(وفيها اثنتان وثلاثون آية)
(بسم الله الرحمن الرحيم * هَلْ أَتى عَلَى الإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ
لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ
أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْناهُ
السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً * إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ
سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً * إِنَّ الأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ
مِزاجُها كافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً
* يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً *
وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّما
نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا
نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ
الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً
وَحَرِيراً * مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا
زَمْهَرِيراً * وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً *
وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا *
قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً * وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ
مِزاجُها زَنْجَبِيلاً * عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ
عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً
مَنْثُوراً * وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً *
عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ
وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً * إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ
سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً * إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً *
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً * وَاذْكُرِ
اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ
لَيْلاً طَوِيلاً * إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ
يَوْماً ثَقِيلاً * نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَإِذا شِئْنا
بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً * إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ
إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً * وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ
عَلِيماً حَكِيماً * يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ
لَهُمْ عَذاباً أَلِيم)
الدهر/ 1 ـ 32.
(أقول): إنّما رقمنا الآيات اثنتين وثلاثين؛ لأنّ البسملة آية مستقلة، كما في الأحاديث الشريفة، والأحاديث الشريفة في نزول هذا السورة بشأن أهل البيت (عليهم السلام) كثيرة جداً، نذكر عدداً منها من تفاسير عديدة.
روى العلاّمة محمود (الآلوسي)، الشافعي ـ في تفسيره (روح المعاني) ـ بعد ذكر رواية مفصلة عن عطاء، عن ابن عباس في ذلك قال ـ:
فهبط جبرئيل (عليه السلام) فقال: خُذها يا محمد، هنّاك الله تعالى في أهل بيتك.
قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): وما آخذ يا جبرئيل؟
فأقرأه:
(هَلْ أَتى عَلَى الإِنْسانِ) (إلى آخر) السورة (1).
* * * * *
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا أحمد بن الوليد بن أحمد (بإسناده المذكور) عن علي بن أبي طالب قال:
لمّا مرض الحسن والحسين، عادهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، فقال لي: يا أبا الحسن، لو نذرت على ولديك لله نذراً أرجو أنْ ينفعهما الله به (فقلت): عليّ لله نذرٌ لئن برىء حبيباي من مرضهما، لأصومنّ ثلاثة أيام (فقالت فاطمة): وعليّ لله نذرٌ لئن برىء ولداي من مرضهما، لأصومنّ ثلاثة أيام، (وقالت) جاريتهم فضة: وعليّ لله نذرٌ لئن برىء سيداي من مرضهما، لأصومنّ ثلاثة أيام، فألبس اللهُ الغلامين العافية، (قال الراوي): فأصبحوا وليس عند آل محمد قليلٌ ولا كثيرٌ، فصاموا يومهم، وخرج عليٌّ إلى السوق (فأتى شمعون بن حانا اليهودي فاستقرض منه ثلاثة آصوع من الشعير فجاء به فقامت)
(2) فاطمة إلى صاع من الشعير فطحنته، وعجنته، وخبزت منه خمسة أقراص، وصلّى عليٌّ مع رسول الله المغرب، ودخل منزله ليفطر، فقدمت إليه فاطمة خبز شعير وملحاً جريشاً وماءً، فلمّا دنوا ليأكلوا، وقف مسكين على الباب فقال:
السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكينٌ من أولاد المسلمين أطعمونا أطعمكم الله على موائد الجنّة (فدفعوا) إلى أقراصهم وباتوا ليلتهم لم يذوقوا إلاّ الماء القراح.
فلمّا أصبحوا، عمدت فاطمة إلى الصاع الآخر فطحنته وعجنته وخبزته خمسة أقراص، وصلّى عليٌّ مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) المغرب، ودخل منزله ليفطر، فقدمت إليه فاطمة خبز شعير وملحاً جريشاً وماءً قراحاً، فلمّا دنوا ليأكلوا، وقف يتيم بالباب فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، يتيم من أولاد المسلمين، استشهد والدي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يوم أُحد، أطعمونا أطعمكم الله على موائد الجنّة، فدفعوا إليه أقراصهم وباتوا يومين وليلتين لم يذوقوا إلاّ الماء القراح.
