(وفيها تسع آيات)
(وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ).
النحل/ 9.
روى العلاّمة البحراني عن إبراهيم بن محمد الحمويني (الشافعي) (بإسناده المذكور) عن خثيمة الجعفي، عن أبي جعفر (الباقر) قال: سمعته يقول (في حديث مفصل):
(ونحن الذين هم مختلف الملائكة، ونحن السراج لمن استضاء بنا، ونحن السبيل لمن اقتدى بن) إلى آخره(1).
(أقول) يعني: نحن سبيل الله التي وضعها للناس، لا إفراط فيها ولا تفريط، فهم المصداق الأتم لهذه الآية الكريمة:
(وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ).
(وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ).
النحل/ 16.
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن أحمد، (بإسناده المذكور) عن محمد بن يزيد، عن أبيه قال: سألت أبا جعفر عن قوله تعالى:
(وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)؟
قال: النجم علي(2).
(أقول) لا منافاة بين أن يكون ظاهر الآية هو النجم المعروف في السماء، وبين أن يكون باطنها وتأويلها هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ـ كما ذكرنا ذلك عدة مرات ـ والإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام) هو من أهل البيت الذين نزل القرآن في بيتهم، وأهل البيت أدرى وأعرف بما نزل في بيتهم.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الأَوَّلِينَ).
النحل/ 24.
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) عن فرات بن إبراهيم الكوفي (في تفسيره بإسناده المذكور) عن أبي حمزة الثمالي، عن جعفر الصادق قال:
قرأ جبرئيل على محمد هكذا:
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ (في علي) قالُوا أَساطِيرُ
الأَوَّلِينَ)(3).
(أقول) كلمة (في علي) من التأويل والتفسير، وليست كلمة كانت من القرآن وسقطت عنه، لما ذهب إليه المحققون من علمائنا الأبرار، من أنَّ القرآن لم تمسه يد التحريف، ولن تمسه، خلافاً لكثير من علماء العامّة، حيث ذهبوا إلى تحريف القرآن.
قوله (قرأ جبرئيل على محمد هكذ) معناه: إنَّ جبرئيل كان إذا نزل بالوحي على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قرأ القرآن أولاً، ثم ذكر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) تفسيره، ثم ذكر له تأويله، وبطونه، فقول الصادق (عليه السلام) (قرأ جبرئيل على محمد هكذ) يعني: من مجموع ما ينزل به جبرئيل الأعمَّ من التفسير والتأويل والباطن، لا من خصوص القرآن.
(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى
وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاس لا يَعْلَمُونَ).
النحل/ 38.
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا أبو يحيى الحيكاني (بإسناده المذكور) عن شعبة، عن أبي حمزة قال: سمعت بريد بن أحرم، قال: سمعت علياً يقول (في قوله تعالى):
(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ).
قال علي: فيَّ أُنزلت(4).
(أقول) لعلّ شأن نزول الآية كان أنّ علياً (عليه السلام) حاجج الكفار، فقال لهم سأُبعث أنا فأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله علياً بعد موته، فنزلت الآية فيكون المقصود بكلمة (من) في (لا يبعث الله من يموت) هو علي بزعم الكفار.
أو قال لهم علي (عليه السلام): إنَّ الله يبعث كلَّ من يموت، وأقسم الكفار على أنَّ الله لا يبعث من يموت، فنزلت الآية تأييداً لمحاجّة علي مع الكفار.
والأول أقرب لقوله (عليه السلام) (فيّ أُنزلت).
(وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ
فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ *
الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
النحل/ 41-42.
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا عقيل (بإسناده المذكور) عن قتادة، عن عطاء(5)، عن عبد الله بن عباس (في قوله تعالى):
(وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ) الآية.
قال: هم جعفر، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عقيل ظلمهم أهل مكة وأخرجوهم من ديارهم(6).
(أقول) يعني: هؤلاء إمّا منشأ نزول الآية عامّة في المهاجرين من بعد ما ظلموا، أو باعتبارهم الفرد الأكمل والمصداق الأتمّ لمضمون الآية، كأنَّ الآية فيهم لا غير ـ كما مرّ عليك مثل ذلك غير مرة ـ.
