقين لا السماع او التخمين، واليقين يحصل
بالمشاهده العينيه التى تعط‏ى علما معينا عن الشى‏ء المشاهد
وهى تنصب اما على وقائع ماديه محضه كالولاده او الوفاه او
القتل، او على تصرفات تقع على المال، مثل العقد او سند الدين
وما اليه. وتستمد الشهاده حجيتها من القرآن الكريم، حيث
يقول جلت قدرته: (واقيموا الشهاده للّه) كدليل فاعل فى
الاثبات سواء فى المسائل المدنيه او الجزائيه.
وقد تناول الفقهاء المسلمون موضوع الشهاده باسهاب الى
درجه حدت ببعضهم الى ان خصوا البينه بالشهود فقط، من
دون ان يذكروا تعليلا لذلك((195))، فى حين ان البينه -كما
يدل عليها اسمها- هى اسم لكل ما يبين الحق ويظهره بما فيها
الشهاده.
واداء الشهاده واجب على العين وليس على الكفايه لقوله تعالى:
(ولا ياب الشهداء اذا ما دعوا)((196))، الذى فسره الامام
على(ع) بان من كان فى عنقه الشهاده فلا يمتنع اذا دعى
لاقامتها، ولينصح فى ادائها ولا تاخذه فيها لومه لائم وليامر
بالمعروف ولينه عن المنكر((197)).
اما فى حاله الامتناع عن اداء الشهاده فان ذلك يشكل مخالفه
شرعيه بدليل قوله تعالى: (ولا تكتموا الشهاده ومن يكتمها فانه
آثم قلبه)((198))، هذا باستثناء من يصيبه ضرر منها لقول
البارى: (ولا يضار كاتب ولا شهيد) وهناك من ذهب الى انه
صحيح ان الشارع منع كتمان الشهاده، ولكن ذلك فيما عدا
جرائم الحدود، مدعما رايه هذا على ما يروى عن الرسول قوله:
(من راى على اخيه شيئا من هذه القاذورات وستر، ستره اللّه
يوم يفتضح المجرمون)، فالشرع المقدس يبيح السكوت وعدم
اداء الشهاده((199))، فى مثل هذه المواطن. والذى اراه ان
مفهوم هذا الحديث ينصب على محرك الشكوى او
المخبر((200))، اذ لا يمكن حمله على الشاهد الذى دعى
للادلاء بشهادته العيانيه لصراحه النص القرآنى فى منع كتمان
الشهاده والا فانه آثم قلبه. ومما يعزز راينا هذا السابقه القضائيه
للرسول الكريم التى ورد ذكرها فى المبحث السابق، اذ
قال(ص)لمن حمل رجلا على الاقرار عنده بالزنا: (هلا سترته
بثوبك وسماعها بالبينه)، فالستر اولى بالنسبه للمخبر لا لمن
طلب منه الادلاء باقواله، بوصفه شاهدا، من قبل صاحب الولايه
الشرعيه.
ويقتضى عدم خوض اللجج مع الشاهد فى ما هو خارج عن
موضوع شهادته، ولعل من الطريف الاشاره هنا الى ما يروى من
(ان رجلا جاء الى القاضى ابن شبرمه ومعه قوم يشهدون على
قراح((201)) له فيه نخل، فشهدوا وكانوا عدولا، فسالهم: كم
فى القراح من نخله. قالوا: لا نعلم، فرد شهادتهم، فقال له رجل
منهم: انت تقضى فى هذا المسجد منذ ثلاثين سنه فاعلمنا كم
فيه من اسطوانه؟ فاجازهم)((202)).
واذا كانت الشهاده هى احدى الطرق المعتمده فى الاثبات
فانها، فى الوقت نفسه، طريقه ضعيفه احيانا ازاء كبار السن او
ضعاف السمع او البصر مثلا، لا بل وخطيره احيانا اخرى،
وخصوصا فى المسائل الجزائيه لتعلقها بحقوق الناس وارواحهم
كونها عرضه للتضليل وشراء الذمم الرخيصه، لهذا يلزم التحرى
الدقيق عن الشهود للوقوف على مدى مصداقيتهم، فلقد قضى
على‏بن ابى طالب(ع) فى رد شهادات اربعه شهدوا على رجل
بالزنا بعدما تبين له انهم متهمون بقضايا جنائيه اخرى، واقام
عليهم حد القذف ايضا((203)).
فمنهج الامام على(ع) ازاء الشهاده يتمثل فى انه لم ياخذ بها
على علاتها من دون تمحيص او تدقيق. وقد جاء فى وصيته
لشريح: (اعلم ان المسلمين عدول بعضهم على بعض الا
مجلود فى حد لم يتب او معروف بشهاده زور او ضنين)،
ويروى عنه قوله: (لا تقبل شهاده فجاش ولا ذى
مخزيه)((204)) فمثل هولاء الشهود لا تقبل شهادتهم، وقد
قال تعالى: (ممن ترضون من الشهداء)((205)) فمن كان فى
سمعته لوثه او ادانه او ريبه لا يصح الرضا بشهادته، وكذا شهاده
العراف او مرتكب الجنايات الا اذا عرفت توبته((206))، وهذا
يعنى ان للخصم حق الطلب من القاضى فى التحرى عن شهود
خصمه وكشف ما لديه عنهم من مثالب كى لا تقبل شهاداتهم.
