القرينه، لغه من المصاحبه، وقد قيل، فى المثل: قرين الشى‏ء، او
شبيهه، منجذب اليه، لانه صاحبه. اما فى مصلح الفقهاء فهى
الاماره البالغه حد اليقين او التى تجعل الامر فى حيز المقطوع
به((260)) عاده. فهى -والحاله هذه- ما يحصل منها العلم
باللزوم العقلى، فمن يدعى بان هذه الغزاله ملك له، منذ مده
سنه، وتبين من ظاهر حالها ان عمرها شهران او ثلاثه امر يلزم
العقل بعدم قبوله، بينما لو كان عمرها اكثر من سنه لدلت
قرينه وجودها بحيازته على كونها مملوكه له. ومن له يد على
الشى‏ء الذى يدعيه فان ذلك يشكل قرينه على ملكيته، كما
تبين لنا من قضاء الامام فى مساله الدابه المتنازع عليها((261)).
والقرينه، فى حقيقتها، من طرق الاثبات التى يعتد بها الشارع
الاسلامى، وهى اما ان تكون موضوعيه او تكون شرعيه،
والقرائن الموضوعيه يطلق عليها ايضا القرائن القضائيه وهى
تلك الامارات التى تدل على امر مجهول هو المعنى نفسه الذى
يقول به رجال القانون، حيث يعرفونها بانها: استنباط القاضى
لامر مجهول من امر معلوم((262))، فوجود سوابق للمتهم
مثلا، او وجود عداء سابق بينه وبين المجنى عليه، يشكل قرينه
فى احيان كثيره((263)) على ارتكابه الجريمه ضد المجنى
عليه.
اما القرائن الشرعيه فهى وقائع ثابته جعلها الشارع داله على
وقائع اخرى((264))، ومثالها قوله تعالى: (وجاءوا اباهم عشاء
يبكون. قالوا: يا ابانا انا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا
فاكله الذئب(...) وجاءوا على قميصه بدم كذب)((265))، فهذا
النص المقدس حكم بالامارات، اذ ان اخوه يوسف(ع) وضعوا
اخاهم الصغير يوسف، فى بئر وعادوا الى ابيهم يعقوب، وادعوا
امامه بان الذئب قد اكله، ولاثبات دعواهم هذه قدموا له قميصه
الملطخ بالدم وهم يبكون تالما على فقده. فهم هنا قد قدموا
واقعه ثابته هى الدم الذى لوحظ على قميص يوسف وارادوا
منها اقناع والدهم بواقعه اخرى هى اكل الذئب ليوسف، ولكن
هذا الاستدلال ابطل باستدلال اقوى، اذ قال لهم يعقوب: (ما
كان اشد غضب ذلك الذئب على يوسف واشفقه على قميصه
حيث اكل يوسف ولم يمزق قميصه)((266))، فاستدل بهذه
القرينه الاقوى على كذبهم.
وفى نص قرآنى آخر، قال سبحانه وتعالى: (وشهد شاهد من
اهلها ان كان قميصه قد قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين
وان كان قميصه قد قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين) كما
جاء فى قصه يوسف(ع) مع زوجه فرعون مصر، فالقصه تدلنا
على ان فرعون مصر عندما اجرى التحقيق فى دعوى زوجته
بان يوسف راودها عن نفسها، فان احد وزرائه عرض عليه فكره
ملاحظه موضع الشق فى قميص يوسف، ولما تبين انه شق من
الخلف توصل، من خلال هذه القرينه، الى انها قد اضمرت
الحقد له شان مثيلاتها وكيدهن لعظيم((267)) فاستدل
بواقعه شق القميص من الخلف على صدق يوسف.
ويروى عن الرسول الكريم، عندما سئل ذات يوم عن اللقطه، انه
قال: (اعرف وكاءها((268)) وعفاصها((269)) ثم عرفها سنه،
ولتكن وديعه عندك فان جاء صاحبها فعرف عفاصها ووكاءها
فاعطها اياه((270)))، فمثل هذا التعريف اذا ما طابق الحقيقه
فانه يمثل قرينه موضوعيه على كونه مالكها فعلا.
ومن خلال استقراء قضايا امير المومنين(ع)، فى جزئيات
المسائل، نجد انه اعتمد القرينه ايضا طريقا للاثبات فى بعض
شذراته القضائيه، فكان يستنبط من وقائع الدعوى احيانا قرائن
يتوصل بها الى كشف الحقيقه.
ففى المجال الجنائى هناك عدد، من السوابق القضائيه
الموروثه عنه، حكم فيها استنادا الى القرينه نذكر منها قضاءه
بقبول القى‏ء قرينه داله على شرب الخمر -كما ذكرنا فى
مبحث الشهاده- كما قضى بان واقعه الحمل تشكل قرينه على
حصول واقعه الزنى((271)).
اما فى المجال المدنى فلقد قضى بان حيازه الشى‏ء تمثل قرينه
على ملكيه من بيده ذلك الشى‏ء((272)).
ولا بد من القول بان للقرائن صورا عديده من المناسب التطرق
الى ما عثرنا عليه منها فى درر سوابقه القضائيه، وذلك فى
الفقرات التاليه:
اولا القيافه:
القيافه قسمان: قيافه الاثر وقيافه البشر. اما قيافه الاثر فهى
علم يبحث فى تتبع آثار الاقدام والاخفاف والحوافر المقابله
للاثر، وتسمى العيافه، وهى اهم موضوعات التحقيق الجنائى
العربى، فقد روى ان بعضهم كان يفرق بين اثر اقدام الشاب
والشيخ، وبين قدم الرجل والمراه والبكر والثيب. اما قيافه البشر
فهى الاستدلال بهيئات اعضاء الشخصين على المشاركه
والاتحاد بينهما فى النسب والولاده وسائر احوالهما الخلقيه،
وكان بنو مدلج، وهم بطن من كنانه، من اعلم العرب فى قيافه
البشر((273)).
فالقيافه اذن تدخل فى باب القرائن، لان استطلاع اثر هذا
الرجل او اعضائه، ومقارنتها اثر ذاك او باعضائه، بغيه معرفه ما
اذا كان احدهما ينتسب للاخر، او ينتمى اليه، نوع من القرائن
التى تتطلب خبره معينه فى هذا الخصوص. لهذا اعتبرت
القيافه طريقا من طرق الاثبات فى الانساب لتفادى مشاكل
انقطاعه((274)) وتجنب ما يثيره من منازعات((275)).ويذكر
بعض الباحثين ان الرسول(ص)اخذ بها، ففى قضيه انكر فيها
الحارث انتساب ولده اسامه اليه، كونه اسود الوجه، فامر الرسول
الامين باحضار رجل ماهر فى القيافه هو مجزر المدلجى،
ووضع اسامه وزيدا امامه بعدما غط‏ى وجه كل منهما بمئزر،
وقال: يا مجزر تامل هذه الارجل، فقال: ان هذه الارجل بعضها
من بعض، وبهذا فقد دفع عنهما شبهه الطعن فى انتسابهما
للحارث لاختلاف اللون بينهما((276)).