فلمّا أن كان في اليوم الثالث، عمدت فاطمة إلى الصاع الثالث، فطحنته، وعجنته، وخبزت منه خمسة أقراص، وصاموا يومهم، وصلّى علي مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) المغرب ثم دخل منزله ليفطر، فقدمت فاطمة إليه خبز شعير وملحاً جريشاً وماءً قراحاً، فلمّا دنوا ليأكلوا، وقف أسير بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة، أطعمونا أطعمكم الله، فأطعموه أقراصهم، وباتوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا إلاّ الماء القراح.
فلمّا كان اليوم الرابع، عمد علي ـ والحسن والحسين يرعشان، كما يرعش الفرخ ـ وفاطمة وفضة معهم، فلم فلو يقدروا على المشي من الضعف، فأتوا رسول الله فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم):
(إلهي، هؤلاء أهل بيتي يموتون جوعاً فارحمهم يا ربّ، واغفر لهم، إلهي، هؤلاء أهل بيتي فاحفظهم ولا تنسهم).
فهبط جبرئيل وقال: يا محمد، إنّ الله يقرأ عليك السلام ويقول:
(قد استجبت دعاءك فيهم، وشكرت، ورضيت عنهم)، واقرأ: (إِنَّ الأَبْرارَ
يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُور) ـ إلى قوله: (إِنَّ هذا كانَ
لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُور).
(ثم قال الحافظ الحسكاني): والحديث اختصرته في مواضع (3).
* * * * *
وأخرج هذا الحديث ـ بما يقرب من هذا النص ـ العلاّمة (الحنفي) سبط بن الجوزي في (تذكرته) (4).
* * * * *
وذكر (القرطبي) في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن) ما يُشبه هذا الحديث بل أكثر تفصيلاً عن النّقاش، والثعلبي، والعسيري وغير واحد من المفسّرين، بإسنادهم عن ليث (5) عن مجاهد عن ابن عباس (6).
* * * * *
وقال نظام الدين النيسابوري في تفسيره (غرائب القرآن ورغائب الفرقان): إنّ سورة الدهر نزلت في أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ـ ثم سرد الرواية في ذلك إلى أنْ قال ـ: فأقرأه السورة، ويروى أنّ السائل في الليالي جبرائيل، أراد بذلك ابتلاءهم بإذن الله سبحانه (7).
* * * * *
وقال (الخازن) في تفسيره (لباب التأويل في معاني التنزيل) ـ عند تفسير هذه الآيات من سورة هل أتى ـ: (روي عن ابن عباس أنّها نزلت في علي بن أبي طالب (رضي الله تعالى عنه) وذلك أنّه عمل ليهودي بشيء من شعير، فقبض ذلك الشعير، فطحن منه ثلثه، واصلحوا منه شيئاً يأكلونه، فلمّا فرغ، أتى مسكين، فسأل، فأعطوه ذلك، ثم عمل الثلث الثاني، فلمّا فرغ، أتى يتيمٌ، فسأل، فأعطوه ذلك، ثم عمل الثلث الباقي، فلمّا تمّ نضجه، أتى أسيرٌ من المشركين، فسأل، فأعطوه ذلك، وطووا يومهم وليلتهم، فنزلت هذا الآية (8).
* * * * *
وقال أبو محمد الحسين الفراء (البغوي الشافعي) في تفسيره (معالم التنزيل) روى عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس أنّها نزلت في علي بن أبي طالب؛ وذكر الرواية بنصّها
(9).
وأخرج نحوه تقريباً، وبتفصيل أكثر عالم الشوافع، السيد المؤمن، الشبلنجي في (نور الأبصار)
(10).
* * * * *
وقال الإمام الحافظ محمد بن أحمد بن جزي (الكلبي) الغرناطي في تفسيره المعروف بـ (التسهيل لعلوم التنزيل)، عند قوله تعالى:
(وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ).
قال: نزلت هذه الآية وما بعدها في علي بن أبي طالب، وفاطمة، والحسن، والحسين (رضي الله عنهم)
(11).