والثابت ان على بن ابى طالب(ع) هو اول من فرق بين الشهود
عند الاستماع الى شهاداتهم، اذ ان سوابقه القضائيه تدلنا على
انه كان يستمع الى شهادات الشهود كل على انفراد، من دون
ان يسبقه اليها سابق سوى نبى اللّه داود(ع)((207))، فمن
سوابقه بهذا الخصوص نذكر قضيه الشاب الذى خرج ابوه مع
نفر من اصحابه فى سفر للتجاره وتخلفه عنهم عند عودتهم
وادعائهم موته، حيث رفع شكواه امام شريح الذى استحلفهم
واطلق سراحهم لعدم وجود الدليل ضدهم، فقد تظلم منه
الشاب المذكور امام على(ع) الذى علم ان والد المشتكى
المتظلم كان ذا مال كثير، لذا قال: (ينبغى لشريح ان يستقصى
فى الاستكشاف عن خبر هذا الرجل ولا يقتصر على طلب
البينه)((208))، فهناك اكثر من قرينه لمسها امير المومنين
فى مصداقيه الشاب، لهذا اتبع اجراء آخر لكشف الحقيقه، الا
وهو تفريقهم والاستماع الى اقوال كل تاجر منهم بصفه شاهد،
وتوصل، بعد عمليه استنطاق محكمه، الى كشف خبر ذلك
الرجل، فقد قام بوضع كل واحد منهم الى جانب اسطوانه من
اساطين مسجد الكوفه، ثم طلب من كاتبه عبيداللّهبن ابى رافع
الحضور والجلوس بالقرب منه، بعد ان طلب من قنبر استدعاء
ثله من شرطه الخميس((209)) ووضع كل واحد منهم مع احد
المتهمين للحيلوله دون تغيير مكانه، ثم امر باحضارهم واحدا
بعد الاخر بمجلس قضائه مستجوبا اياهم عن ذهابهم ونزولهم
وعامهم وشهرهم ويومهم، وعن مرض الرجل المدعى به
وكيفيه موته وغسله وتكفينه ودفنه ومكان قبره، طالبا الاجابه
بصوت منخفض، وبالتناوب، وكاتبه المذكور يدون ما يملى
عليه الشاهد، وكان كلما ينتهى من كلامه يكبر الامام تكبيرتين
يسمعهما كل من كان فى المسجد، فظن الاخرون انه اخبر
الامام بحقيقه الحادث فتناقضت اقوالهم وكان آخر متهم فيهم
الذى استمع الى اقواله، بوصفه شاهدا، وهو رابعهم، قد اعترف
اعترافا مفصلا بكيفيه قيامه بالاشتراك مع بقيه المتهمين فى
قتل الرجل طمعا بماله، فكبر الامام واحضر بقيه المتهمين
وعبر المواجهه القضائيه الاستجوابيه اعترفوا جميعا وبمحض
ارادتهم بتفاصيل الحادث ومكان اخفاء مال الرجل ومكان قبره،
وهكذا بانت الحقيقه واعترف الجناه بما اسنده اليهم الشاب من
فعل جنائى.
وفى سابقه اخرى للامام(ع) تخص جاريه، وملخص قضيتها ان
امراه غاب عنها زوجها تاركا معها فى دار الزوجيه تلك الجاريه،
وكانت ذات جمال اخاذ وساحر، وبدافع الحسد وخوفا من ان
يتزوجها زوجها قامت بتدبير مكيده ضدها، فسقتها المسكر،
وافتضت بكارتها باصابعها بعد ان ساعدتها فى هذه الواقعه بعض
النسوه من جاراتها، وقد استعصى على الخليفه عمر(رض) حل
لغزها، لذا عرضها على الامام على(ع) الذى قام بالاستماع الى
شهاده كل من النسوه على انفراد، وتوصل بعد عمليه استنطاق
دقيقه الى تلك الحقيقه، لذا قرر الحكم على الزوجه الحسود
بحد القذف وعلى اللات ادلين امام الخليفه عمر بشهاداتهن
الزور والزمهن العقر((210))، وجعل عقرها اربعمئه درهم
عليهن تعزيرا، وقضى بنفى تلك المدانه عن زوجها، وزوجه، اى
زوج زوجها بالجاريه الشابه البريئه، وقال: اللّه اكبر، انا اول من
فرق بين الشهود((211)).
وتفريق الشهود، عند الاستماع الى شهاداتهم فى المرافعه،
يكشف للقضاء الحقيقه بشكل اقرب للدقه، وادعى للقناعه
والاطمئنان، فاتفاق اقوال الشهود المنفردين يدل يدل على
المصداقيه عاده، ثم ان التفريق يودى الى تلافى تاثر اقوال
احدهما بالاخر، بالتطابق او التغاير، لما فى مثل هذا التاثر من
معوقات فى الوصول الى الحقيقه الواقعه.