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا
أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
النحل/ 43.
أخرج ابن جرير الطبري في تفسيره الكبير بسنده عن جابر الجعفي قال: لمّا نزلت (فَسْئَلُوا
أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
قال علي (رضي الله عنه): نحن أهل الذكر(7).
وروى العلاّمة البحراني قال: في تفسير يوسف القطان (بإسناده المذكور) عن السّدي قال: كنت عند عمر بن الخطاب (يعني: في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ أقبل إليه كعب بن الأشرف، ومالك بن الصيف، وحيي بن أخطب فقالوا: إنَّ في كتابك:
(وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالأَرْضُ) (آل عمران/ 133) إذا كانت سعة جنّة واحدة كسبع سماوات وسبع أرضين، فالجنان كلُّها ليوم القيامة أين تكون؟
فقال عمر: لا أعلم.
فبينما هم في ذلك إذ دخل علي بن أبي طالب، فقال: أفي شيء كنتم؟ فألقى اليهودي المسألة عليه.
فقال (علي) لهم: خبّروني أنّ النهار إذا أقبل الليل أين يكون؟
قالوا له: في علم الله.
فقال له: كذلك الجنان تكون في علم الله.
فجاء علي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وأخبره بذلك فنزل (قوله تعالى): (فَسْئَلُوا
أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(8).
(أقول) ليس المقصود من تنظير الإمام (عليه السلام) الجنان بالليل، إلاّ مجرد التنظير في قدرة الله تعالى أنْ يجعل الجنان في مكان يوم القيامة، نظير جعل الليل خلف الكرة حال إقبال النهار، لا أنّ الجنان ظلّ كالليل كما لا يخفى.
وأخرج الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد الله الأندلسي المغربي الأشعري، المعروف بـ ابن عبد البَّر في (الاستيعاب في معرفة الأصحاب)، وكذلك علي المتقي الهندي (الحنفي) في كنز العمال، وهكذا الواعظ (الحنفي) المشهور شمس الدين، أبو المظفر يوسف بن قراوغلي و (الحنفي) في (تذكرة خواص الأمة في معرفة الأئمّة) وأبو داود السجستاني، سليمان بن الأشعث في (سنن أبي داود) والعلاّمة الشافعي (محب الدين) الطبري في (ذخائر العقبى) وإبراهيم بن محمد الحمويني الشافعي في (فرائد السمطين) والخطيب البغدادي في مناقبه، وموفّق بن أحمد (الحنفي) في مناقبه، وغيرهم.. بتعبيرات واحدة في المعنى متفاوتة في الألفاظ، أخرجوا جمعياً: إنّ الحسين بن علي قال: زنت مجنونة في زمان خلافة عمر فحملت، وأمر عمر برجمها، فقال أبو الحسن له: أما سمعت قول النبي (صلى الله عليه وسلّم):
(رفع القلم عن ثلاثة، عن المجنون حتى يبرأ، وعن الغلام حتى يدرك، وعن النائم حتى يستيقظ).
فقال عمر: لولا عليٌّ لهلك عمر، وخلّى سبيله(9).
(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى
شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ
يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ). النحل/ 76.
عليٌّ يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم:
أخرج المير محمد صالح الترمذي (الحنفي) عن الحافظ ابن مردويه في هذه الآية الكريمة، قال: نزلت في أمير المؤمنين علي (كرّم الله وجهه)(10).
(يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ).
النحل/ 83.
روى العلاّمة البحراني، عن إبراهيم بن محمد (الحمويني) من علماء الشافعية (بإسناده المذكور) عن خثيمة، عن الباقر من أهل البيت أنّه قال:
(نحن خيرة الله، ونحن الطريق الواضح، والصراط المستقيم إلى الله، ونحن من نعمة الله عزّ وجلّ على خلقه)(11).
(وفيها ثلاث عشرة آية)
(فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ
شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنا
لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ
وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِير).