كما يذكر ان الامام عليا(ع) اقتدى بهدى الرسول الكريم، اذ قرر
الحكم باثبات النسب بالقيافه فى اكثر من قضيه((277)) من
دون ان اعثر على ما يويد الاتفاق فى ذلك. وقد علل الامام(ع)
عله اختلاف لون الوليد عن لون والديه الى مجامعه الاب لامه
اثناء حيضها، ففى قضيه عرضت عليه ايام خلافه عمربن
الخطاب كان الاب قد نفى ابوته لوليد له اسود، وعندما عرف
الامام ان الاب كان يواقع زوجته ايام حيضها، قرر نسبته اليه
معللا حكمه هذا بان سواد لون الابن راجع الى عدم طهاره امه
اثناء الجماع بها من زوجها حيث كانت حائضه((278)).
وفى قضيه مشابهه جاء رجل بامراته التى ولدت له غلاما ابيض،
وهما اسودان. وعندما ساله عن حاله اجاب انه اتاها، وهى
طامث. لهذا قرر الامام ان الابن ابنهما، وقال لهما: (فانه ابنكما،
وانما غلب الدم النطفه، ولو قد ترك اسود فلما ايفع
ابيض)((279)).
ثانيا الفراسه:
الفراسه هى من القرائن الموضوعيه التى يفطن اليها من اللجاج
والامارات وظواهر الملامح والاشياء، فيستنبط منها امرا ما
ويستدل بها احيانا على حقيقه معينه. ولقد ورد ذكرها فى
كتاب اللّه العزيز، فى قوله تعالى: (ان فى ذلك لايات
للمتوسمين)، فالفراسه مبنيه على العلامات والامارات
المرتسمه على الانسان وعلى الحدس، فالمتهم عندما
يستجوب قد يتغير وجهه، وقد يتصبب عرقا فى فصل الشتاء
بفعل مباغتته، او مفاجاته، بسوال معين. وقد يتلكا فى كلامه او
ينعقد لسانه فلا يستطع النطق رغم ظهور محاولات الاجابه..
فهذه قرائن تفصح عن اشياء، وقد تدل على حقائق مجهوله
احيانا. ويعزز من قيمه مثل هذه القرائن اذا ما عرف المتهم بانه
صاحب سوابق اجراميه او تحقيقيه تثير الشبهه مثلا.
ومن السوابق القضائيه التى اعتمد قضاء الامام على فيها على
الفراسه نذكر شكوى كان قد تقدم بها احد الفتيان، مدعيا ان
امه انكرت بنوتها له، وكانت من قبيله قريش. وعززت انكارها
للفتى بشهاده اخوتها مع اربعين نفر من قومها قسامه((280))
وعندما تفرس الامام فى وجهها ووجه الفتى، بادر(ع) بمفاجاه
من كان حاضرا من ذويها فى مجلس قضائه بالحكم بان امر
بعقد قرانها على الفتى، على مهر قدره اربعمائه درهم نقدا،
وامر بتسليمه من بيت المال الى الفتى. فهنا لم تتمالك المراه
نفسها واعترفت قائله: (ياابن عم محمد، تريد ان تزوجنى من
ولدى هذا؟!). ثم اعترفت له بان الذى اجبرها على انكاره هم
اخوتها المذكورين((281)) فالامام هنا ما كان ليصل الى
اكتشاف هذه الحقيقه لولا دقه فراسته، ولربما لاحظ فى وجه
المراه ما ينم على خوفها من اخوتها وابناء عشيرتها، فمن
يدرى؟
ثالثا الحالات النفسيه والانفعالات العاطفيه:
وهذه تدخل ضمن قائمه القرائن التى يستدل بها على امر
معين، فقد سلف وتطرقنا الى حادث النزاع الذى حصل بين
امراتين تدعى كل منهما امومه طفل حديث الولاده من دون
بينه، فامر الامام على باحضار منشار لقد الطفل نصفين، لتاخذ
كل منهما النصف ولما تنازلت احداهما عن حصتها، رافه
بالطفل، ومقابل ان يبقى حيا، اعتبر ذلك قرينه على ان الطفل
ابنها وحكم لها به. فانفعالها العاطفى هذا وتنازلها عن حصتها
لغريمتها لقاء عدم قد الطفل يمثل قرينه فاعله على كونها هى
الام الحقيقيه ولا تفسير آخر له.
ومن الحالات النفسيه نذكر، ايضا، حادث النزاع الذى حصل
بين شخصين كل منهما يدعى انه سيد صاحبه، ولم يكن لدى
اى منهما ما يثبت ادعاءه، فطلب الامام من قنبر ان يثقب جدارا
ثقبين، ثم امر ان يدخل كل منهما راسه فيهما، ثم قال: يا قنبر
على بسيف رسول‏اللّه، عجل به، واضرب رقبه العبد منهما، وهنا
اخرج احدهما دون الاخر راسه من الثقب بشكل لا شعورى
فاستدل بذلك على انه العبد، اما الذى مكث فى الثقب فهو
السيد((282)). ، فلولا دافع الخوف من ان يوخذ راسه ظنا منه
باكتشاف امره لما اخرج راسه من الثقب بعد شعوره بالخطر
-الموهوم‏الذى احدق به.رابعا ما تعارف عليه الناس:يستفيد
القاضى مما تعارف عليه الناس فى اصدار الحكم، فامتعه
الزوجيه واثاثها، مثلا، لا يصح ان يدرج فى قائمتها السلاح او
ادوات مهنه الزوج، لان الشاهد العرفى عليها يشهد بانها للرجل
بينما الجواهر والقطع الذهبيه وغيرها مما تتخذه المراه زينه
لها يحكم بها للمراه، اذا لم يدحضها ما هو اقوى من قرينه مثل
هذا العرف.ومن السوابق القضائيه التى يصح الاستشهاد بها هنا،
للامام على، قضيه الرجل الذى ادعى العمى وفقدان حاسه
الشم نتيجه ضربه شديده وجهها اليه المشكو منه فى
هامته((283)).   فكان قضاء الامام فيها الطلب من المشتكى رفع
راسه ووجهه امام عين الشمس، فان كانت عينه صحيحه فانه
لن يقوى على مواجهه اشعه الشمس من دون اغماضها. اما
فقدان الشم فقد طلب الامام بجلب ما هو شديد الرائحه
-كالبصل الحار- ووضعه قرب انف المدعى، فان كانت حاسته
سليمه فلا بد من ان يظهر تحسسها فيه وفى غدده الدمعيه،
فهذا يمثل قرينه على كذب دعواه، ذلك لان المتعارف بين
الناس ان عين الانسان الصحيحه لا تستطيع ان تواجه ضوء
الشمس، وتبقى مفتوحه، كما ان شده الرائحه تثير حساسيه
العين والانف ايضا.
ولنكتف بهذا القدر من الامثله من دون الاسترسال او التوسع
الذى يخرجنا عن خطه الكتاب، مع ملاحظه ان هناك صورا
اخرى للقرينه، مثل بصمات الاصابع والوشم على الجلد ومساله
الحاله الراهنه لموضوع النزاع، اذ قد يكون قرينه على صدق
دعوى الخصم، وذلك عملا بما يعرف بمصطلح الاستصحاب
المقلوب الذى يعنى سحب حاله الماضى الى واقع الحاضر او
ابقاء ما كان على ما كان، وما الى ذلك من امور افاض الفقهاء فى
بحثها فى موسوعاتهم الاصوليه، فيمكن لمن شاء مراجعتها.