اما بصدد نصاب الشهاده فاذا كان فى بعض الحالات قد نص
عليه القرآن الكريم فالامر فيه محسوم، فنصابها فى المعاملات
مثلا شهاده رجلين (فان لم يكونا رجلين فرجل وامراتان ممن
ترضون)((212))، ونصاب شهاده اثبات الزنا او القذف
اربعه((213))، ويقتضى احضارهم جميعا والاستماع الى شهاده
كل منهم على انفراد فى مجلس القضاء والا اهدرت شهاده من
حضر منهم دون النصاب، لا بل انه(ع) لم يكن يعفى من حضر
منهم دون النصاب من المساءله الجزائيه، كما تدلنا على ذلك
سوابقه الجليله، ففى احدى قضاياه نذكر قضيه الشهود الثلاثه
الذين شهدوا امامه على رجل بالزنا، وعندما سالهم عن الشاهد
الرابع وعلم عدم حضوره وتاخره امر باقامه حد القذف عليهم،
واضاف قائلا: (ليس فى الحد نظره ساعه)((214)) والذى
نستظهره من حكمه العادل هذا انه اراد بحدهم زجرهم
وردعهم وردع غيرهم فى وجوب الستر وعدم التسرع فى
التشهير ما دامت البينه غير مكتمله النصاب((215))، خصوصا
فى مثل هذه الجرائم الاخلاقيه المشينه، هذا فضلا عما يحتمله
امهال الشاهد فى مثل هكذا جرائم، او تاجيل المحاكمه لحين
اكتمال النصاب، من تاثير قد يودى الى تغيرها او تحويرها بفعل
مرور الزمن لما قد يتخلله من عوامل الترهيب او
الترغيب((216)).
ويحصل، فى العمليه القضائيه، ان يرجع الشاهد عن شهادته فى
المرافعه، فما هى معالجات الامام على ازاء مثل هذا الرجوع؟
ان سوابقه(ع) تدلنا على وجوب التفرقه بين حالتين
رئيسيتين:
الاولى: اذا كان الرجوع قد حصل قبل صدور الحكم او تنفيذه،
ففى هذه الحاله تهدر الشهاده الاولى.
اما الثانيه: فيكون الرجوع فيها بعد تنفيذ الحكم، وفيها كان لا
يعفى الشاهد المتراجع عن شهادته من المساءله الجزائيه، وقد
فرق هنا بين امرين فيها، الاول اذا كان الرجوع مبنيا على
الشبهه او الشك ضمن الديه. اما الثانى فينصب على كون
الرجوع قد حصل نتيجه العمد او الزور، فهنا كان يحكم على
الشاهد بمثل ما حكم به على المحكوم، فقد جاء فى الوسائل انه
قضى برجم رجل لتحقق شهاده اربعه شهود بانهم راوه يجامع
امراه اجنبيه، الا ان شاهدا منهم رجع عن شهادته بعد اقامه
الحد، فحكم عليه الامام بربع الديه، واضاف موضحا:
انه اذا رجع اثنان منهم وقالا: شبه علينا، غرما نصف الديه، وان
رجعوا كلهم وقالوا: شبه علينا غرموا الديه كامله، اما اذا قالوا:
شهدنا بالزور قتلوا جميعا.
والحق ان هذا الحكم قد بلغ من الدقه فى تطبيق العداله
اقصاها، ذلك لان الشهاده يجب ان تكون على اليقين لا الشك
او التخمين، كما ان تعمد الشهاده زورا يكون سببا فى انزال
عقوبه الحد بحق من شهدوا ضده، لذا يقتضى الاقتصاص منهم
بما آل اليه العقاب نفسه. ولما كانت عقوبه القصاص هى حق
للمجنى عليه او ذويه، لذا نجد الروايه الاخرى التى تطرق الى
ذكرها صاحب الجواهر تقول انه فى الحاله الاخيره قال: ان شاء
ولى المقتول ان يقتلهم جميعا او يقتل من يشاء منهم، ورد
الثلاثه ثلاثه ارباع الديه الى اولياء المقتول.
ومن سوابقه الميمونه ان رجلين اتياه ومعهما رجل آخر شهدوا
عليه بانه سرق فقطع الامام يده، ثم بعدها جاءوا اليه ب‏اخر
قائلين: غلطنا فى الاول انما السارق الحقيقى كان هذا، فابطل
شهادتهما على الاخر وضمنهما ديه الاول واضاف مقررا: (لو
علمت انكما تعمدتما لقطعت ايديكما)((217)) قصاصا لهما.
وقد سار على نهجه هذا كبار الفقهاء المسلمين، مثل مالك
والشافعى واحمد، اذ خلصوا الى قاعده فقهيه مفادها: ان
الجماعه توخذ بالواحد فى القصاص((218)).