الإسراء/ 5-6.
أخرج العلاّمة السيّد هاشم البحراني في تفسيره، عن إمام العامّة في التفسير، أبي جعفر محمد بن جرير (بسنده المذكور) عن زاذان، عن سلمان قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلّم): إنّ الله تبارك وتعالى لم يبعث نبياً ولا رسولاً، إلا جعل له اثني عشر نقيباً...
فقلت: يا رسول الله لقد عرفت هذا من أهل الكتابين.
فقال (صلى الله عليه وسلّم): يا سلمان هل علمت من نقبائي، ومن الاثني عشر الذين اختارهم الله للأُمة من بعدي؟
فقلت: الله ورسوله أعلم.
فقال (صلى الله عليه وسلّم): يا سلمان خلقني الله من صفوة نوره، ودعاني فأطعته، وخلق من نوري (علي) ودعاه فأطاعه، وخلق مني ومن علي (فاطمة) فدعاها فأطاعته، وخلق مني ومن علي وفاطمة (الحسن) ودعاه فأطاعه، وخلق مني ومن علي وفاطمة (الحسين) ودعاه فأطاعه، ثم سمّانا بخمسة أسماء من أسمائه، فالله المحمود وأنا محمد. والله العلي فهذا علي، والله الفاطر فهذه فاطمة، والله الإحسان فهذا الحسن، والله المحسن فهذا الحسين.
ثم خلق منّا ومن نور الحسين تسعة أئمّة، فدعاهم فأطاعوه قبل أنْ خلق الله سماءً مبنية، ولا أرضاً مدحية ولا ملكاً ولا بشراً دوننا، نور نسبح الله ونسمع ونطيع.
قال سلمان: فقلت يا رسول الله، بأبي أنت وأمي فما لمن عرف هؤلاء؟
فقال: يا سلمان من عرفهم حقّ معرفتهم واقتدى بهم، ووالى وليهم وتبرأ من عدوّهم، فهو والله منّا يرد حيثُ نرد، ويسكن حيث نسكن.
فقلت: يا رسول الله فهل يكون إيمان بهم بغير معرفة بأسمائهم وأنسابهم؟
فقال: لا يا سلمان.
فقلت: يا رسول الله فأنى لي بهم؟ قد عرفت إلى الحسين.
قال (صلى الله عليه وسلّم): ثم سيّد العابدين علي بن الحسين، ثم ابنه محمد بن علي، باقر علم الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين، ثم جعفر بن محمد لسان الله الصادق، ثم موسى بن جعفر، الكاظم غيظه صبراً في الله عزّ وجلّ، ثم علي بن موسى الرضا لأمر الله، ثم محمد بن علي، المختار من خلق الله، ثم علي بن محمد، الهادي إلى الله، ثم الحسن بن علي، الصامت الأمين لسرِّ الله ثم محمد بن الحسن الهادي، والمهدي الناطق القائم بحق الله.
قال (صلى الله عليه وسلّم): يا سلمان إنّك مدركه ومن كان مثلك ومن تولاّه بحقيقة المعرفة.
قال سلمان: فشكرت الله كثيراً ثم قلت: يا رسول الله وإنّي مؤجل إلى عهده؟
قال: يا سلمان اقرأ (قوله تعالى):
(فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ
شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنا
لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ
وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِير).
قال سلمان: فاشتّد بكائي وشوقي ثم قلت: يا رسول الله بعهد منك؟
فقال (صلى الله عليه وسلّم): أي والله الذي أرسل محمداً بالحق، مني ومن علي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة وكل من هو منا ومعنا وفينا، أي الله (يا سلمان) وليحضرن إبليس وجنوده، وكل من محض الإيمان محضاً ومحض الكفر محضاً، حتى يؤخذ بالقصاص والأوتار والأثوار، ولا يظلم ربك أحداً، وتحقق تأويل هذه الآية:
(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ
وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي
الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا
يَحْذَرُونَ). (القصص/ 5-6).
قال سلمان: فقمت بين يدي رسول الله، وما يبالي سلمان لقي الموت أو الموت لقيه(12).
(وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ).
الإسراء/ 13.
أخرج الحافظ سليمان القندوزي (الحنفي) بسنده المذكور، عن أبي عبد الله، جعفر الصادق (رضي الله عنه) ـ في حديث ـ قال: قال الله عزّ وجلّ:
(وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ).
يعني: ولاية الإمام(13).
(أقول) هذا تأويل (الطائر) لأنّ ولاية الإمام هي أظهر مصاديق الطائر، إذ كل الأعمال تنبثق عن ولاية الإمام، فمن يتولّى الإمام الصادق ـ مثلاً ـ تختلف أعماله عن أعمال من يتولّى غيره، وهكذا وحيث إنّ لكل زمان إماماً، كان إطلاق الحديث شاملاً لجميع الأئمة الاثني عشر، بدءاً من أمير المؤمنين، وختاماً بالمهدي المنتظر (عليهم السلام).
(وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ
تَبْذِير).
الإسراء/ 26.
أخرج علاّمة الحنفية، الموفّق بن أحمد الخوارزمي في مناقبه في حديث المناشدة يوم الشورى، قول علي بن أبي طالب للخمسة:
(أمنكم أحدٌ تمّم الله نوره من السماء حين قال: فآتِ ذا القربى حقّه غيري؟ قالوا: اللّهم ل)(14).
(أقول) في القرآن آيتان بنص (آت ذا القربى حقه) إحداهما هنا مصدّرة بالواو، والأخرى في سورة الروم مصدّرة بالفاء، وحديث المناشدة وإنْ ذكر فيه المصدّرة بالفاء، إلاّ أنّه موضوع واحد تكرّر نقله في القرآن، نظير غير واحد من أمثاله، وليس هذا بتكرار كما فصّلناه في بعض المباحث، فلاحظ والله العالم.
وروى الفقيه الشافعي، جلال الدين، عبد الرحمن بن أبي بكر (السيوطي) في تفسيره، عن أبي جعفر (الطبري) في تفسيره (جامع البيان) قال: حدّثني محمد بن عمارة الأسدي (بإسناده المذكور) عن أبي الديلم قال: علي بن الحسين (بن علي بن أبي طالب) لرجل من أهل الشام:
أقرأت القرآن؟
قال: نعم.
قال: أفما قرأت في بني إسرائيل (وآت ذا القربى حقه)؟
قال: وإنّكم للقرابة التي أمر الله جلَّ ثناؤه أنْ يؤتى حقه؟
قال: نعم(15).
وروى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا أبو نصر المفسر (بإسناده المذكور) عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال ـ في حديث ـ:
قالوا: يا رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) من قرابتك؟
قال (صلى الله عليه وآله): علي وفاطمة وابناهم(16).
وروى هو أيضاً قال: حدثني عبد الله بن أحمد الهروي (بإسناده المذكور) عن طاووس، يقول:
قال ابن جبير: القربى آل محمد (صلى الله عليه وسلّم)(17).
(أقول) الروايات عن النبي (صلى الله عليه وسلّم) وعن أهل البيت، وعن الصحابة، في كون القربى آل محمد، وأنَّ علياً هو من آل محمد، بل سيّد الآل كثيرة جداً، تجد بعضاً منها في مطاوي هذا الكتاب، فقد مرّ بعضها وسيأتي بعضها الآخر.
وقال السمهودي في (وفاء الوف): قال المجد: قال الواقدي: كان مخيريق اليهودي أحد بني النضير حبراً عالماً فآمن بالنبي (صلى الله عليه وسلّم) وجعل ماله ـ وهو سبع حوائط ـ لرسول الله (صلى الله عليه وسلّم).
وقال: روى ابن زبالة عن محمد بن كعب(18): إنّ صدقات رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) كانت أموالاً لمخيريق اليهودي، فلمّا كان يوم أحد قال لليهود: إلاّ تنصرون محمداً، فو الله إنّكم لتعلمون أنَّ نصرته حق (قالو): اليوم السبت (قال): فلا سبت لكم، وأخذ سيفه فمضى مع النبي (صلى الله عليه وسلّم) فقاتل حتى أثخنته الجراح، فلمّا حضرته الوفاة قال: (أموالي إلى محمد يضعها حيث يشاء) وكان ذا مال، فهي عامّة صدقات النبي (صلى الله عليه وسلّم).