المبحث السادس المعاينه والكشف:
الكشف على الشخص، او الشى‏ء، ومعاينته من قبل القاضى او
الخبير المعين من قبل المحكمه او الخصوم لبيان خبرته
-علميه كانت ام فنيه ام ادبيه- فى الواقعه وما يستشفه من
معلومات على ضوء خبرته ودرايته بهدف التثبت من ادعاء
معين او حقيقه ما، امر نستلهمه من قضاء الامام على من خلال
بعض سوابقه((284)) فهذه الوسيله اعتمدها طريقه من طرق
الاثبات. ولناخذ مثلا القيافه فهى فى حقيقتها تعتمد على
المعاينه والكشف من قبل خبير مختص فى هذا الحقل، لا بل
ان القاضى الاسلامى يحتاج الى ان يعاين اثناء سير الدعوى
الواقعه الماديه المتنازع عليها وان يكشفها بنفسه، كما ان له ان
يعين خبيرا لتقديم خبرته التى يصح للقاضى لا قبولها فحسب
بل رفضها اذا ما وجد ما يسوغ ذلك((285))، وهذا هو الاتجاه
المعمول به فى التشريعات المعاصره، ويويده الفقه
والقضاء((286)).
فاذا كان المنطق يقضى بوجوب الكشف على مكان الحادث
المتنازع عليه او الذى تمت فيه الواقعه موضوع الدعوى، ولتكن
جريمه القتل مثلا كى تضبط الاله المستعمله، او تصوير بصمات
الاصابع التى تركها الجانى لعرضها على خبير البصمات، او
ضبط المقذوف النارى او الحشوه الفارغه للسلاح المستعمل،
بغيه فحصها من قبل خبير الاسلحه الناريه بغرض مطابقتها مع
ما يكتشفه الطبيب العدلى فى جسم القتيل، وهو من
مستلزمات التحقيق، بغيه جمع الادله وصولا الى كشف حقيقه
الحادث، فكيف يتم كل ذلك اذا لم يتم الانتقال الى المكان
المذكور ومعاينته؟
واذا كانت مثل تلك الوقائع تحصل فى الحياه اليوميه لبنى
البشر واخذت تزداد مع الايام، فان توجه الامام على الى الفحص
والاختبار والمعاينه من قبل خبير معين لبيان خبرته ودرايته
فى مساله معينه، امر لا غبار عليه. فلقد حدثنا التاريخ عن
قضيه اخذت من شريح منتهى عجبه واستغرابه، وذلك عندما
جاء اليه احد الاشخاص قائلا: زوجنى ابى على انى انثى، وابتعت
جاريه تخدمنى، فافضيت اليها فحملت منى. فعرض شريح
القضيه على امير المومنين على‏بن ابى طالب، فقرر(ع) تعيين
عدلين من المسلمين، وامرهما بالحضور فى بيت خال من
السكن، واحضر امراتين للكشف عن عوره ذلك الشخص،
وطلب من العدلين مراقبه الامراتين فى مدى تنفيذ ما طلب
منهما. وبعد التيقن من ان ذلك الشخص يحمل اعضاء
الجنسين وخصائصهما الحقه بمراتب الرجال كون صفه
الذكوريه غالبه فيه وجعل حمل الجاريه منه والحقه
به((287)).
وفى قضيه اخرى((288)) مجملها ان امراه اتهمت بالزنا، وجى‏ء
بها الى امير المومنين(ع)، فامر النساء بالكشف عليها للوقوف
على حقيقه الاتهام المسند اليها، فقلن بعد الكشف والمعاينه
انها عذراء لسلامه غشاء بكارتها وهن اعرف بامور جنسنهن
وخصائصه. فهذه المعاينه التى توجه الى تقريرها الامام على(ع)
تمثل دليلا فى قضائه اعتمده فى اثبات براءه تلك المراه من
الاتهام الذى نسب اليها.
فالمشاهده اذن تعد من اصول الاثبات عند الامام على(ع) سواء
اكانت من قبل طبيب شرعى او من غيره من الخبراء، وذلك
تبعا لاختلاف الواقعه المراد معاينتها، ولكل خبره
خبيرها((289))، حيث ان مجال الخبره يظهر فى عده صور،
ففى المسائل الجزائيه نذكر بصمات الاصابع وآثار الاقدام
والبقع وآثار الاسلحه ووسائط النقل((290)) وقد يشترك
بعضها مع المسائل المدنيه وقد لا يشترك، ومن هذه المسائل
الاخيره نذكر آثار تجاوز البناء او شق الترع والمرور، وما اليها،
مما يتنازع فى صدده.
المبحث السابع القرعه:
القرعه من الوسائل التى تساعد على كشف الحقوق وحسم
النزاع، وقد حدثنا القرآن الكريم عن توجه بعض الانبياء اليها اذ
جاء فى قوله تعالى عن زكريا وكفالته لمريم العذراء: (وما كانت
لديهم اذ يلقون اقلامهم ايهم يكفل مريم)، وعن النبى يوسف
قال تعالى: (فساءهم فكان من المدحضين). وفى قضاء الرسول
الكريم ما يشير الى توجهه اليها فى بعض المنازعات، وكان
يقول ما ملخصه:
انما اقضى بينكم بالبينات والايمان، مع ان ثبوت اليمين فى
من اخرجته بالقرعه له اولويته، كما جاء فى جواهر الكلام الذى
جاء فيه ايضا: (انه لما كانت القرعه تصيب وتخط‏ى‏ء، لهذا
يقتضى ان تقوم على النيه الخالصه ووجوب معرفه مواضعها
وكيفيتها لان مردها اساسا الى اللّه وبخالص النيه).
وقد اعتمد على بن ابى طالب(ع) القرعه فى بعض قضاياه،
فعند مراجعه شذرات من سوابقه نجده قد اخذ بالقرعه فى
موطنين:
الاول: فى المسائل المشكله، او القضايا العويصه الغامضه، التى
اسفر عنها مبدا (كل امر مجهول فيه القرعه)((291)).
اما الثانى: فينصب على القضايا التى تتعارض فيها البينات
والتى لا مرجح شرعيا بينهما.
ففى القضايا الغامضه، ذات الاشكاليه الواضحه، نذكر من سوابقه
اليتيمه قضيه الدار التى انهدمت على ساكنيها فى اليمن، ولم
يبق من سكانها حيا سوى صبيان احدهما حر والاخر مملوك،
ولم يعرف ايهما الحر من المملوك، فاسهم الامام بينهما قرعه
فخرج السهم على احدهما، فجعل له المال الذى تركه له اهل
الدار واعتق الاخر((292)).