فقرار الامام، آنف الذكر، يعنى انه اخبر ان القصاص يلزم ان يقع
على كل واحد منهما فيما لو تعمدا قطع يده، وحيث ان القطع
هو احد انواع القصاص لهذا يوخذ الجماعه بالواحد((219)).
واذا كان رجوع الشاهد عن شهادته، بعد تنفيذ الحكم، يوجب
الديه عند الشبهه، فما هو الحكم فى المسائل المدنيه؟الاصل
هو اعتبار الشهاده الاولى واهدار الشهاده الثانيه، وذلك استنادا
لما رواه(ع) عن ابن عمه الرسول الاكرم(ص)قوله: (من شهد
عندنا ثم غير اخذناه بالاولى وطرحنا الاخيره)((220)) وعله
ذلك تكمن فى ان الشهاده كلما كانت اقرب وقتا الى الحادث
كانت اكثر مصداقيه وادعى الى الاطمئنان لبعدها عن التاثير
والتحوير.
ولا بد من التطرق الى شهادات النساء، فان عليا قضى بعدم
قبول شهادتهن من جرائم القصاص والحدود كقاعده عامه فى
المسائل الجزائيه. اما فى المسائل المدنيه فانه رجع الى النص
القرآنى الذى حسم الموقف بهذا الصدد فى الايه 282 من سوره
البقره، اذ لا يصح الاثبات الا بشاهدين عادلين، والا فشهاده
رجل وامراتين عدا شهاده المراتين فى النكاح عند الانكار حيث
اجاز شهادتهما((221)).
وتنبغى الاشاره الى سابقه قضائيه، بخصوص الشهادات
المتقابله، وهى تلك التى تخص حادث سته اشخاص نزلوا شط
الفرات للسباحه فغرق احدهم، فشهد اثنان منهم على الثلاثه
المتبقين بانهم اغرقوه، وشهد الثلاثه على الاثنين بانهما
اغرقاه. فهنا تحققت شهادات متقابله بينهما، ولم يتوفر من
القرائن ما يدل على مصداقيه احداهما دون الاخرى او بالعكس،
لهذا اتجه امير المومنين درءا للمفاسد ومنعا لذريعه مخاصمه
ذوى المقتول لكلا الطرفين فقضى بالديه اخماسا عليهم
جميعا، وقد علق الشيخ المفيد على هذا الحكم بالقول: (لم
يكن فى قضيه احق بالصواب مما قضى به عليه
السلام)((222)).
وهناك حالات لها خصوصيتها المتفرده فى قضاء على فى
مجال الشهاده، وقد سار على نهجه فيها جل اعلام الامه
وفقهائهم اللامعين، ولا عجب من ذلك ما دام هو باب مدينه
علم الرسول وتلميذه الامين واقضى امته، نذكر منها:
اولا: اعتباره لشهاده الولد لوالده، فقد ذكر الاربلى، فى كشف
الغمه((223))، ان عليا قاضى يهوديا فى درعه الذى شاهده
بحيازته فى مجلس قضاء شريح، فطالبه شريح بمن يشهد له
بها، فشهد الحسن(ع) بالدرع، فرد شريح شهادته، فقال له
الامام على(ع): فى اى كتاب وفى اى سنه وجدت ان شهاده
الابن لابيه لا تقبل؟ واهتداء بهذا النهج فقد استدل به جمع من
العلماء والائمه السلف، منهم احمدبن حنبل والمزنى
واسحق‏بن راهويه وابو ثور وابن المنذر فى جواز شهاده الولد
لوالده والاخ لاخيه((224)).
ثانيا: اجاز الامام على(ع) شهاده الاحداث فى ما بينهم ما لم
يتفرقوا لما فى مثل هذا التفرق من شبهه لاحتمال حصول
الضغوط عليهم للتاثير على شهادتهم بالتغيير او التبديل، وهو
ما يغلب حصوله فى الحياه العمليه بفعل الضغوط، خصوصا عند
فساد الذمم.