* * * * *
وروى الخطيب البغدادي أبو بكر أحمد بن علي في (مناقبه): أنّ هذه السورة ـ سورة هل أتى ـ نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين
(12).
وقال الشيخ الإمام النسوي، الشيخ محمد بن علي، في تفسيره المخطوط:
(وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِير).
(هذا الآية نزلت في شأن أهل البيت (عليهم السلام)، وذلك أنّ الحسن والحسين مرضا مرضاً شديداً، فعادهما النبي (صلى الله عليه) وأصحابُه ـ...) الحديث بطوله
(13).
وذكر معنى ما ذكرناه آنفاً مكرّراً بألفاظ مختلفة.
* * * * *
وأخرج نحواً منه أيضاً الشيخ، الإمام، أحمد بن عبد الله الناصح القادري في تفسيره المخطوط باللغة الكردية، فلا حاجة إلى نقل نصه (14).
* * * * *
وأخرج محمد بن محمد الحسيني ـ من علماء العامة ـ في تفسيره المخطوط من سورة الدهر ما يلي:
(أنّها نزلت في صنيع علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) في إطعامه عشاءه، وعشاء أهله وولده لمسكين ليلةً، ثم ليتيم ليلةً، ثم لأسير ليلةً ثالثةً متواليات)
(15).
وقال القاضي البيضاوي في تفسيره المزجي:
(جنة) بستاناً يأكلون منه (وحريراً) يلبسون، وعن ابن عباس أنّ الحسن والحسين (رضي الله عنهما) مرضا، فعادها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ... وذكر القصة الآنفة إلى أنْ قال: فنزل جبرئيل بهذه السورة وقال: خذها يا محمد، هنّأك الله في أهل بيتك)
(16).
* * * * *
وذكر جلال الدين السّيوطي في حاشية له على تفسير البيضاوي قال بعد (وأسيراً):
قوله: (وعن ابن عباس أن الحسن والحسين مرضا... الخ).
قال: رواه الثعلبي (17).
* * * * *
وأخرج ذلك بشيء من التفصيل بعبارات مختلفة في الأداء، ومتّفقة في المعنى، الأعلامُ التالية أسماؤهم:
(مثل) العالم الحنفي الشيخ علي المهايمي في تفسيره الموسوم بـ (تبصير الرحمن وتيسير المنّان)، عند تفسير سورة (هل أتى)
(18).
* * * * *
(ومثل) قاضي القضاة محمد بن محمد البغدادي المُكنّى بـ (أبي السعود) في تفسيره الموسوم بـ (إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم)، المعروف بـ (تفسير أبي السعود)
(19).
(ومثل) السيد محمد عثمان المحجوب المكي، في تفسيره المُسمّى بـ (تاج التفاسير) عند
تفسيره لهذه السورة المباركة (20).
* * * * *
(ومثل) الصوفي المعروف (مُحيي الدين بن عربي) في تفسيره المزجي الموسوم بـ (تفسير القرآن الكريم) قال:
(وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ) في حالة احتياجهم إليه لسد خلّة جوع من يستحقه، ويؤثرون به غيرهم على أنفسهم، كما هو المشهور عن قصة علي وأهل بيته (عليهم الصلاة والسلام) في شأن نزول الآية،من الإيثار بالفطور على المستحقين الثلاثة، والصبر على الجوع، والصوم ثلاثة أيام)
(21).
* * * * *
(ومثل) الفقيه المتصوف الشافعي الإمام القشيري (أبو القاسم) في تفسيره الكبير المسمّى بـ (لطائف الإشارات) ذكر نحو ما ذكره معظم المفسّرين (22).
* * * * *
(ومثل) علاّمة الأحناف الشيخ نعمة الله النخجواني في تفسيره الموسوم بـ (الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية) ذكر مثل بقية التفاسير
(23).
وغيرهم...
وغيرهم... كثيرٌ من أئمّة الحديث، والمفسّرين، وكتّاب التاريخ يُعدون بالمئات.. والمئات ذكروا نزول هذه السورة بأكملها، أو نزول هذه الآيات منها في شأن (علي وفاطمة والحسن والحسين) (عليهم السلام).