ومن سوابقه(ع) نذكر الروايه التى تقول ان الرسول
الكريم(ص)ساله عند عودته من اليمن عن اعجب ما ورد عليه
من القضايا، فقال: يا رسول‏اللّه، اتانى قوم قد تبايعوا جاريه
فوطئها جميعهم فى طهر واحد فولدت غلاما فاحتجوا فيه
كلهم يدعيه، فاسهمت بينهم فجعلته للذى خرج سهمه
وضمنته نصيبهم. فقال الرسول: ليس من قوم تنازعوا ثم
فوضوا امرهم الى اللّه الا اخرج سهم المحق((293)).اما القضايا
التى تعادلت فيها البينات والتى لا مخرج شرعيا لها، ولا مرجح
فيها، فمن قضائه فيها انه اتاه رجلان يختصمان بشهود عدل
متساوين بالتقابل، فاقرع الامام بينهم على ايهم يصير اليمين،
وكان يقول: اللهم رب السماوات السبع، ايهم كان الحق له فاده
اليه، ثم يجعل الحق للذى يصير عليه اليمين اذا حلف وفى
موثق سماعه((294))، اما فى حاله امتناعه عن الحلف احلف
الاخر وقضى له وان نكلا قضى به بينهما((295)). وفى قضيه
مماثله((296)) جاء فيها ان رجلين اختصما فى دابه فادعى كل
واحد منهما انها له وقدم بينته وكانت البينتان متعادلتين
ومتعارضتين، فاقرع بينهما سهمين بعد ان وضع فيهما علامه،
ثم قال:
اللهم رب السموات السبع، ورب الاراضين السبع، ورب العرش
العظيم عالم الغيب والشهاده، الرحمن الرحيم، ايهما كان
صاحب الدابه وهو اولى بها، فاسالك ان تخرج سهمه فخرج
سهم احدهما فقضى له بها، وقد استلهم العديد من الفقهاء
والاعلام من السلف الصالح من السوابق القضائيه للامام فى هذا
الجانب محصلتها بالشكل الذى ادى بهم الى استنباط قاعده
فقهيه موداها انه: (لا قسمه فى الشى‏ء المحدود بتعارض
البينات بدون قرعه)((297)).
المبحث الثامن الطرق المعتمده على العلم
ومستحدثاته:
مما لا جدال فيه ان الاثبات يتطلب استظهار كافه الوقائع التى
تودى الى كشف الحقيقه وصولا الى احقاق الحق والعداله.
ومثل هذا الاستظهار يدخل فى باب الواجب الذى على القاضى
مراعاته. وحيث ان ما يعرف به الواجب واجب -كما اسلفنا- فان
بذل القاضى جهده لغرض كشف حقيقه النزاع المعروض امامه
اذ (لا يكتفى بادنى فهم دون اقصاه) لما تحصل لديه من ادله
فى مجلس كى يستند اليها فى حكمه الذى سيصدره اذ لا
حكم من دون دليل ولا قناعه بلا تعليل امر لا مراء فيه.
والحق ان العمليه القضائيه، عند الامام على(ع)، توكد لنا انه لم
يال جهدا فى خوض الغمرات لكشف المبهمات والاخذ بايه
وسيله متاحه لديه ومقنعه للاثبات حتى لو كانت قد اعتمدت
العلوم البحته كالطب والكيمياء او الفيزياء، ما دامت مقبوله
شرعيا، حيث كانت تزوده بحلقه ذات قوه اثباتيه بذاتها او انها
تقوى حلقه ضعيفه اخرى وتدعمها((298)). فقد سبق واشرنا
الى القضيه التى نفى فيها الشيخ افتضاضه لبكاره زوجته الشابه
وانكر بالتالى حملها منه، فكان حكمه(ع) فيها: ان للمراه ثقبين
احدهما للمحيض والاخر للبول، فلعل الشيخ كان ينال منها
فسال ماوه فى سم -اى ثقب- المحيض فحملت منه -وهذه
حقيقه علميه اثبتها الطب الحديث- لهذا قرر بان الحمل له
والولد ولده((299)) والدليل الذى استظهره هنا يقوم على علم
الطب، ونقل ابن طاووس فى الملاحم والفتن انه كان لرجل
جاريتان، وقد وضعهما فى دار واحده فولدتا فى يوم واحد
وتحاكمتا اليه(ع)، اذ ولدت احداهما ذكرا والاخرى انثى
وادعت كل منهما انها ام الذكر، فوزن حليب كل من المراتين
فكان احد الحليبين اخف فقرر لصاحبه اللبن الخفيف بالبنت
ولصاحبه اللبن الثقيل بالذكر((300)). ثم اضاف قائلا: ان اللّه
حط المراه عن الرجل فجعل عقلها وميراثها دون عقله وميراثه
و كذلك لبنها دون لبنه((301)) فقد اعتمد هنا على خصائص
حليب الام شانه شان اعتماده على خصائص بياض البيض وما
يميزه عن الماده المنويه فى القضيه التى سبق ذكرها، فى
مبحث الكفاءه العلميه للقاضى من هذا الكتاب.
الفصل الثالث:قرار الحكم عند الامام على
المعلوم ان القاضى بعد انتهائه من سماع حجج الخصوم
وبيناتهم ودفوعهم، علاوه على طلبات اطراف الدعوى واقوال
من له علاقه بها، لا بد من ان تكون قد تكونت لديه قناعه معينه
بشان موضوع النزاع فيها، وبانت له حقيقته وبالتالى تكون
الدعوى عنده قد تهيات للحسم.
والطريق الطبيعى لحسمها وانهاء الخصومه فيها يكون باصدار
قرار حكمه النهائى فيها على نحو ملزم. وهذه هى المهمه
الاساسيه والنتيجه التى ينتظرها منه اطراف النزاع، فما هو
مفهوم الحكم هذا؟ وما هى عناصره فى المنظور الاسلامى؟ وما
هو منهج الامام على فى تنفيذه؟ وفى سبيل الاجابه لا بد من
بحث الامر فى جانبين، وهذا ما سيقوم عليه المبحثان التاليان:
المبحث الاول مفهوم الحكم:
يعرف الحكم بانه اخبار عن حكم اللّه تعالى يصدره القاضى فى
صيغه قرار يفصل به النزاع المعروض، فتنتهى به الخصومه
وتحسم الدعوى((302)) وذلك باحد حلين -كما المحنا-
الاول اجابه طلبات المدعى فى ما يسمى بقضاء الالزام او قضاء
الاستحقاق وغالب الاحكام هى الزام((303)).
اما الحل الثانى فينصب على رفض طلب المدعى ومنع
منازعته للمدعى عليه فى ما يسمى بقضاء الترك او
الاطلاق((304)) كالحكم باطلاق المحبوس((305)) -اى
الموقوف رهن التحقيق فى المصطلح القانونى المعاصر- لعدم
ثبوت الحق عليه او ابقاء صاحب اليد يده على الشى‏ء ومنع
منازعته فى ملكيته من قبل المدعى.
ولم يكن فى نهج الامام على(ع) شكل معين لصيغه القرار
بالحكم، فهو يقوم على تعبير يودى الى احقاق الحق وتنفيذ
حكم الشرع فى اسرع وقت ممكن لايصال كل ذى حق الى
حقه. ومن خلال استعراض قضايا الامام فان الذى نستدله من
شذراته القضائيه وسوابقه العدليه ان قرار الحكم فيها يقوم على
العناصر التاليه:
1 - وقائع الدعوى والادله التى تثبت وجودها عبر مجريات
المرافعه او التحقيق فان لم تتوفر الادله الكافيه التى تعزز ادعاء
المدعى يصار الى يمين المدعى عليه عاده للحسم وانهاء
الخصومه.