وأمواله هذه التي أوصى بها هي بساتينه السبع، وهي: الدِلال، وبرقة الصافية، والميثب، ومشربة أم إبراهيم، والأعواف، وحسنى، وأوقفها النبي (صلى الله عليه وسلّم) على خصوص فاطمة ـ وكان يأخذ منها لأضيافه وحوائجه ـ وعند وفاتها أوصت بهذه البساتين، وكل ما كان لها من مال إلى أمير المؤمنين(19).
(وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها
فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُور).
الإسراء/ 28.
روى الحافظ القندوزي (الحنفي) عن الشيخ الكبير، أبي بكر بن مؤمن الشيرازي في (رسالة الاعتقاد) روى بإسناده عن أبي ذر الغفاري في قوله تعالى:
(وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها
فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُور).
(قال أبو ذر):
إنذ هذه الآية نزلت في علي وفاطمة، حيث أهدى ملك الحبشة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عشر إماء(20).
(وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ
إِلاَّ نُفُور).
الإسراء/ 41.
روى الحافظ الحسكاني (الحنفي) عن فرات في تفسيره (بإسناده المذكور) عن جابر، قال: قال أبو جعفر (الباقر): قال الله:
(وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ).
يعني: لقد ذكرنا علياً في كل آية، فأبوا ولاية علي
(وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُور)(21).
(أقول) يعني: كلّما ذكرنا علياً في آيات مختلفة في القرآن، فضائله المختلفة ما أذعنوا لولايته.
(أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ
أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ
رَبِّكَ كانَ مَحْذُور).
الإسراء/ 57.
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن أحمد (بإسناده المذكور) عن عكرمة في قوله (تعالى):
(أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ).
قال (عكرمة): هم النبي، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين(22).
(أقول) يعني: الوسيلة إلى الله هم الخمسة أصحاب الكساء، وهكذا ذريتهم الأئمّة الطاهرون، الذين ثبت بأدلة أخرى، كونهم امتداد لأصحاب الكساء، وأما غير هؤلاء، فليسوا وسيلة إلى الله، إلا بالتقرب إلى الله بهؤلاء، فالكفار يدعون من دون الله أناساً كموسى، وعيسى، وغيرهما، وهؤلاء الذين يدعونهم هم بأنفسهم، لا يملكون النجاة لأنفسهم، إلاّ بالتوسل إلى الله تعالى، بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة التسعة من ذرية الحسين.
(وعكرمة) هذا الذي نروي عنه في هذا الكتاب كثيراً، هو مولى لابن عباس، وكان من الخوارج الذين يبغضون علياً، وشهروا سيوفهم في وجه علي،فيظهر من الأحاديث الشريفة أنّه من أهل النّار، فقد روى العلاّمة المجلسي (قدّس سرّه) في (بحار الأنوار) عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام)، أنّه قيل له: إنّ عكرمة مولى ابن عباس قد حضرته الوفاء، فقال (عليه السلام): (إنْ أدركته علّمته كلاماً لم تطعمه النّار).
فهذا الكلام من الإمام يدل على أنّ عكرمة مات على النصب والعداء لعلي بن أبي طالب، وإنّه من أهل النّار.
ونقلنا للأحاديث عن مثل عكرمة في فضيلة علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفي نزول آيات القرآن في فضله وشأنه أقوى دلالة، وأسد للحُجّة (فالفضل ما شهدت به الأعداء).