(ومثل): محدّث الشافعية جلال الدين بن أبي بكر السّيوطي في تفسيره (24).
(ومثل): العلاّمة الواحدي، أبي الحسن المفسّر في أسبابه (25).
(ومثل): علاّمة المفسّرين، أبي حيان الأندلسي في بحره (26).
(ومثل): عزّ الدين بن الأثير في أسد الغابة في معرفة الصحابة (27) ذكر ذلك في ترجمة (فضة النوبية)، جارية فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها).
(ومثل): علاّمة الشوافع، ابن حجر العسقلاني في الإصابة (28).
(ومثل): علاّمة الأحناف، أخطب خطباء خوارزم، الموفّق بن أحمد في مناقبه (29).
(ومثل): مفتي العراقين، الكنجي (الشافعي) في كفايته (30).
(ومثل): الحكيم الترمذي، محمد بن علي بن الحسن في نوادره (31).
(ومثل) ابن عبد ربّه في العقد الفريد (32).
وقال أبو حيان الأندلسي، الغرناطي، في تفسيره الكبير المُسمّى بـ (البحر المحيط) عند سورة الدهر:
(وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِير).
(إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُور).
قال: أي: ثناءً بالأقوال.
(وهذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب ـ كرّم الله وجهه ـ وذكر النّقاش في ذلك حكاية طويلة جداً...)
(33).
* * * * *
ونقل قريباً من ذلك بتفصيل أكثر، علاّمة الحنفية، الشيخ المهايمي في تفسيره، وأنّ الآيات نزلت في علي، وفاطمة، والحسن، والحسين (34).
(وفيها خمس آيات)
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ * وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)
المرسلات/ 41 ـ 44
روى الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا عقيل بن الحسين (بإسناده المذكور) عن ابن عباس (في قوله تعالى):
(إنّ المتقين) (وهم) الذين اتقوا الشرك والذنوب الكبائر، علي والحسن والحسين.
(في ظلال) يعني ظلال الشجر، والخيام من اللؤلؤ.
(وعيون) يعني: ماءً طاهراً يجري.
(وفواكه) يعني: ألوان الفواكه.
(ممّا يشتهون) يقول: ممّا يتمنون.
(كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئ) لا موت عليكم في الجنة ولا حساب...
(بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) يعني: تطيعون الله في الدنيا.
(إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين) أهل بيت محمد في الجنة (35).
(.. ويل يؤمئذ للمكذبين)
المرسلات/ 15.
أخرج العلاّمة الكبير، أبو نعيم الأصبهاني، أحمد بن عبد الله في موسوعته الكبيرة (حلية الأولياء) عن يعقوب بن موسى الهاشمي (بسنده المذكور) عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم):
(من سرّه أنْ يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنّة عدنٍ غرسها ربي، فليوالِ علياً من بعدي، وليوالِ وليّه).
وليقتدِ بالأئمّة من بعدي، فإنّهم عترتي خُلقِوا من طينتي، رزقوا فهماً وعلماً.
وويل للمكذّبين بفضلهم من أمتي.
للقاطعين فيهم صلتي.
لا أنالهم الله شفاعتي (36).
(أقول): هذا الحديث الشريف، وكلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) الذي (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى)،
يدلُّ على أنّ من أصحاب الويل يوم القيامة، ومن مصاديق (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) هم المنحرفين عن علي وعن الأئمّة من عترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم).
(ولا يخفى) أنّه بتكرار هذه الآية عدة مرات في هذه السورة يكون عدد نزولها في المنحرفين عن أهل البيت (عليهم السلام)، ولِما سبق من عدم التكرار المعنوي في القرآن بل هو تكرار لفظي (فتأمل).
أخرج الكنجي (الشافعي) في كفايته، عن أستاذه التغلبي (بسنده المذكور) عن عمّار بن ياسر، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول لعلي:
(يا علي، طوبى لمن أحبّك، وصدق فيك).
(وويلٌ لمن أبغضك، وكذّب فيك).
ثم قال: هذا الحديث عالٍ حسنٌ رويناه عن الجمّ الغفير.