2 - تكييف تلك الوقائع ووصفها بالوصف الشرعى المناسب، اذ
لا تصح الاستنباطات الظنيه كما علمنا.
3 - تطبيق حكم اللّه تعالى على تلك الوقائع اتباعا لقوله تعالى:
(يحكم به ذوا عدل منكم). وتطبيق حكم اللّه هو العدل عينه،
وقد سلفت الاشاره الى ما جاء فى وصيه الامام على(ع) الى
كميل‏بن زياد، وهى: (يا كميل لا تاخذ الا عنا تكن منا)، لان
اهل بيت الرسول -والامام على ياتى فى مقدمتهم- هم اقرب
موردا واوثق مصدرا لعلم الرسول الامين.
فاستنباط الاحكام النظريه، بوصفها حلولا عمليه لجزئيات
القضايا المطروحه فى ساحات القضاء، يقتضى ان تتم على ضوء
احكام البارى المستمده من اصولها المعتبره، او من سنه كان
الامام اعلم بها من غيره، لهذا وصفه نبى الامه بانه اقضى الامه
واعلمها بالفقه والشريعه، لا بل (كان اقدرهم على تطبيق
احكامها)((306))، وادقهم فى التعليل والتسبيب، ولعل خير
شاهد على عمق تسبيبه للاحكام ان نذكر تعليله النموذجى
الوارد فى عقوبه المسكر، اذ جاء فيه: (ان الرجل اذا شرب الخمر
سكر واذا اسكر هذى واذا هذى افترى فاجلدوه حد المفترى).
وهذا ما تفيده المصادر التى تطرقت الى قضائه(ع)((307)).
المبحث الثانى تنفيذ قرار الحكم:
التنفيذ هو الهدف من الحكم، وبه يتجسد مضمونه الى واقع
تنقل فيه الحقوق وتستوفى فيه الحدود، ولما كان قرار الحكم
ينصب على احد امرين اما مدنى او جزائى، فلا بد والحاله هذه
من بحثهما فى مطلبين مستقلين لاختلاف طبيعه التنفيذ
فى كل منهما.
المطلب الاول تنفيذ القضايا المدنيه:
يتم تنفيذ الحكم، فى المسائل المدنيه، بارجاع عين المدعى به
فى حاله وجوده او ابقائه بيد حائزه((308)) اما اذا كانت العين
فى يد الخصمين معا، ولكل منهما ادعاء فى ملكيتها من دون
بينه، فان الامام كان يميل الى تحليفهما على نحو ما اوضحنا
فى مبحث اليمين. والتنفيذ فى هذه الحالات يطلق عليه فى
مصطلح الفقه القانونى المعاصر التنفيذ العينى.
اما اذا استهلك الشى‏ء المدعى به فان تنفيذ الحكم فيه يتحول
الى البدل، وهو نوعان: بدل مثلى كالحبوب وبدل قيمى
كالفاكهه التى انتهى موسمها.
وفى حاله امتناع المحكوم من تنفيذ الحكم، فان كان هذا
الامتناع بسبب الاعسار فكان الامام يتعامل معه حسب حكم
الايه الكريمه (وان كان ذو عسره فنظره الى ميسره)((309))
وبخلافه فانه(ع) كان يامر بحبسه -شان المدين الموسر تماما-
اما عند تحقق اعساره او افلاسه فكان يطلق سراحه حتى
يستفيد مالا((310)).
اما بصدد ما اذا كان المحكوم عليه غائبا، فمن المتعذر تنفيذ
الحكم عليه لمجهوليه محل اقامته او لهروبه، وذلك عدا
العقارات. ولكن فى حاله ما اذا كان له كفيل فان الامام عليا(ع)
كان يقضى بحبس هذا الكفيل وسيله للضغط لاحضار
مكفوله((311)).
المطلب الثانى تنفيذ القضايا الجزائيه:
من خلال مراجعه سريعه للسوابق القضائيه للامام على(ع)،
نجد ان منهجه فى تنفيذ الاحكام الجزائيه يتم بشكل فورى،
باستثناء الجرائم الحديه التى يتولى الحكم فيها غيره. فقد
علمنا انه طلب من قاضيه شريح‏بن الحارث عدم تنفيذ ايه
عقوبه حديه الا بعد عرضها عليه، وذلك لجسامه العقوبه
وخطوره الجريمه الحديه التى يجب عدم تعديها او الاعتداء
عليها او تعطيلها بعد ثبوتها((312)). هذا فضلا عما اكتشفه من
حصول اخطاء جسيمه فى بعض مفردات قضاء شريح التى
نقضها الامام وصحح بعضها.
ومن المبادى‏ء المهمه المستنبطه، من قضاء الامام، انه لم
يعاقب عن الجريمه الواحده باكثر من العقوبه المقرره لها شرعا،
سواء اكانت هذه الجريمه حديه ام من جرائم القصاص والديه الا
اذا اكتنفتها ظروف مشدده كحاله السكر ايام شهر رمضان
المبارك مثلا((313)).
اما فى ما يخص الجرائم غير مقدره العقوبه، وهى الجرائم
التعزيريه فان امر العقوبه فيها متروك لولى الامر وللقاضى
الذى له سلطه تقرير العقوبه التى يراها مناسبه لكل جريمه
تعزيريه على حده، وذلك وفقا لظروفها وظروف مرتكبها وما
اكتنفها او اكتنف فاعلها من ملابسات. لهذا تصح المعاقبه عليها
باكثر من عقوبه واحده، فقد قرر الامام مثلا فى شاهد الزور
الغريب ارجاعه الى منطقه سكناه، فى حين قرر فى شاهد زور
سوقى ان يطاف به فى السوق ثم امر بحبسه اياما، ثم اخلى
بعدها سبيله((314)).
اما فى جرائم الاشتراك، ففى قضيه قتل، قرر الامام حكمه
باعدام القاتل الاصلى، قصاصا، فى حين ان مساعده الذى كان
دوره يتمثل بالامساك بالمجنى عليه تسهيلا للجانى فى قتله،
فقد امر بحبسه مدى الحياه((315))، وفى هذا الحكم دقه
متناهيه فى تطبيقه لاحكام البارى، فقد اقتص من القاتل بما
يماثل فعله، اما شريكه الذى ساعده فى الجريمه فلم يقتله قتلا
فوريا انما قتله قتلا بطيئا حيث قرر حبسه حتى
الموت((316)). ، وهذه عقوبه تعزيريه مناسبه حقا لفعله
الجنائى.
والاصل، فى قضاء الامام، فوريه تنفيذ العقوبات، وخصوصا فى
الحدود من دون اى تاخير او امهال، والا فلا يحكم عند عدم
كفايه الدليل، اذ قضى فى ثلاثه شهدوا على رجل بالزنا -كما
المحنا- فسال عن الشاهد الرابع اكمالا لنصاب الشهاده،
وعندما عرف منهم تاخيره اصدر قراره الفورى العادل:
(حدوهم فليس فى الحدود نظره ساعه)، كما جاء فى الوسائل،
حيث اقام عليهم حد القذف، كما قضى بعدم جواز الكفاله فى
الجرائم الحديه، حيث جاء فى احد قراراته: (لا كفاله فى
حد)((317)).