* * * * *
(وقد) تتابعت الأحاديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في الوسيلة، وأنَّها درجة رفيعة في الجنّة، فقد أخرج علاّمة الشوافع ابن المغازلي الحافظ، عن أبي نصر أحمد بن موسى الطحان (بإسناده المذكور) عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي ـ كرّم الله وجهه ـ قال: قال رسول الله ـ (صلى الله عليه وآله وسلّم) ـ:
(في الجنّة درجة تسمى الوسيلة وهي النبي، وأرجو أنْ أكون أنا، فإذا سألتموها فاسألوها لي.
فقالوا: من يسكن معك يا رسول الله؟
قال: فاطمة وبعلها والحسن والحسين ـ رضي الله عنهم (23) وممّن أخرج ذلك: علاّمة الأحناف المتقي الهندي في منتخب الكنز(24).
والحافظ ابن الكثير الدمشقي في تفسيره(25).
وأخطب خطباء خوارزم، الموفّق بن أحمد (الحنفي) في مقتل الحسين(26).
وآخرون...
(وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ
بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الأَمْوالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما
يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُور).
الإسراء/ 64.
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا أبو علي الخالدي، كتابة سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، وكتبته من خط يده (بإسناده المذكور) عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال:
كنا مع النبي (صلى الله عليه وسلّم) إذ أبصر برجل ساجد راكع متطوع متضرع، فقلنا: يا رسول الله ما أحسن صلاته.
فقال (صلى الله عليه وسلّم): هذا الذي أخرج أباكم آدم من الجنّة.
فمضى إليه عليّ غير مكترث فهزّه هزاً أدخل أضلاعه اليمنى في اليسرى، واليسرى في اليمنى، ثم قال: لأقتلنك إنْ شاء الله.
قال: لن تقدر على ذلك، إنّ لي أجلاً معلوماً من عند ربي، ما لك تريد قتلي، فو الله ما أبغضك أحد إلاّ سبقت نطفتي في رحم أمه، قبل أن يسبق نطفة أبيه، ولقد شاركت مبغضك في الأموال، والأولاد، وهو قول الله في محكم كتابه:
(وَشارِكْهُمْ فِي الأَمْوالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ
الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُور).
فقال النبي (صلى الله عليه وسلّم): صدقك والله يا علي، لا يبغضك من قريش إلاّ (سفاحي)(27) ولا من الأنصار إلاّ يهودياً، ولا من العرب إلاّ دعي(28) ولا من سائر النّاس إلاّ شقياً، ولا من النساء إلاّ سلقلقية(29)، وهي التي تحيض من دبرها.
ثم أطرق (النبي) ملياً فقال:
معاشر الأنصار ربّوا أولادكم على محبّة علي.
قال جابر: كنّا نبور أولادنا (بعد) وقعة الحرَّة بحبِّ علي، فمن أحبِّه علمنا أنِّه من أولادنا، ومن أبغضه أشفينا منه(30).
(أقول) أشفينا منه أي: تبرأنا منه وأنكرناه، ونبور أي: نمتحن
ووقعة الحرة هي التي بعث فيها يزيد بن معاوية رسوله (مسلم بن عقبة) على رأس جيش، واستباحوا المدينة المنورة ثلاثة أيام قتلاً، وزناً ونهباً، حتى ساوى الدم قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من كثرة من قتلوهم في المسجد النبوي، وولد تلك السنة ألف مولود من غير أب، ولم يكن ليجرأ أحد بعد ذلك إذا زوج ابنته أنْ يضمن بكارتها.. وكان ما كان الخ.
ولذا كان النّاس إذا ولد لهم بعد وقعة الحرة مولود، فإذا نشأ عرضوا عليه اسم علي بن أبي طالب وفضائله، فإنْ كان يقول: أُحبَّه علموا أنَّه ولد أبيه وإنْ كان يقول: لا أُحبُّه علموا أنَّه لغير أبيه.
(ولا يخفى) أنَّ هذا ليس معناه الانقطاع النسبي، لأنّ الولد للفراش وللعاهر الحجر ـ كما هو مفصّل في الفقه.