قال: وقيل: الويل وادٍ في جهنم، تتعوذ النار في كل يوم من شرره وحره سبعين مرة؛ لبعد قعره وكثرة سلاسله، وأغلاله، وما أعدَّ الله تعالى فيه من العقوبة والنكال لمن جازاه به
(37).
وفسره بذلك أيضاً جمال الدين بن منظور محمد في لسان العرب (38) وكذلك يحيى بن سعدون بن تمام القرطبي في تفسيره
(39).
(وفيها اثنتا عشرة آية)
(بسم الله الرحمن الرحيم * عَمَّ يَتَساءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ * كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ)
النبأ/ 1 ـ 4
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا عقيل بن الحسين (بإسناده المذكور) عن عبد خير، عن علي بن أبي طالب قال:
أقبل صخر بن حرب، حتى جلس إلى رسول الله، فقال: الأمر بعدك لمن؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): من هو مني بمنزلة هارون من موسى.
فأنزل الله:
(عَمَّ يَتَساءَلُونَ) يعني: يسألك أهل مكة عن خلافة علي.
(عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) فمنهم المصدق ومنهم المكذب بولايته.
(كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ) وهو ردُّ عليهم سيعرفون خلافته أنّها حقٌّ، إذ يُسألون عنها في قبورهم، فلا يبقى ميت في شرق ولا غرب، ولا بر، ولا بحر، إلاّ ومنكر ونكير يسألانه، يقولان للميت:
من ربُّك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ ومن إمامك؟ (40).
(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً * حَدائِقَ وَأَعْناباً * وَكَواعِبَ أَتْراباً *
وَكَأْساً دِهاقاً * لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً * جَزاءً مِنْ
رَبِّكَ عَطاءً حِساب)
النبأ/ 31 ـ 36
روى الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا عقيل (بإسناده المذكور) عن ابن عباس (في قوله تعالى):
(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفاز).
قال: هو علي بن أبي طالب، هو والله، سيّد من اتقى الله وخافه، اتقاه عن ارتكاب الفواحش، وخافه عن اقتراف الكبائر.
(مفاز) يعني: نجاة من النار والعذاب، وقرباً من الله في منازل الجنة (41).
(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ
أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواب)
النبأ/ 38
روى الحاكم الحسكاني (الحنفي) (قال) حدثني علي بن محمد بن عمر الزّهري (بإسناده المذكور) عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر (في قوله تعالى):
(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ).
قال: إذا كان يوم القيامة خطف قول: (لا إله إلا الله) عن قلوب العباد في الموقف، إلاّ من أقرّ بولاية علي، وهو قوله (تعالى):
(إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ).
من أهل ولاية علي، فهم الذين يؤذن لهم بقول: (لا إله إلا الله) (42).
(وفيها آيتان)
(وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى)
النازعات/ 40 ـ 41
روى الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا عقيل (بإسناده المذكور) عن ابن عباس في قوله تعالى:
(وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ).
يقول: علي بن أبي طالب خاف مقامه بين يدي ربه، وحسابه، وقضاءه بين العباد، فانتهى عن المعصية، ونهى نفسه عن الهوى (يعني) عن المحارم التي تشتهيها النفس، فإنّ الجنة هي مأواه خاصة، ومن كان هكذا عاماً
(43).
(وفيها آيتان)
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ)
عبس/ 38 ـ 39
روى الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا عقيل بن الحسين (بإسناده المذكور) عن أنس بن مالك، قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن قوله (تعالى):
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ).
قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): يا أنس، هي وجوهنا بني عبد المطلب، أنا وعلي وحمزة وجعفر والحسن والحسين وفاطمة، نخرج من قبورنا، ونور وجوهنا كالشمس الضاحية يوم القيامة.
قال الله تعالى:
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ) يعني: مشرقة بالنور في أرض القيامة.
(ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) بثواب الله الذي وعدنا (44).