الا ان قاعده فوريه تنفيذ العقوبه فى المسائل الجزائيه ترد
عليها استثناءات كما تدلنا على ذلك سوابق الامام على(ع)،
ومنها:
ا- جاء، فى فروع الكافى وغيره((318)) من المصادر ان
الامام(ع) لم يسمح باقامه الحد على المريض حتى يبرا من
مرضه، فى العديد من القضايا، نذكر منها حادث المدان الذى
جلب اليه وجسمه مصاب بالقروح، فقرر بصدده: (اتركوه حتى
يبرا ثم اقيموا عليه الحد)، ولم يسبقه الى هذا سابق فيكون بهذا
قد جسد الجانب الانسانى للعقوبه فى ابهى صوره.
ب- وقضى، رضوان اللّه عليه، بعدم اقامه الحد على الحامل
حتى تضع حملها، فقد جاء فى ارشاد الشيخ المفيد ان الخليفه
عمر استشار عليا فى حكم اصدره باحدى الحوامل، وهو يقضى
بالرجم لثبوت الادله ضدها، فكان جواب الامام هو وجوب تاخير
تنفيذ الحد بحقها حتى تلد، معللا قراره هذا ببلاغته المعهوده:
(هب ان لك سبيلا عليها فاى سبيل على ما فى بطنها، واللّه
تعالى يقول: ولا تزر وازره وزر اخرى. فقال عمر: لا عشت
لمعضله لا يكون لها ابو الحسن)((319)).وهناك سوابق عديده
مماثله له تشير الى تاخير تنفيذ الحد على الحامل حتى تضع
حملها شريطه عدم الاضرار بالوليد، فان خيف عليه وجب ايضا
تاخير تنفيذ الحد بحق امه الى حين فطامه حفاظا على
حياته((320)).   اى انه(ع)، فضلا عن نظرته الانسانيه العميقه
ازاء الوليد، طبق مدلول الايه الكريمه (ولا تزر وازره وزر اخرى)
بشكل حى فى العمليه القضائيه التى لم تجنح التشريعات
الوضعيه الا اخيرا الى الاخذ به، وهو ما يطلق عليه، فى التعبير
المعاصر، مبدا (شخصيه العقوبه)، فكل يواخذ بجريرته لا
بجريره غيره((321)).
ج- وقضى، ايضا، بوجوب عدم اقامه الحد على الجانى فى ارض
العدو((322)) مسببا حكمه هذا بالقول: (لا اقيم على رجل حدا
بارض العدو حتى يخرج منها مخافه ان تحمله الحميه فيلحق
بالعدو)، كما جاء فى باب الحدود من كتاب الوسائل.
واخيرا، لا يخفى ما فى فوريه تنفيذ الاحكام، بوصفها قاعده
عامه، من حكمه، وتتضح هذه الحكمه بشكل اكثر فى حقوق
اللّه تعالى وحدوده لعدم الشفاعه فيها او المهادنه. اما فى حقوق
العباد((323)) فيتوقف تنفيذها على طلب المدعى او صاحب
الحق، فان عدوله يعنى عدم التنفيذ((324)) لان التراضى
يمنع العقوبه عاده، مع ملاحظه ان تنفيذ العقوبات لا يصح فى
الجامع او المسجد((325)).
الفصل الرابع:ملاحق فى العمليه القضائيه
للامام على بن ابى طالب
عرف المسلمون، الى جانب القضاء العادى الذى تطرقنا اليه فى
الفصول السابقه، نوعين آخرين من القضاء هما: قضاء المظالم
وقضاء الحسبه، وعند تصفح مطاوى العمليه القضائيه للامام
على فان المتامل فيها سيظفر بكنوز جواهره، لا فى القضاء
العادى فحسب بل فى هذين القضاءين ايضا. لهذا وجدت
ضروره للتطرق اليهما، وذلك فى المبحثين التاليين، وبشكل
موجز ومركز اتماما للفائده.
المبحث الاول قضاء المظالم:
قضاء المظالم، فى حقيقته، هو اوسع سطوه وقوه، من حيث
الطبيعه، من القضاء العادى، لان الغرض منه هو الاستماع الى
ظلامات الناس من اصحاب الولايات، سواء كانوا من ذوى العلم
والقلم كالقضاه ام من ذوى السيف كقواد الجيش، عبر ما
يتخلل سلوكهم من خلل بما ينطوى عليه من ظلم هذا او ذاك
من الذين هم تحت سلطانهم وشوكتهم احيانا.
وقد اشار الماوردى، وهو من اعلام القرن الخامس الهجرى الى
ان من شروط الناظر فى المظالم ان يكون جليل القدر عظيم
الهيبه نافذ الامر. وذكر انه لم يجلس للمظالم من الخلفاء
الراشدين على(ع)، اذ نص قائلا: (واحتاج على، رضى اللّه عنه،
حين تاخرت امامته واختلط الناس فيها وتجوروا الى فصل
صرامه فى السياسه وزياده تيقظ فى الوصول الى غوامض
الاحكام، فكان اول من سلك هذه الطريقه واستقل
بها)((326)).
فالامام على(ع) اذن هو اول من ابتكر قضاء المظالم وابتدع
مسلكه، كما يدلنا هذا النص، حيث كان(ع) ياخذ للمظلوم حقه
من الظالم من دون ان تاخذه فيه لومه لائم. وقد قسم الظلم
الى ثلاثه اقسام (فظلم لا يغفر، وظلم لا يترك، وظلم مغفور لا
يطلب. فاما الظلم الذى لا يغفر فالشرك باللّه، قال اللّه تعالى: ان
اللّه لا يغفر ان يشرك به، واما الظلم الذى يغفر فظلم العبد
نفسه عند بعض الهنات واما الظلم الذى لا يترك فظلم العباد
بعضهم بعضا)((327)). والظلم الاخير هذا هو الذى يدخل فى
قائمته ظلم صاحب الشوكه والنفوذ لمن هو تحت سلطانه من
اصحاب الامارات والرئاسات، او المناصب الرفيعه علميه كانت
ام سلطويه، وهولاء هم الذين حذرهم الامام بالقول: (فاياكم
والتلون فى دين اللّه)، وقد جاء فى احدى خطبه الشريفه: (الا
وانى اقاتل رجلين رجلا ادعى ما ليس له وآخر منع الذى
عليه)((328)).
واذا ما تاملنا صفحات نهج البلاغه نجد من هذا وامثاله الكثير،
ومنه لوم العمال وتانيب هذا او ذاك من ذوى النفوذ او القاده
العسكريين. ومن ذلك نذكر ما جاء فى كتابه الى بعض عماله:
(اما بعد فان دهاقين اهل بلدك شكو منك غلظه وقسوه
واحتقارا وجفوه). ثم اشار اليه بالنهج الصحيح الذى يقتضى
سلوكه معهم((329)).