(ولا بأس) بهذه المناسبة من ذكر قصة (أبي دلف) مع ابنه ـ كما ذكره المسعودي في مروج الذهب ـ قال:
(ذكر علي بن أبي دلف أنَّ أخاه (دلف) ـ وبه كان يكنى أبوه أبا دلف ـ كان ينتقص علي بن أبي طالب، ويضع منه ومن شيعته، وينسبهم إلى الجهل، وأنَّه قال يوماً ـ وهو في مجلس أبيه ولم يكن أبوه حاضراً ـ: إنّهم يزعمون أنْ لا ينتقص علياً أحد إلاّ كان لغير رشده، وأنتم تعلمون غيرة الأمير ـ يعني أباه ـ وأنّه لا يتهيأ للطعن على أحد من حرمه، وأنا أبغض علياً.
قال (يعني: عيسى بن أبي دلف): فما كان بأوشك من أنْ خرج أبو دلف، فلمّا رأيناه قمنا له فقال: قد سمعت ما قاله دلف، والحديث لا يكذب، والخبر الوارد في هذا المعنى لا يختلف.
هو والله لزنية وحيضة، وذلك أنّي كنت عليلاً، فبعثت إليّ أختي جارية لها كنت بها معجباً، فلم أتمالك أنْ وقعت عليها، وكانت حائضاً فعلقت به، فلمّا ظهر حملها وهبتها لي(31).
(أقول أيض) (أبو دلف) هذا كان من الأمراء في الدولة العباسية، وكان شاعراً مجيداً، وكريماً، ورئيس قومه، وسيّد عشيرته، وشجاعاً بطلاً، تنقل عنه قصص وقضايا غريبة في شجاعته وكرمه، وكان هو شيعياً إلاّ أنّ ابنه (دلف) كان يبغض علياً، وله مسجد ومنارة ملوية في أطراف مدينة (سامراء) على بعد ثلاثة فراسخ تنسب إليه يقال لها (ملوية أبي دلف) لكن المسجد متهدم، والمنارة الملوية موجودة، وعمر الملوية الآن حوالي ألف ومائتي عام. لأنّ أبا دلف مات عام مائتين وعشرين للهجرة، والآن عام ألف وثلاثمائة وستة وتسعين للهجرة.
قوله (هو والله لزنية وحيضة) ثبت علمياً أنَّ المقاربة حال الحيض تمنع عن تعلق الولد، ولكن لم يثبت أنَّه لا يبقى بعض الجينات التي تؤثر في الولد الذي يكون بمقاربة أخرى بعد المحيض، وليس في الكلام ما يدل على أنَّه قاربها مرة واحدة في حال الحيض فقط، ولم يقاربها بعد ذلك، إذ المستفاد من بعض التواريخ أنَّ أخته بعثت إليه بهذه الجارية لتمرضه، وهذا يقتضي بقاؤها معه مدة وأياماً.
أضف إلى ذلك، إنّ عدم التعلق في حال الحيض ليس إلاّ غالبياً، فلعل التعلق كان في وقت الحيض نفسه، وليس هذا بأعجب من تكوّن الولد ونموه في المعدة التي صادفت في زماننا هذا، ونقلتها الصحف والمجلات.
وأخرج نحواً ممّا ذكره الحاكم الحسكاني علاّمة الأحناف، أبو المؤيّد الموفّق بن أحمد الخوارزمي، بزيادة ونقيصة لا تضران بأصل المطلب، عن شهردار إجازة (بإسناده المفصل المذكور) عن ابن أبي جريح، عن مجاهد، عن ابن عباس(32).
(يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ
بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيل).
الإسراء/ 71.
روى العلاّمة البحراني (قده) عن يوسف القطّان في تفسيره (بإسناده المذكور) عن ابن عباس في قوله تعالى:
(يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ).
قال: إذا كان يوم القيامة، دعا الله عزّ وجلّ أئمّة الهدى، ومصابيح الدجى، وأعلام التقى أمير المؤمنين والحسن والحسين ثم يقال لهم:
جوزوا على الصراط أنتم وشيعتكم، وادخلوا الجنّة بغير حساب.
ثم يدعو (الله) أئمة الفسق ـ وإنَّ والله يزيد منهم ـ فيقال له: خذ بيد شيعتك وامضوا إلى النّار بغير حساب)(33).