ثالثا: لم نجد، فى سوابق الامام على‏بن ابى طالب(ع)، ما يشير
الى تاثير الظروف الاجتماعيه او الاقتصاديه وغيرها على
الشهادات، فالكل سواسيه ما دامت العداله متحققه فيهم، بغض
النظر عن جنسهم او قومياتهم او مكانتهم الاجتماعيه. ففى
احدى القضايا التى عرضت على شريح رفض هذا القاضى قبول
شهاده قنبر لانه مملوك، فاعتبر الامام هذا الرفض من قبيل
الجور((225)). واذا كان بعض الفقهاء الاجلاء يتشددون فى
شهاده الكتابى فان الامام عليا(ع) قضى فى احدى سوابقه
بقبول شهاده شاهدين من النصارى على كتابى اسلم، موسسا
حكمه هذا على النص القرآنى الذى يقول: (ولتجدن اقربهم
موده للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى)، وقد سئل(ع) ذات مره
عن معنى قوله تعالى (ذوا عدل منكم وآخران من غيركم)
فقال اللذان منكم هما مسلمان واللذان من غيركم من اهل
الكتا((226)) وعلى هذا فان شهاده الكتابى لا غبار عليها ما
دام عدلا ولا شبهه عليه، ولرب تساول يثار بشان قيمه الشهاده
التى يدلى بها من فيه عوق، ومثل هذا التساول نجد الاجابه
عليه واضحه من خلال قضيه استعصى حلها على الخليفه
الراشد عمربن الخطاب حيث، عندما جلب اليه قدامه‏بن
مظعون متهما بشرب الخمر بشهاده شاهدين احدهما فيه عوق
جنسى، فشهد احدهما انه رآه يشرب الخمر وشهد الاخر انه
وجده فى حاله قى‏ء، فعرض الامر على الامام على(ع) بعد ان
التبس عليه واقع القضيه من جانبين، الاول ظنه بعدم تطابق
الشهادتين، والثانى وجود العوق فى احد الشاهدين، فقضى
الامام بقبول شهادتيهما معللا قضاءه هذا بان مشاهده احدهما
للجانى، وهو يشرب، ومشاهده الثانى له، وهو يقى‏ء، لا اختلاف
فيهما، اما عوق احدهما فلا اثر له فى صحه شهادته((227)) ما
دام ذلك العوق لا علاقه له بالسمع او البصر.
وعلى هذا فان مثل تلك الفوارق لا اثر لها على صحه الشهاده،
وبهذا يكون الامام على(ع) قد جسد مبدا المساواه لا بين
الخصوم، بل حتى بين الشهود، ومن له علاقه بالقضيه مثار
النزاع فى مجلس قضائه وبالتالى تحقيق العداله فى ادق
حالاتها.
رابعا: وقضى(ع) بشهاده الشاهد الواحد ويمين المدعى ايام
خلافته الراشده اهتداء بسنه الرسول الكريم((228))، وقد نهج
نهجه بعض عمالقه الفقه الاسلامى، ونذكر منهم الامام
الشافعى((229))، ودليل اثبات لما فى حقوق العباد، كما انه
اجاز شهاده النساء مع يمين المدعى فى الدين، فاذا شهدت
لصاحب الحق او طالبه -بكسر اللام- امراتان ويمينه اعتبر ذلك
كافيا لاثبات الدين((230)).
خامسا: واخيرا، فان من السوابق القضائيه للامام على(ع) التى
لم يعف عليها الزمن ما يدلنا على انه كان قد قضى بشهاده
الشاهد الواحد فقط فى بعض الحالات، نذكر منها اثبات الولاده
وقبوله لشهاده الامراه فى غلام دفع زميله فاوقعه فى بئر
ومات((231))، وتجدر الاشاره الى ان الرسول الكريم(ص)قد
سبقه فى الاخذ بشهاده الواحد وذلك فى قضايا السلب وقضايا
العقود فى السفر((232)).
ولعل خير ما نختم به هذا المبحث، بصدد احكام الشهاده وما
نستلهمه من قضاء امير المومنين على(ع) من قواعد ومبادى‏ء
تاصيليه، ما رواه النخعى عن واقعه دخول الحكم‏بن عيينه
وسلمه‏بن كهيل على ابى جعفر الامام محمد الباقر(ع)، وسالاه
عن مدى الكفاءه الاثباتيه للشاهد الواحد مع اليمين، فاجابهما:
قضى به رسول‏اللّه، وقضى به على عندكم فى الكوفه. فقالا: هذا
خلاف القرآن. فقال: اين وجدتموه خلاف القرآن؟ قالا: ان اللّه
يقول: واشهدوا ذوى عدل منكم، فقال لهما: هل ان قوله
واشهدوا هو ان لا تقبل شهاده واحده مع اليمين؟
ثم اضاف قائلا: ان عليا كان جالسا، ذات يوم، فى مسجد الكوفه،
فمر به عبداللّهبن ثفيل التميمى((233)) ومعه درع طلحه،
فقال له على(ع): هذه درع طلحه اخذت غلولا((234)) يوم
البصره، فقال له عبداللّه: فاجعل لى بينى وبينك قاضيك الذى
ارتضيته للمسلمين، فقاضاه لدى شريح، وبعد ان اوضح الامام
تفاصيل عائديه الدرع، قال له شريح: هات على ما تقول بينه،
فاتاه بولده الحسن(ع) فشهد انها درع طلحه اخذت غلولا يوم
البصره فى حرب صفين، فقال: هذا شاهد واحد ولا اقضى بها
حتى يكون معه آخر، فدعا قنبر فشهد له بمثل ما شهد له
الحسن، فقال شريح: هذا مملوك ولا اقضى بشهادته، وهنا بانت
علامات عدم الارتياح فى وجه الامام على(ع) وقال لعبداللّه:
خذها فان هذا القضاء انطوى على جور فى ثلاث مواضع،
فتحول اليه شريح وقال: سوف لا اقضى بين اثنين حتى
تخبرنى يا امير المومنين من اين قضيت بجور ثلاث مرات،
فاجابه الامام(ع) قائلا: ويلك انى لما اخبرتك انها درع طلحه
اخذت غلولا يوم البصره، فقلت: هات على ما تقول بينه، وقد
قال رسول‏اللّه: ما وجد غلولا اخذ بغير بينه، فقلت: رجل لم
يسمع الحديث فهذه واحده، ثم اتيتك بالحسن فشهد فقلت:
هذا واحد ولا اقضى بشهاده واحده ويمين فهذه اثنان، ثم
اتيتك بقنبر فشهد فقلت: هذا مملوك ولا اقضى بشهادته فهذه
الثالثه، اذ ان شهاده المملوك اذا كان عدلا لا ترد. ثم قال له:
ويلك وويحك، امام المسلمين يومن من امورهم، ما هو اعظم
من هذا!.