هذا وقد رفعت الى على(ع) عده قضايا تتصل بعقارات اخذت
من اصحابها واعطيت الى بعض بنى اميه فى اواخر خلافه
عثمان، من دون مسوغ شرعى، فردها الامام الى مالكيها
الشرعيين، وقال: لو وجدت هذه العقارات دفعت فى اصدقه
النساء لرددتها معللا قراره هذا بقوله: (ان فى العدل سعه ومن
ضاق عليه العدل فالجور عليه اضيق)((330)).
واساس فكره المظالم استلهمها الامام من ابن عمه رسول اللّه،
ان قبيله جذيمه -من جوار مكه- كانت قد رفعت شكوى امام
الرسول الامين على القائد العسكرى خالدبن الوليد كونه قد
قاتلها رغم انها اعلنت الاسلام. وبعد التثبت من صدق الشكوى
بعث الرسول على‏بن ابى طالب بمال من خزينه المسلمين
فادى ديات القتلى من قبيله جذيمه بعد ان قال الرسول:
(اللهم انى ابرا اليك مما فعل خالدبن الوليد) كون قتاله لافراد
القبيله المذكوره كان فيه خطا فادح، اذ انهم اعلنوا الرضا
بالاسلام من دون ان يمتنعوا عنه كى يصار الى قتالهم((331)).
والتاريخ العربى الاسلامى يحدثنا عن العديد من الشواهد فى
هذا الخصوص. وقد توسع سلطان المظالم، فصار الخلفاء
يفردون وقتا محددا او يوما معينا لسماع الظلامات، ويذكر ان
عمربن عبد العزيز هو اول من ندب نفسه للنظر فى المظالم
بعد الامام على وانتهج منهجه، حيث راعى السنن العادله
واعادها((332)).
المبحث الثانى قضاء الحسبه:
الحسبه وظيفه دينيه من باب الامر بالمعروف والنهى عن
المنكر وتستمد اساسها من قوله تعالى: (ولتكن منكم امه
يدعون الى المعروف وينهون عن المنكر)، وتنصب اولى مهامها
على مراقبه المشروعيه واحترام تنفيذ احكام الشريعه ومكافحه
الجرائم الاقتصاديه والمروريه((333)). وقد باشرها الرسول
الكريم بنفسه عبر حثه على الامر بالمعروف والنهى عن المنكر،
وكتب التراث الاسلامى حافله بذكر ما كان يعمله عليه افضل
الصلاه والسلام فى هذا الجانب، فقد كان يتجول فى الاسواق
ويطرق الازقه ويطلع على ما يدور فى مفردات الحياه اليوميه
للناس فى المعاملات ويراقب الموازين والمكاييل، ويقف على
ما يبدر عنهم من مخالفات((334)) وكان يقول: (من غشنا
فليس منا)((335)).
وقد نهج الامام على(ع) نهج نبيه الكريم، فكان يخرج الى
الاسواق ويطوف بالطرق، ويامر الناس بحسن الحديث ونزاهه
البيع وتجنب الاحتيال والوفاء بالكيل والميزان، ويسال عن
الاسعار((336))، فضلا عن مكافحته للمعاملات المريبه
والسلع المحرمه، اذكان يكسر اوانى الخمر وادوات الطرب، كما
انه امر بحرق قريه كان يباع فيها الخمر((337)) عقابا تعزيريا.
وقد ظهر فى خلافته الراشده، نظام لم يسبق اليه احد، وقد
اهتم هذا النظام بتنظيم الحرف والمهن وارباب الصناعه فى
الاسواق، لضمان حسن المعاملات وعدم الغش ونزاهه البيع
ومكافحه الجرائم الاقتصاديه على اختلاف صورها، اذ عين على
كل حرفه او مهنه مشرفا من المبتكرين واللامعين، كل فى
مجال اختصاصه المهنى، واطلق عليهم اسم (الاصول) كونهم
اخذوا عنه اصول المهنه وضوابطها وحدودها المشروعه، وقد
تطرق الى ذكرهم صاحب كتاب الذخاير والتحف((338))
وعددهم سبعه عشر مشرفا نذكر منهم كميل‏بن زياد الذى
عين مشرفا على المهندسين والبنائين، وقنبر وجميع السياس
والجماله تابعون له، حيث كان يسوس ويداوى الجمال فى
زمنه، وبريده الاسلمى الخزاعى صاحب صنجق الرسول، وكل
حامل رايه او علم يكون تابعا له ويستر شربه، وجرموز الهجيمى
القصاب وجميع القصابين ينسبون اليه، وهكذا كان كل مشرف
يهتم بالمهنه التى انيط به الاشراف عليها.
وعلى ضوء ما تقدم، فلعلى لا اجانب الحقيقه اذا ما قلت ان
الامام عليا(ع) يحتمل جدا ان يكون قد اناط بميثم التمار
الاسدى مهمه معينه فى قضاء الحسبه، اذ قد يكون كلفه
بمراقبه السوق -كمراقب عام- فى الكوفه والتشاور مع
(الاصول) فى مراقبه اصحاب الحرف والمهن فى اعمالهم،
بهدف منع الجريمه الاقتصاديه واجتثاثها ما دام التاريخ يحدثنا
عن وجود علاقه لميثم بعلى، حيث كان احد خواصه((339))،
وكان يجلس فى دكانه ويبيع عنه التمر احيانا، وكان المتقدم،
فى السوق لدى اصحابه والمتكلم الجرى‏ء والمبرز فيهم بقول
الحق، من دون ان تاخذه فيه لومه لائم، فضلا عن انه المقتدى
لاصحاب المهن فى السوق، وقد مثلهم فى مجلس والى الكوفه
عبيداللّهبن زياد -بعد استشهاد الامام- اثر تشكيهم عامل السوق
الذى نصبه هذا الحاكم الاموى فور استشهاد الخليفه على عليه
السلام((340)).
واذا كانت اشارات الباحثين الاسلاميين الاولين الى وظيفه
الاحتساب قليله، واذا كان اختفاء كل المبادرات التى استحدثها
امير المومنين على‏بن ابى طالب بفعل الظروف التى اعقبت
استشهاده امرا مسلما به، ناهيك عن اندراس بعضها بفعل مرور
الزمن، فان المعقول حقا ان يكون قضاء الحسبه قد انيط امر
مسووليته بميثم‏بن يحيى الاءدى فى خلافه الامام فى الكوفه،
وهذا كان بدوره قد وضع العيون فى الاسواق لمراقبه
المشروعيه واحترام تنفيذ احكام الشريعه الغراء، بما فيها مراقبه
الجرائم الاقتصاديه فى سوق الكوفه عهد ذاك، ولعله كان
يجتمع بالامام اسبوعيا ليقدم اليه تقريره عن حاله السوق
والوضع الاقتصادى وما يقدمه اليه الاصول كل فى ما يخص
مهنته التى تولى الاشراف عليها((341)) فمن يدرى؟ولعل
الايام تكشف لنا حلقات مجهوله ذات اهميه فى هذا الخصوص..