* * * * *
وأخرج قريباً من هذا المضمون الحافظ القندوزي (الحنفي) في ينابيعه(34).
(وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيل).
الإسراء/ 72.
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: حدثني أبو الحسن الصيدلاني (بإسناده المذكور) عن علي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) للمهاجرين والأنصار:
(حبوا علياً لحبي، وأكرموه لكرامتي، والله ما قلت لكم هذا من قبلي (أي: من تلقاء نفسي) ولكنَّ الله تعالى أمرني بذلك).
ثم قال: (صلى الله عليه وسلّم):
(ويا معشر العرب من أبغض علياً من بعدي، حشره الله يوم القيامة أعمى، ليس له
حُجّة)(35).
(أقول): الحشر أعمى يوم القيامة دليل العمى في الدنيا، فتنطبق على مثله هذه الآية الكريمة، إنْ لم يكن ذلك تأويلها رأساً.
(وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ
وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِير).
الإسراء/ 80.
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا عقيل بن الحسين (بإسناده المذكور) عن عبد الله بن عباس في قوله تعالى:
(وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ
وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِير).
قال ابن عباس:
والله لقد استجاب الله لنبينا دعاءه، فأعطاه علي بن أبي طالب، سلطاناً ينصره على أعدائه(36).
(وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوق)
الإسراء/ 81.
روى العلاّمة البحراني (قده) قال: ذكر أبو بكر الشيرازي في (نزل القرآن في شأن أمير المؤمنين) عن قتادة عن ابن المسيب، عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال لي جابر بن عبد الله: دخلنا مع النبي (صلى الله عليه وسلّم) في البيت، وحوله ثلاثمائة وستون صنماً، فأمر بها رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) فألقيت كلها لوجوهها، وكان على البيت صنم طويل، يقال له (هبل) فنظر النبي (صلى الله عليه وسلّم) إلى علي فقال يا علي، تركب عليّ أو أركب عليك، لأُلقي هبلاً عن ظهر الكعبة؟
(فقال علي) قلت: يا رسول الله بل تركبني، فلمّا جلس على ظهري لم أستطع حمله لثقل الرسالة. فقلت: يا رسول الله أركبك، فضحك ونزل وطأطأ ظهره واستويت عليه. فو الذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لو أردت أنْ أمسك السماء لمسكتها بيدي، فالقيت هبلاً عن ظهر الكعبة.
فأنزل الله:
(وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) الآية(37).
وأخرج ذلك بأسانيد عديدة وبعض الاختلاف ببعض الألفاظ، واتحاد في المعنى، الكثير من الحفّاظ والأثبات والأئمة:
(ومنهم) الإمام أحمد بن حنبل في مسنده(38).
(ومنهم) الحاكم النيسابوري الحافظ في مستدركه(39).
(ومنهم) أبو بكر الخطيب البغدادي في تاريخه(40).
(ومنهم) أخطب خوارزم في مناقبه(41).
(ومنهم) المتقي الهندي (الحنفي) في كنزه(42).
(ومنهم) المحب الطبري (الشافعي) في رياضه(43).
(ومنهم) الكنجي الشافعي القرشي في كفايته(44).
وآخرون...
(وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى
أَكْثَرُ النّاس إِلاَّ كُفُور).
الإسراء/ 89.
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: قرأت في التفسير العتيق (بإسناده المذكور) عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر، محمد بن علي بن الحسين (بن علي بن أبي طالب) في قوله تعالى:
(فَأَبى أَكْثَرُ النّاس إِلاَّ كُفُور).
قال: بولاية علي، يوم أقامه رسول الله (صلى الله عليه وسلّم)(45).
(أقول) يعني: كفروا بولاية علي بن أبي طالب يوم الغدير، التي أقامها الرسول (صلى الله عليه وسلّم) في ذلك اليوم، حيث أخذ بيد علي بن أبي طالب وقال:
(معاشر النّاس من كنت مولاه، فهذا علي مولاه).