فهذه القضيه قد اخطا فيها شريح فى ثلاثه مواقع، الاول
تغاضيه عن حديث الرسول الكريم فى وجوب اعاده ما يوخذ
غلولا من دون حاجه الى البينه لا بل انه انحاز الى جانب
المتهم بقوله: (رجل لم يسمع الحديث) والجهل بالقانون لا يعد
عذرا. والثانى ان شهاده الحسن كافيه للاثبات ما دامت قد
اقترنت باليمين، لذا فان رفضها لا مسوغ شرعيا له، اما الثالث
فهو عدم قبوله شهاده المملوك قنبر رغم كونه عدلا، وفى هذه
المواقع الثلاثه جور واضح فعلا.
المبحث الثالث الكتابه:
ورد ذكر الكتابه فى القرآن الكريم، ومن ذلك قوله تعالى: (يا
ايها الذين آمنوا اذا تداينتم بدين الى اجل مسمى فاكتبوه
وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا ياب كاتب ان يكتب كما علمه
اللّه فليكتب وليملل الذى عليه الحق وليتق اللّه ربه ولا يبخس
منه شيئا(...) ولا تساموا ان تكتبوه صغيرا او كبيرا الى اجله
ذلكم اقسط عند اللّه واقوم للشهاده وادنى الا ترتابوا)((235)).
فالتعامل بالدين، وفقا لهذا النص الشريف، يلزم كتابته حفاظا
على الحق من الانكار او النسيان وغيره من دون اشتراط مقدار
لهذا الدين، قل او كثر، فحكمه واحد. اما التجاره فلا يشترط فى
معاملاتها الكتابه كما تدلنا عليه بقيه الايه، فقد جاء فيها (الا ان
تكون تجاره حاضره تديرونها بينكم، فليس عليكم جناح الا
تكتبوها واشهدوا اذا تبايعتم..). ويدخل فى قائمه الدين الصداق
فى عقد النكاح، مع ملاحظه ان الكتابه المخالفه لاحكام
الشريعه لا يمكن الركون اليها، فقد قضى امير المومنين فى
رجل تزوج امراه واصدقته هى واشترطت عليه ان يكون بيدها
الجماع والطلاق قضى ببطلان شرطها هذا لمخالفته احكام
الشريعه الغراء وحكم على الرجل بالنفقه وبيده الجماع
والطلاق((236)).
والحقيقه ان الكتابه، فى المنظور الاسلامى، لا تمثل بذاتها
دليل اثبات -كما هو عليه الحال فى القانون الوضعى- ذلك لان
المدعى عليه ان اعترف بالحق المثبت عليه فى المحرر
الكتابى دخلت هذه الكتابه فى باب الاقرار واتصلت به وان
انكره، وكان المحرر معززا بتواقيع شهود يشهدون بصدورها
منه كانت شهاده ودخلت فى بابها، واتصلت بها كما تدلنا اقوال
الفقهاء المسلمين واعلامهم الافاضل((237)).
فالاقرار بالكتابه هو بمنزله الاقرار بالكلام، اما الكتابه بالشهود
فهى شهاده للتوثيق على ما جاء فى المحرر الكتابى، واذا ما
خلت الكتابه من الشهاده، ووقع عليها الانكار، رغم التوقيع او
الختم، فان الاسلوب الحديث فى التحقق من عائديه التوقيع او
الختم هو طريق المضاهاه، اذ توخذ نماذج من خطوط او المنكر
او توقيعه او ختمه بغرض مقارنتها من لدن خبراء مختصين
بالخط او التوقيع او الختم الذى وقع عليه الانكار، للتثبت من
كونها تعود لشخص واحد او اكثر. وخبره الخبير هنا تقوم مقام
الشاهد فى اثبات كون الخطوط او بصمه الابهام او التوقيع
المثبت فى المحرر الكتابى يعود للمنكر ام لا، اذ كثيرا ما يقع
التزوير على المحرر الكتابى او انكار عائديته لصاحبه، فالتحقق
منه يتم عن طريق الخبراء، وقد ورد فى القرآن الكريم قوله
تعالى: (فاسال به خبيرا)((238)).