وقد تطور قضاء الحسبه عبر الايام، وغدت له هيبته فى زاهر
عصر الدول العربيه الاسلاميه، اذ كلف بمراقبه المشروعيه فى
اوسع صورها وبتنبيه من يخالفها من ولاه او قضاه وغيرهم،
واصبح فى الوقت الراهن متمثلا بجهاز الادعاء العام او النيابه
العموميه، باعتباره الجهاز المكلف بتلك المراقبه واحترام
تنفيذ القوانين.
الخاتمه
بعد هذه الجوله التى حاولت فيها تقديم صوره سريعه ومركزه
عن النهج القضائى لرجل العداله المخلد الامام على‏بن ابى
طالب(ع) وعمليته القضائيه الجليله، وقد رايت ضروره عدم
الاقتصار فيها على المنهج الاستدلالى فى البحث والتحليل
كونه يفيد فى الرد على مناهضى الحق والعداله ومقارعه
الحجه بالحجه ومواجهه الدليل بالدليل لافحامه، بل يقتضى
ايلاء المنهج الاستقرائى اولويه، لانه يجسد تلك العمليه ويجعل
القارى‏ء الكريم يعيش جزئياتها من خلال شذرات سوابقه ودرر
احكامه القضائيه اليتيمه بشكل حى وفاعل. وهذا ما حاولت
سلوكه فى هذا الجهد المتواضع، اذ سرت مع الامام الجليل عبر
ما ظفرت به من كنوز فى هذا الخصوص لابراز ما تمخض عنها
من مبادى‏ء وقواعد ودلالات وكيفيه تعامله معها فى جزئيات
القضايا خلال المرافعه، بوصفه قاضيا فردا متميزا له خصوصيته
المتفرده فى القضاء. ولعل اهم محصله هذه الجوله هى النقاط
التاليه:
اولا: تميز فكر الامام بخصوصيه تبدو جليه من خلال منهجه
فى اختيار القاضى وما افرزه هذا المنهج من ضوابط ازاء الاهليه
المطلوبه فى من يراد اناطه وزر القضاء به، ويرتكز هذا المنهج
على متطلبات الكفاءه العلميه وما يتفرع عنها من لزوم الالمام
بالعلوم ذات العلاقه بالعمليه القضائيه، الامر الذى تمخضت
عنه القاعده الفقهيه التى مفادها ان ما يعرف به الواجب واجب،
اذ ان ما لا يتم الواجب الا به هو واجب ايضا -كما فى تعبير
الفقهاء المسلمين- او ما تعلق بالكفاءه الاخلاقيه وما يقتضى ان
يكون عليه القاضى من خلالها خارج مجلس القضاء او داخله
والكفاءه الصحيه بشقيها: العضوى والنفسى.
ثانيا: ليس من قاعده من القواعد القانونيه المعاصره ومبادى‏ء
اصول المرافعات، او المحاكمات المتبعه فى ساحات المحاكم،
حاليا، الا ونجد لها فى منهج الامام على اصلا او اساسا. وعلى
سبيل المثال نذكر:
ا - ان الامام عليا(ص)هو اول من اخذ بمبدا الاثبات المطلق،
فقد لاحظنا انه لم يقيد نفسه -كقاعده عامه- بادله محدده او
بينات محصوره ليبنى عليها حكمه، فكل ما يتحصل لديه من
ادله مقبوله شرعا -بطريق النقل او العقل- كان يعتمده
ويستدل به فى حكمه، مع التقييد بضوابط بعض الحالات التى
حددت ادله الاثبات فيها بنص، كعدم ثبوت جريمه القذف باقل
من اربعه شهود مثلا.
ب - البينه عند الامام على كلما كان وقت الحصول عليها اقرب
زمنا الى الحادث، او الواقعه، كانت ادعى للاطمئنان لديه
واقرب للمصداقيه لبعدها عن التاثير او التحوير، وهذا ما استقر
عليه الفكر القضائى المعاصر.
ج - انه(ع) اول من فرق بين الشهود، وقد صرح بهذه الحقيقه
فى اكثر من سابقه قضائيه له، فقد كان يستمع الى شهاده كل
شاهد على انفراد كى لا توثر شهادته على مسامع الاخر، وحتى
تكون بمناى عن التبديل او التضليل والالتباس والتداخل.
د - وكان كما تدلنا عليه شذرات سوابقه دقيقا فى تعليل حكمه
كى لا يختلط هذا التعليل بما يودى اليه الاستنباط من معنى،
ما دامت مبررات ما آل اليه الحكم قد تمت على ضوء القناعه
التى وصل اليها من خلال تحليله لوقائع الدعوى وما توفر فيها
من بينات، موسسا قرار حكمه فيها على النص التشريعى والحل
الحاسم المناسب.
ثالثا: وتدلنا سوابقه القضائيه انه(ع) لم يسمح بتاخير تنفيذ
الحكم فى القضايا، كى تعود الحقوق الى اصحابها ويرفع الحيف
عن المظلوم بالسرعه الممكنه، وتعاد الامور الى مواطنها بعد
اكتشاف الحقيقه فيها وبالشكل المطلوب والعادل.
وكان دقيقا فى تنفيذ احكام البارى، لدرجه حدت به الى عدم
السماح لمن تولى القضاء فى خلافته من تنفيذ احكام الحدود
الا بعد عرضها عليه، كما ثبت ذلك من خلال بعض سوابقه مع
شريح‏بن الحارث.
واذا كان منهجه، فى الاحكام، يتخذ قاعده عامه هى تنفيذها بلا
تاخير فان هناك استثناءات وردت عليها فى المسائل الجزائيه
لم يسبقه اليها سابق تجسدت فيها شخصيه العقوبه، كما تبين
لنا من تاخيره تنفيذ الحد على الحامل الى حين وضع حملها،
فقد جسد هذا المبدا بشكل عملى لاول مره وهو المبدا الذى
جنحت التشريعات العقابيه الوضعيه الى الاخذ به وتطبيقه فى
وقت متاخر.
كما انه قرر تاخير تنفيذ عقوبه المريض حتى يبرا من مرضه،
وهذا يعنى انه بهذا الاستثناء قد اولى الجانب الانسانى للعقوبه
رعايته، فمثل فى هذا الجانب صوره حيه لدقه عدالته ونظرته
الانسانيه فى تعامله مع من انزلق فى مهاوى الاجرام.وبهذا
يكون قد حدد للعقوبه خصائصها المميزه، وهى شخصيه
العقوبه ثم انسانيتها واخيرا قانونيتها، اى شرعيتها، عدا ما يخص
العقوبات التعزيريه التى منح الشارع الاسلامى فيها للقاضى، او
ولى الامر، سلطه تقديريه بالشكل الذى يمثل تفريد العقاب
بادق صوره.
رابعا: والذى يستشف من منهجه القضائى الجليل ان هناك
مميزات تتصف بها محاكماته العادله اهمها ما ياتى:
ا - علنيه المحاكمه، اذ يعد(ع) اول من طبق، او جسد، هذا
المبدا بشكل حى، من خلال دكه القضاء التى نصبها فى مسجد
الكوفه ووضع بالقرب منها لائحه كتب عليها قوله تعالى: (ان
اللّه يامر بالعدل والاحسان). وعندما سئل عن هذا النص
المقدس قال: (العدل الانصاف، اما الاحسان فيعنى التفضل).