(وفيها تسع عشرة آية)
(كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ * كِتابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ * إِنَّ الأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الأَرائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ)
المطففين/ 18 ـ 26
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: حدثنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ (بإسناده المذكور) عن أبي الزبير، عن جابر (بن عبد الله الأنصاري)
(45): أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في غزوة الطائف دعا علياً فانتجاه، ثم قال:
أيُّها الناس، إنّكم تقولون: إني انتجيت علياً، ما أنا انتجيته، إنّ الله انتجاه.
ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلّم):
(وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) (46).
(أقول): ذكرنا الآيات السابقة على هذه الآية التي تلاها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وذلك لأنّ كلمة (ذلك) إشارة إلى تلك الآيات، فهي في كونها آيات وحدة واحدة، ومعنى غير متفرق.
(وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ)
المطففين/ 27 ـ 28
روى الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: حدثنا الحاكم الوالد (بإسناده المذكور) عن جابر بن عبد الله، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في قوله تعالى:
(وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ).
قال: هو أشرف شراب الجنة، يشربه آل محمد، وهم المقرّبون السابقون، رسول الله، وعلي بن أبي طالب، وخديجة وذريتهم الذين اتبعوهم بإيمان
(47).
(إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ * وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ)
المطفّفين/ 29 ـ 36
روى الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: في تفسير (مقاتل) رواية إسحاق عنه.
(إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ)
وذلك: أنّ علي بن أبي طالب انطلق في نفر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)
فسخر منهم المنافقون وضحكوا، وقالوا: (إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ) يعني: يأتون محمداً يرون أنّهم على شيء.
فنزلت هذه الآية قبل أنْ يصل علي ومن معه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال (تعالى):
(إنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُو) يعني: المنافقين.
(كانوا من الذين آمنو) يعني: علياً وأصحابه.
(يضحكون) إلى آخرها (يعني إلى آخر الآيات، وإلى آخر السورة، وكلاهما واحد) (48).
* * * * *
وروى هو أيضاً، قال: (روى) سعيد بن أبي سعيد البلخي (بإسناده المذكور) عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله (تعالى):
(إنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُو).
قال: هم بنو عبد شمس، مرَّ بهم علي بن أبي طالب، ومعه نفر فتغامزوا به وقالوا هؤلاء الضلال، فأخبر (الله تعالى) ما للفريقين عنده جميعاً يوم القيامة، قال:
(فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُو) علي وأصحابه.
(مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ)
بتغامزهم، وضحكهم، وتضليلهم علياً وأصحابه.
فبشّر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) علياً وأصحابه الذين كانوا معه، إنّكم ستنظرون إليهم وهم يُعذّبون في النار
(49).
وأخرجه الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي في مناقبه قال:
إنّ علي بن أبي طالب جاء في نفر من المسلمين إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فسخر منهم المشركون وقالوا لأصحابهم: رأينا الأصلع فضحكنا منه، فأنزل الله الآية قبل أنْ يصلَ علي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)
(50).
* * * * *
وروى نحواً منه الفخر الرازي في تفسيره الكبير (51).
والزمخشري في تفسيره (52).
ونقله أخطب الخطباء الخوارزمي، عن مقاتل والكلبي في مناقبه (53).
وآخرون أيضاً...
(وفيها أربع آيات)
(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً
يَسِيراً * وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُور)
الانشقاق/ 7 ـ 9
أخرج علاّمة الحنفية مير محمد صالح الترمذي في مناقبه قال: عن مناقب طراز
المحدّثين، الحافظ أحمد بن موسى بن مردويه في قوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ).
قال: نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه (54).
(أقول): حيث كانت الآيتان التاليتان لهذه الآية تتمةً لها ولا تتمُّ إلاّ بهما ذكرناهما أيضاً.
(إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)
الانشقاق/ 25
روى الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: حدثني علي بن أوس بن إسحاق (بإسناده المذكور) عن عكرمة، عن ابن عباس قال:
ما في القرآن آية: (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) إلاّ وعليٌّ أميرها وشريفها، وما من أصحاب محمد رجل، إلاّ وقد عاتبه الله، وما ذكر علياً إلاّ بخير.
ثم قال عكرمة: إنّي لأعلم أنّ لعلي منقبةً لو حدثت بها لنفدت أقطار السماوات والأرض (أو) قال: الأرض
(55).