ومن السوابق القضائيه نذكر قضيه الشخص الذى زور ختم
الخلافه -وهو محرر كتابى من دون ادنى شك- ايام الخليفه
عمربن الخطاب، واصاب به مالا من خراج الكوفه، فجى‏ء به الى
عامله فى الكوفه المغيره‏بن شعبه الذى قيد يديه بالجامعه الى
عنقه وامر بحبسه، فهرب من الحبس وتوجه الى عمر واعلن
توبته، فقال عمر(رض) للناس بعد ادائه الصلاه: ما تقولون به؟
فقال قائل: اقطع يده، وقال آخر: اصلبه، والامام على(ع) ساكت
-حيث كان حاضرا- ثم التفت اليه الخليفه قائلا: ماذا تقول يا ابا
الحسن؟ فقال: هذا رجل كذب كذبه عقوبته عنها بدنه، فضربه
عمر ضربا مبرحا، ثم امر بحبسه مده واطلق سراحه
بعدها((239)) وهذه العقوبه من باب التعزير((240)).
وجاء، فى سوره النور، الايه: 33، ذكر للكتابه، ايضا حيث يقول
تعالى: (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت ايمانكم فكاتبوهم ان
علمتم فيهم خيرا). والخطاب فى هذه الايه موجه حسب آراء
المفسرين((241))- للرجل فى ان يكاتب عبده او مملوكه قبل
ان يعطيه مبلغا من المال للتكسب به، خلال مده معينه، فان
اوفى لسيده صار حرا. ومن قضاء الامام على(ع) فى هذا المورد
نذكر قضيه المكاتبه التى توفيت، وقد قضت عامه ما عليها،
فولدت ولدا فى مكاتبتها، فقضى فى ولدها ان يعتق من سيدها
مثل الذى عتق منها، ويرق منه مثل الذى رق منها((242))،
وكان(ع) يستسعى المكاتب لانهم لم يكونوا يشترطون ان عجز
فهو رق. وفى قضيه رجل كاتب مملوكه واشترط عليه ان ميراثه
له، فرفع ذلك الى على، فقضى بابطال الشروط وقال: شرط اللّه
قبل شرطك((243)).
فالكتابه اذن تدخل فى قائمه طرق الاثبات، او وسائله، فى قضاء
الامام على‏بن ابى طالب(ع). ومن الامور التى اورد الفقهاء
ذكرها، فى هذا المقام، الزام الورثه بالمكتوب فى
الوصيه((244)) ووفقا لضوابطها وما الى غير ذلك. وقد كبر
حجم المحررات الكتابيه ودورها فى المعاملات بين الناس
-بفعل تطور الحياه وتعقدها- واضحت الكتابه اكثر اهميه فى
عصرنا الراهن، لا فى المسائل الجزائيه فحسب بل فى المسائل
المدنيه ايضا، بفعل كثره تزوير المحررات الكتابيه وتزييف
العمله الورقيه واعطاء صكوك من دون ارصده، وما الى ذلك
من الجرائم، وخصوصا المستحدثه منها.
المبحث الرابع اليمين:
اليمين، فى اللغه، تعنى القوه، اذ يتقوى به احد الطرفين، كون
الادعاء مثار ايه دعوى يتردد اصلا بين الصدق والكذب، فيقوى
باليمين، وهى الحلف باليمين او باسمائه تعالى
الجليله((245)). وقد ورد ذكرها فى القرآن الكريم، حيث يقول
تعالى: (واوفوا بعهد اللّه اذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد
توكيدها وقد جعلتم اللّه عليكم كفيلا)((246)).
فتحليف اليمين يقتضى ان يكون، فيما بين المسلمين، باللّه
تعالى، او باحد اسمائه الجليله، اما فيما بين غيرهم من
الكتابيين فان قضاء الامام يشير الى جواز الحلف بغير اللّه بما
يستحلفون به، اذ انه(ع) استحلف يهوديا بالتوراه((247)) لان
ذلك لا يشكل ايه مخالفه لقواعد الاسلام ما دام يقر بالتوراه
كونه من الكتب السماويه المقدسه.
والاصل، فى اليمين، ان توجه الى المدعى عليه، ذلك لان
المدعى ليس عليه غير تقديم دليله او بينته لاثبات ما يدعيه
فى مجلس القضاء، فان لم تكن له بينه الزم المدعى عليه، عند
الانكار، او السكوت، باليمين بناء لطلب المدعى او رضاه.
وهذا ما ينص عليه الحديث الشريف (البينه على المدعى
واليمين على من انكر)((248)) فان حلف، حسمت الدعوى
بالرد، وان نكل عنه، فهنا على القاضى ان يرد الحلف على
المدعى، فان حلف حكم له((249)). وقد روى عن
الرسول(ص)قوله: (من حلف لكم باللّه على حق فصدقوه، ومن
سالكم باللّه فاعطوه، ذهبت اليمين بدعوى المدعى ولا دعوى
له)، فالمدعى اذا ما طلب يمين المدعى عليه، فليس له
والحاله هذه بعد ذلك تقديم البينه((250)).
اما بصدد الاخرس، ففى احدى قضايا الامام روى انه كتب
للاخرس عباره: واللّه الذى لا اله الا هو -الى آخر الصيغه المراد
تحليفه بها فى القضيه عنها- وغسلها، ثم امر الاخرس ان يشرب
الماء الذى غسلت به صيغه اليمين، فان امتنع عن الشرب عد
امتناعه نكولا والزمه بالحق وكان موضوع هذه السابقه متعلقا
بدين((251)).
واليمين قضى بها الرسول الكريم والامام على مع الشاهد، كما
سلف القول فى مبحث الشهاده، حيث ان اليمين فى هذه
الحاله هى يمين متممه، اذ تقوى الشهاده الواحده، وهناك اكثر
من سابقه للامام فى مسائل الدين وغيره من الحقوق الشخصيه
قضى فيها باليمين مع الشاهد الواحد((252)).
هذا مع ملاحظه ان اليمين اما ان تكون على النفى، وهى
وظيفه المنكر المشار اليها فى الحديث النبوى: (اليمين على
من انكر) واما على الاثبات على اختلاف صورها، سواء اكانت
لعانا او قسامه من المدعى او مع الشاهد الواحد او يمينا مردوده
على المدعى بالرد او النكور او يمين استظهار، ولكل من هذه
الانواع احكامها التى سردت الموسوعات الفقهيه
تفاصيلها.ومجمل القول هنا هو ان موضوع اليمين ينصب على
الحق المحلوف من اجله، وبه تحسم الدعوى اثباتا او نفيا،
ويشمل موضوع اليمين كافه الحقوق عدا حقوق اللّه المتعلقه
بالحدود والقصاص المتعلق بالعظم، اذ يروى ان الامام عليا(ع)
اتاه رجل ومعه آخر متهما اياه انه قد قذفه من دون ان تكون له
بينه، وطلب من امير المومنين استحلافه فاجابه انه لا يمكن
فى حد ولا قصاص فى عظم((253)).
فاليمين، فى قضاء الامام، انما هى من الوسائل التى توثق من
ادعاء الحالف لفصل الخصومات وانهاء المنازعات. ونختم هذا
المبحث بسابقتين من قضاء الامام على‏بن ابى طالب(ع)،
الاولى تخص ادعاء الانصاريه التى طلقها زوجها المتوفى كون
الوفاه حصلت فى عدتها واقامت البينه عند الخليفه عثمان
بميراثها، فعرض قضيتها على الامام فقضى بان عليها ان
(تحلف انها لم تحض بعد ان طلقها ثلاث طلقات
وترثه)((254)) وذلك توثيقا لادعائها.
اما السابقه الثانيه للامام فتنصب على قضيه الرجلين اللذين
اختصما اليه فى دابه فى ايديهما، واقام كل منهما البينه
بالتكافو، فحلفهما فحلف احدهما وابى الاخر ان يحلف فقضى
بها للحالف، فقيل له: فلو لم تكن فى يد واحد منهما واقاما
البينه، فقال: احلفهما، فايهما حلف ونكل الاخر جعلتها للحالف،
فان حلفا جميعا جعلتها لهما مناصفه، قيل: فان كانت فى يد
احدهما واقاما جميعا البينه -اى تعادل الطرفان فى ما بينهما-
قال: اقضى بها للحالف الذى هى فى يده((255)).
وبناء على ما تقدم فان اليمين، فى حقيقته، لم يشرع لاثبات
الواقع او الكشف عن حقيقه، انما شرع لتوثيق الادعاء بغيه
الفصل فى الخصومات وحسم الدعاوى والا لتابدت المنازعات.
لهذا نجد الامام عندما ياتيه الخصمان بادله متقابله ومتكافئه
فى قوتها الاثباتيه فانه يلجا الى طريق القرعه بينهما على ايهما
يصير اليمين وكان يقول: (اللهم رب السموات السبع
والارضين السبع ايهما كان له الحق فاداه اليه ثم يجعل للذى
يصير عليه اليمين اذا حلف)((256)).
ويروى عنه قوله: حلفوا الظالم اذا اردتم يمينه بانه برى‏ء من
حول اللّه وقوته فانه اذا حلف بها كاذبا عوجل العقوبه، واذا حلف
باللّه الذى لا اله الا هو لم يعاجل لانه قد وحد اللّه
تعالى((257)). ذلك لان اليمين -كما المحنا- يلجا اليها،
بوصفها وسيله اخيره عند عدم توفر الدليل العادى من البينات،
لهذا نجد الرسول الكريم يقول: (انما اقضى بينكم بالبينات
والايمان)((258))، فان لم تتوفر البينه التى تبين الحق
وتكشفه يصار الى اليمين، وهى دائما على القطع وكل ما جازت
به الشهاده جاز الحلف عليه((259)).
المبحث الخامس القرينه: