:: سورة محمد

(وفيها خمس وعشرون آية)

1. (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) / 2.
2. (ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ) / 3.
3. (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (إلى) عَرَّفَهَا لَهُمْ) / 4 ـ 6.
4. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) / 7.
5. (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ) / 11.
6. (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) / 12.
7. (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) / 14.
8. (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا) / 15.
9. (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ (إلى) وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) / 16 ـ 17.
10. (فَإِذَا عَزَمَ الأمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ (إلى) وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) / 21 ـ 23.
11. (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ (إلى) فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) / 25 ـ 28.
12. (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ (إلى) فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) / 29 ـ 30.
13. (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ) / 31.
14. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) / 32.
15. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ) / 33.
16. (فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) / 35.

ورد في عديد من الروايات أنّ آيات سورة (محمد) على نوعين:
نوع في علي بن أبي طالب، وأهل البيت (عليهم السلام)، وهي آيات المتقين والصالحين وآيات الجنة والثواب، ونحو ذلك.
ونوع في بني أمية، وهي آيات الفاسقين والكافرين وآيات النّار والعذاب والعقاب، ونحو ذلك.

* * * * *

ونحن روماً للترتيب بين الآيات ـ كعادتنا ـ، نذكر الآيات النازلة في أهل البيت وفي طليعتهم علي بن أبي طالب (عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام)، عند محلها من السورة، حسب ترقيم الآيات في الطبعات المعروفة من القرآن، والمنتشرة بين المسلمين.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ)
محمد (ص) / 2
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: حدثونا عن أبي العباس بن عقدة (بإسناده المذكور)، عن عبد الله بن حزن قال:
سمعت الحسين بن علي بمكة ذكر (قول الله تعالى):
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ)
ثم قال: نزلت فينا وفي بني أمية (1).
(أقول): يعني الآية الأولى عن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله، هي النازلة في بني أمية، والآية الثانية عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد، هي النازلة في أهل البيت (عليهم السلام).
(ويحتمل) قوياً كون المراد من قراءة الآيتين أنّ السورة بكاملها هي النازلة في بني أمية وأهل البيت، لأنّ سياقها سياق آيات عديدة.
منها بهذا المعنى (ولما) تعارف في عديد الأحاديث من التعبير عن سورة بذكر الآية الأولى منها، أو قطعة منها.
(ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ)
محمد (ص) / 3.
روى الحافظ (الفقيه الشافعي) جلال الدين السّيوطي قال:
وأخرج ابن مردويه عن علي قال:
(سورة محمد آية فينا وآية في بني أمية) (2).
(أقول): فبنو أمية هم (الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ).
وعلي بن أبي طالب وأهل البيت هم (وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ).
(وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ)
محمد (ص) / 4 ـ 6
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا عقيل بن الحسين (بإسناده المذكور) عن عطاء، عن عبد الله بن عباس، قال في قول الله عزّ وجلّ:
(وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) هم والله حمزة بن عبد المطلب، سيد الشهداء، وجعفر الطيار، (وعلي بن أبي طالب).
(فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) يقول: لن يبطل حسناتهم في الجهاد وثوابهم الجنة.
(سيهديهم) يقول: يوفقهم للأعمال الصالحة.
(ويصلح بالهم) حالهم، ونياتهم، وعملهم.
(وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ) وهداهم لمنازلهم (3).
(أقول): في مخطوط (شواهد التنزيل) لا توجد كلمة (علي بن أبي طالب)، ولكنها مرادة قطعاً، لما مرّ ويأتي من مستفيض الأحاديث عن علي، وعن أهل البيت ـ (عليهم الصلاة والسلام) ـ بأنّ السورة آية فيهم وآية في بني أمية، وعلي (عليه السلام) سيّد أهل البيت وكبيرهم، ولعله سقط عن قلم المؤلف أو النُساخ.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ)
محمد (ص) / 7
أخرج عالم الشافعية إبراهيم بن محمد الحمويني (الجويني) في حليته عن محمد بن عمر بن غالب بسنده المذكور عن ابن عباس:
قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم):
ما أنزل الله آية فيها (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُو) إلاّ وعليٌّ رأسها وأميرها (4).
(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ)
محمد (ص) / 11
روى الحافظ الحسكاني (الحنفي) قال حدثنا عقيل بن الحسين (بإسناده المذكور) عن سعيد بن جبير (5) عن ابن عباس (في قول الله تعالى):
(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُو) يعني: وليّ علي، وحمزة، وجعفر، وفاطمة، والحسن، والحسين، وولي محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم)، ينصرهم بالغلبة على عدوّهم.
(وَأَنَّ الْكافِرِينَ) يعني: أبا سفيان بن حرب وأصحابه.
(لا مولى لهم) يقول: لا ولي لهم يمنعهم من العذاب (6).
(إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ)
محمد (ص) / 12
روى الحافظ الحسكاني (الحنفي) عن السبيعي قال:
وورد عن أبي جعفر الباقر في هذه السورة ـ سورة محمد ـ:
(أنّه قال):
آية فينا وآية في بني آمية.
(أقول): فعلي بن أبي طالب وأهل البيت، هم مصداق لقوله تعالى:
(إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ).
وبنو أمية، هم مصاديق لقوله تعالى:
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ).

* * * * *

ونقل العلاّمة السيد هاشم البحراني في كتاب صغير له قال في أولّه: (هذه نبذة من مناقب أمير المؤمنين نقلتها من كتب أهل السنة)
قال فيه:
وروى ابن مردويه عن مجاهد، أنّه قال: نزل في علي، وحمزة، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، حين بارزوا عتبة وشيبه والوليد (قوله تعالى):
(إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ) الآية (7).
(أقول): هذه القطعة من الآية مكرّرة في القرآن بنصها ثلاث مرات، وحيث إنّ المذكور في حديث مجاهد هي هذه القطعة فقط، أمكن انطباق الحديث على الآيات الثلاث، ولذا ذكرناه هنا أيضاً.
(أفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ)
محمد (ص) / 14
روى الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: حدثنا أبو عمرو بن السماك (بإسناده المذكور) عن عبد الله بن عباس (في قوله تعالى):
(أفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) يقول: على دين من ربه، نزلت في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وعلي، كانا على شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
(كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) أبو جهل بن هشام، وأبو سفيان بن حرب إذا هويا شيئاً، عبداه. فذلك قوله (تعالى):
(وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) (8).
(أقول): قوله (كانا على الشهادة) الخ يعني: كانا منذ الأزل موحدين مؤمنين (وهذا) معنى الكلام المعروف حيثُ سُئل: (متى آمن علي؟) فأجيب: (متى لم يكن مؤمناً؟!).
(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ)
محمد (ص) / 15
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا أبو سعد المعادي (بإسناده المذكور) عن جعفر بن الحسين الهاشمي قال ـ في هذه السورة ـ يعني سورة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم):
(آية فينا، وآية في بني أمية) (9):
(أقول): فالمتقون الذين وعدوا الجنة، هم علي وأولاده الطاهرون، أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً.
والخالدون في النار وسقوا ماءً حميماً فقطع أمعاءهم هم بنو أمية.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ * وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ)
محمد (ص) / 16 ـ 17
روى الآلوسي في تفسير قال:
أخرج ابن مردويه عن علي (كرّم الله وجهه) أنّه قال:
(نزلت سورة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) آية فينا وآية في بني أمية) (10).
(أقول): يعني: آيات هذه السورة واحدة منها في أهل البيت، وواحدة في بني أمية، فما فيها من آيات الخير، والصلاح، والجنة والثواب فهي في أهل البيت، وما فيها من آيات النار، والعقاب، والعذاب ففي بني أمية.
فـ (الذين اهتدو) هم علي وباقي أهل البيت.
و (الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) هم بنو أمية.
(فَإِذا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ * فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ * أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ)
محمد (ص) / 21 ـ 23
روى الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: حدثنا المنتصر بن نصر بن تميم الواسطي (بإسناده المذكور) عن ابن عباس (في قوله تعالى):
(فَإِذا عَزَمَ الأَمْرُ) يقول: جد الأمر وأمروا بالقتال.
(فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ) نزلت في بني أمية ليصدقوا الله في إيمانهم وجهادهم وسمحوا بالطاعة والإجابة لكان خيراً لهم من المعصية والكراهية.
(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) فلعلكم إنْ ولّيتم أمر هذه الأمة، أنْ تعصوا الله.
(وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) قال ابن عباس: فولاهم الله (يعني: مكّنهم الله للاختبار والامتحان لهم وللناس) أمر هذه الأمة، فعملوا بالتجبر والمعاصي، وتقطعوا أرحام نبيهم محمد وأهل بيته (11).
(أقول): قوله: (فولاّهم الله أمر هذه الأمة) نظير قوله تعالى:
(وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيه) الإسراء ـ 16.

* * * * *

روى الثعلبي في تفسيره عند قوله تعالى:
(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ).
إنّ الآية نزلت في بني أمية.
(أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) (12).
وروى السّيوطي (الشافعي) في تفسيرهم قال: وأخرج عبد بن حميد عن بكر بن عبد الله المزني في قوله: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) الآية قال: ما أراها نزلت إلاّ في الحرورية (13).
(أقول): الحرورية هم طائفة من الخارجين على علي بن أبي طالب (عليه السلام)، نسبوا إلى (حروراء) موضع قرب الكوفة كان أول اجتماعهم فيه (14).
(إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ * ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ * ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ)
محمد (ص) / 25 ـ 28
هؤلاء هم مبغضو علي (عليه السلام).
روى (الفقيه الشافعي) السّيوطي في تفسيره قال: وأخرج ابن جرير عن ابن عباس (رضي الله عنهما):
(إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ) إلى (إسرارهم).
هم أهل النفاق.
قال: وأخرج ابن المنذر عن مجاهد (رضي الله عنه) في قوله: (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) قال: يضربون وجوههم وأستاهم، ولكنّ الله كريمٌ يكنّي.
ثم أكد (السّيوطي) على أنّ المقصود بهذه الآيات من المنافقين هم مبغضو علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال ـ بعد هاتين الروايتين ـ:
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال:
ما كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلاّ ببغضهم علي بن أبي طالب (15).
(أقول): هذه الآيات نزلت في المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله.
ولا يُعرف المنافقون على عهد رسول الله إلاّ ببغضهم علي بن أبي طالب.
(النتيجة): فهذه الآيات المقصود بها ـ أو أهم مصداق لها ـ هم مبغضو علي بن أبي طالب (عليه السلام).
ويكون المقصود بكلمات (الهدى) و (للذين كرهوا) و (رضوانه) هو علي بن أبي طالب. (عليه الصلاة والسلام).
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ * وَلَوْ نَشاءُ لأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ)
محمد (ص) / 29 ـ 30
روى الفقيه الشافعي (السّيوطي) في تفسيره قال: وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) في قوله:
(وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ).
قال: ببغضهم علي بن أبي طالب (16).

* * * * *

(أقول): إنّما ذكرنا الآية السابقة: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَض) الآية لأنّ ضمير (لتعرفنهم) راجع إليهم، وهما كالمبتدأ والخبر، كلٌّ منهما متممٌ للآخر.

* * * * *

وممّن أخرج ذلك أيضاً فقيه العراقين، مفتي الشافعية، محمد بن يوسف بن القرشي الكنجي في كفايته، ونقله عن تاريخ ابن عساكر أيضاً (17).
(وأخرجه) أيضاً علاّمة الشوافع، جلال الدين بن أبي بكر السّيوطي في تفسيره (18).
(وأخرجه) أيضاً الحافظ الشافعي، أبو الحسن بن المغازلي في مناقبه (19).
(وأخرج الترمذي في جامعه الصميم، حديث أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال: (إنْ كان لنعرف المنافقين ـ نحن معاشر الأنصار ـ ببغضهم علي بن أبي طالب) (20).
وآخرون أيضاً.
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ)
محمد (ص) / 31
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: حدثنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ (بإسناده المذكور) عن الحرث بن حصيرة، عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجز، عن علي قال:
(سورة محمد آية فينا وآية في بني أمية) (21).
(أقول): فالمجاهدون والصابرون في هذه الآية هم علي وأولاده الأئمّة المعصومون (عليهم السلام) باعتبارهم أفضل وأكمل المصاديق لذلك.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ)
محمد (ص) / 32
روى الحافظ سليمان القندوزي (الحنفي) عن الحافظ أبي بكر بن مردويه في كتاب (المناقب) في قوله تعالى:
(وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى).
روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال:
تبيّن لهم الهدى في أمر علي (22).
وأخرج نحواً منه علاّمة الأحناف الكشفي الترمذي في مناقبه عن علي (عليه السلام) (23).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)
محمد (ص) / 33
أخرج العالم الحنفي محمد الصبّان المصري في إسعاف الراغبين، بسنده المذكور عن ابن عباس، قال: ما أنزل الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُو) إلاّ وعلي أميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمد في غير مكان وما ذكر علياً إلاّ بخير (24).
(فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ)
محمد (ص) / 35
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال:
وقال الحسن بن الحسن:
إذا أردت أنْ تعرفنا وبني أمية فاقرأ (سورة) (الذين كفرو) آية فينا وآية فيهم إلى آخر السورة (25).
(أقول): فالأعلون هم أهل البيت: علي وأولاده الطاهرون.
والله مع علي وأولاده الطاهرين.
ولن يَتِرَ اللهُ أعمال أهل البيت: عليّ وأولاده الطاهرين.


:: سورة الفتح

(وفيها أربع آيات)

1. (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ) / 10.
2. (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) / 18.
3. (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ) / 26.
4. (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) / 29.
5. (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) / 29.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ً)
الفتح/ 1
أخرج العلاّمة الطبرسي في (مجمع البيان)، عن مجاهد والعوفي، أنّهما قالا: إنّ المراد بالفتح هنا فتح خيبر (26).
وروى (سيد قطب) في تفسيره (في ظلال القرآن) قال: وروى الإمام أحمد ـ بإسناده ـ عن مجمع بن حارثة الأنصاري ـ (رضي الله عنه) ـ وكان أحد القراء الذين قرؤوا القرآن قال: شهدنا الحديبية، فلمّا انصرفنا عنها، إذا الناس ينفرون الأباعر، فقال الناسُ بعضُهم لبعض: ما للناس؟ قالوا: أوحي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، فخرجنا مع الناس نوجف فإذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) على راحلته عند (كراع الغميم) فاجتمع الناس عليه، فقرأ عليهم: (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِين) قال: فقال رجلٌ من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): أي رسول الله، أَوَ فتحٌ هو؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): (أي والذي نفس محمد بيده، إنّه لفتحٌ) (27) (ففتحت خيبر على أهل الحديبية لم يدخل فيها أحد إلاّ من شهدها) (28).

* * * * *

أخرج أحمد بن عبد الله، أبو نعيم الأصهباني في موسوعته الكبيرة (حلية الأولياء) قال: حدثنا أبو بكر بن خلاد (بسنده المذكور) عن سلمة بن الأكوع قال:
(بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أبا بكر الصديق برايته إلى حصون خيبر يقاتل، فرجع ولم يكن فتح وقد جهد).
ثم بعث عمر الغد فقاتل فرجع ولم يكن الفتح وقد جهد.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم):
(لأُعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه ليس بفرّارِ).
قال سلمة: فدعا علياً وهو أرمد، فتفل في عينيه فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم):
(هذه الراية أمضِ بها حتى يفتح الله على يديك).
قال سلمة: فخرج بها ـ والله ـ يهرول هرولة وأنا خلفه نتبع أثره... فما رجع حتى فتح الله على يديه (29).
 (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيم)
الفتح/ 10
نقل العلاّمة القبيسي، عن الإمام محمد بن جرير (الطبري) في خطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يوم الغدير، وأنّه قال فيما قال (صلى الله عليه وآله وسلّم):
(معاشر الناس: سلّموا على علي بإمرة المؤمنين)، ثم تلا قوله تعالى:
(فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيم) (30).
(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيب)
الفتح/ 18
روى الفقيه الشافعي (السّيوطي) في تفسيره قال:
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة (في قوله تعالى):
(وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيب).
قال: خيبر حيث رجعوا من صلح الحديبية (31).

* * * * *

وروى موفّق بن أحمد الخوارزمي (الحنفي) قال: قال (جابر بن عبد الله الأنصاري): كنّا يوم الحديبيه ألفاً وأربعمائة، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم):
(أنتم اليوم خيار أهل الأرض).
فبايعنا تحت الشجرة على الموت، فما نكث أصلاً أحدٌ إلاّ ابن قيس، ـ وكان منافقاً ـ.
وأولى الناس بهذه الآية علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) لأنه (تعالى) قال: (وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيب).
يعني: خبير، وكان ذلك على يد علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) (32).
(أقول): إذاً فهذه الآية فضيلة لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، لأنّ الفتح القريب الذي جعله الله ثواباً وجزاءً للمسلمين، جعله الله بيد علي بن أبي طالب.
وذكر حديث جابر هذا جمع عديدٌ من أعلام المذاهب.
(منهم): الخطيب أبو بكر أحمد بن علي البغدادي في كتاب (المناقب) (33).
(ومنهم): عالم الشافعية محمد بن يوسف بن محمد الكنجي في (الكفاية) (34):
وقال (سيد قطب) في تفسيره (في ظلال القرآن) عن هذه الآية الكريمة ضمن حديث:
(وهو ـ أي فتح خيبر ـ الفتح الذي يذكره أغلب المفسّرين على أنّه هو هذا الفتح القريب الذي جعله الله للمسلمين) (35).
وذكر أبو محمد عبد الملك بن هشام الحميري البصري صاحب السيرة النبوية في سيرته عن جابر في قوله تعالى: (وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيب) إنّه فتح خيبر، وكان ذلك على يد علي بن أبي طالب (36).
(فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيم)
الفتح/ 26
أخرج العلاّمة الخوارزمي، موفّق بن أحمد (الحنفي) قال ـ في حديث ـ عن علي بن أبي طالب: (والله ولي الإحسان إليهم والمثال على أهل بيتي بما أسلفوا من الصالحات، وقد أنزل الله تعالى في كتابه فضلهم يوم حنين فقال:
(فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ).
وإنّما عنانا بذلك دون غيرنا (37).
وأخرج العلاّمة (الشافعي) محمد بن طلحة القرشي ـ المتوفى سنة (652) هجرية ـ في كتاب (مطالب السؤول في مناقب آل الرسول) بسنده المذكور عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأبي برزة وأنا أسمع:
(يا أبا برزة، إنّ الله عهد إلي في علي بن أبي طالب أنّه راية الهدي.. وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين) (38).
وأخرجه أيضاً علاّمة الهند (بسمل) عن ابن مردويه (39).
(أقول): فالمقصود من (كلمة التقوى) هنا هو علي بن أبي طالب (عليه السلام).
(... فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيب)
الفتح/ 27
أخرج العلاّمة الشيخ الطبرسي في تفسيره (مجمع البيان) عن (عطاء) (ومقاتل)، أنّ الفتح في هذه الآية يعني: فتح خيبر (40).

* * * * *

وقال (سيّد قطب) في تفسيره (في ظلال القرآن):
(وهكذا صدقت رؤيا رسول الله ـ (صلى الله عليه وآله وسلّم) ـ وتحقق وعد الله، ثم كان الفتح ـ أي فتح خيبر ـ في العام الذي يليه) (41).

* * * * *

وأخرج علاّمة الشافعية ابن حجر (العسقلاني) في كتابه (تهذيب التهذيب) بسنده عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله ـ (صلى الله عليه وآله وسلّم) ـ عمر إلى أهل خيبر فرجع فقال ـ (صلى الله عليه وآله وسلّم): (لأُعطين الراية رجلاً يحبُّ الله ورسوله، ويحبُّه الله ورسوله ليس بفرّار، ولا يرجع حتى يفتح الله على يديه).
قال: فدعا علياً ـ كرّم الله وجهه ـ فأعطاه الراية فسار بها، ففتح الله عليه (42).
وأخرج نحواً من ذلك بتعبيرات شتّى ومعنى واحد العديد من الحفّاظ والأثبات.
(منهم) ابن سعد في طبقاته (43).
(ومنهم) الحافظ مسلم القشيري في صحيحه (44).
(ومنهم) الحاكم النيسابوري في مستدركه (45).
(ومنهم) الحافظ البيهقي في سننه (46).
(ومنهم) الحافظ ابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية (47).
(ومنهم) العلاّمة شهاب الدين النويري في نهاية الأرب (48).
وآخرون كثيرون...
(أقول): حيث إنّ هذا الآية الكريمة نزلت في قصة فتح خيبر، وإنّ فتح خيبر تمَّ على يد أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب (عليه السلام)، كانت الآية خاصة بعلي بن أبي طالب (عليه السلام).
(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ)
الفتح/ 29
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: حدثني علي بن أحمد الأهوازي (بإسناده المذكور) عن ابن عباس في قوله الله تعالى:
(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ) ـ في حديث ـ:
(تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّد) علي (بن أبي طالب).
(يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) (يعني): بعلي (49).

* * * * *

وروى هو أيضاً قال: أخبرنا أبو محمد بن نامويه الأصبهاني (بإسناده المذكور) عن أسلم بن الجنيد، عن الحسن في قوله تعالى:
(فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) علي بن أبي طالب.
(يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ) المؤمنين (50).

* * * * *

وروى علاّمة الهند، عبيد الله بسمل في كتابه الكبير في فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عن النظيري في (الخصائص العلوية) بسنده عن الحسن بن علي (رضي الله عنهما) في قوله تعالى: (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) قال:
استوى الإسلام بسيف علي بن أبي طالب (51).
(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيم)

الفتح/ 29.
أخرج الحافظ (الشافعي) أبو الحسن بن المغازلي في مناقبه عن الحسن بن أحمد بن موسى (بسنده المذكور) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: سأل قوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيمن نزلت هذه الآية؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): (إذا كان يوم القيامة، عقد لواء من نور أبيض ونادى منادٍ: ليقم سيّد المؤمنين، ومعه الذين آمنوا بعد بعث محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم)، فيقوم علي بن أبي طالب فيُعطى اللواء من النور الأبيض بيده، وتحته جميع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار لا يخالطهم غيرهم، حتى يجلس على منبر من نور ربِّ العزّة، ويعرض الجميع عليه رجلاً رجلاً، فيعطيه أجره ونوره، فإذا أتى على آخرهم قيل: لهم قد عرفتم صفتكم ومنازلكم في الجنة، إنّ ربّكم يقول: إنّ لكم عندي مغفرةً وأجراً عظيماً يعني: الجنّة.
فيقوم علي والقوم تحت لوائه معهم يدخل به الجنة.
ثم يرجع إلى منبره، فلا يزال يعرض عليه جميع المؤمنين، فيأخذ نصيبه منهم إلى الجنّة، ويُنزل أقواماً على النّار (52).
(أقول): ظاهر هذه الآية، وصريح هذا الحديث، أنّ المؤمنين برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا يدخلون الجنّة جميعهم، وإنّما ينقسمون قسمين: فريق في الجنة، وهم المؤمنون بعلي بن أبي طالب وصياً وخليفة لرسول الله، وفريق في السعير، وهم المنكرون لذلك في علي (عليه السلام).


(1). شواهد التنزيل/ ج2/ ص171 ـ 172.
(2). تفسير الدر المنثور/ ج6/ ص46.
(3). شواهد التنزيل/ ج2/ ص173.
(4). حلية الأولياء/ ج1/ ص64.
(5). هو أبو عبد الله، سعيد بن جبير الوالبي الأسدي الكوفي الفقيه، من كبار العلماء في التفسير، والفقه، والحديث وأنواع العلوم، ومن أجلاء التابعين، روى عن عدد من الصحابة، وروى عنه الكثير من التابعين وتابعيهم، أخرج أحاديثه كل أصحاب الصحاح الستة، وغيرهم من أصحاب الصحاح، والمسانيد، كان من أصحاب السجّاد، زين العابدين، علي بن الحسين ـ (عليهما السلام) ـ، قتله الحجاج عام (95) للهجرة، ذكره وترجم له الكثير من المؤلفين في الرجال والسيرة والتاريخ، نذكر جماعة منهم ـ من العامة ـ للمراجعة: ـ
محمد بن سعد كاتب الواقدي في (التعليقات الكبرى) ج6/ ص178
وعبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري في (المعارف) ص197.
وأبو بشر الدولابي في (الكنى والأسماء) ج2/ ص56.
ومحمد بن جرير الطبري في (تاريخ الأمم والملوك) ج8/ ص93.
وأبو عبد الإمام (البخاري) في (التاريخ الكبير) ج2/ ق1/ ص422. وفي (التاريخ الصغير) ص102.
وخير الدين الزركلي في (الأعلام) ج3/ ص145.
والمطهر بن طاهر المقدسي في (البدء والتاريخ) ج6/ ص39.
وأبو نعيم الأصبهاني في (حلية الأولياء) ج4/ ص272. وفي (ذكر أخبار إصبهان) ج1/ ص324.
والحاكم النيسابوري في (معرفة علوم الحديث) ح203.
وعبد الرحمن أبو محمد الرازي في (الجرح والتعديل) ج2/ ق1/ ص9.
وعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي في (تلخيص الطبقات) ص11.
وعبد الحي بن العماد الحنبلي في (شذرات الذهب) ج1/ ص108.
وأحمد بن عبد الله الخزرجي في (خلاصة تهذيب التهذيب) ص136.
ومحمد بن محمد الجزري في (غاية النهاية) ج1/ ص305.
وابن حجر العسقلاني في (تقريب التهذيب) ص143. وفي (تهذيب التهذيب) ج4/ ص11.
ومحمود بن أحمد العيني في (عمدة القارئ) ج1/ ص83.
ومحمد بن طاهر القيسراني في (الجمع بين رجال الصحيحين) ص144.
وعلي بن محمد بن الأثير الجزري في (الكامل في التاريخ) ج4/ ص237.
وعبد الرحمن بن علي بن الجوزي في (تلقيح فهوم أهل الأثر) ص232.
ويحيى بن شرف النواوي في (تهذيب الأسماء) ص287.
وآخرون...
(6). شواهد التنزيل/ ج2/ ص174.
(7). الكتاب المذكور/ ص101.
(8). شواهد التنزيل/ ج2/ ص175.
(9). شواهد التنزيل/ ج2/ ص172.
(10). روح المعاني عند تفسير سورة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم).
(11). شواهد التنزيل/ ج2/ ص176 ـ 177.
(12). تفسير الثعلبي المخطوط/ ج2/ الورقة 349/ الصفحة الأولى.
(13). الدر المنثور/ ج6/ ص64.
(14). سفينة البحار/ ج1/ ص242.
(15). تفسير الدر المنثور/ ج6/ ص66 ـ 67.
(16). الدر المنثور/ ج6/ ص66.
(17). كفاية الطالب/ ص111.
(18). الدر المنثور/ ج6/ ص66.
(19). المناقب لابن المغازلي/ ص315.
(20). صحيح الترمذي/ ج5/ ص298، الحديث المرقم 3800.
(21). شواهد التنزيل/ ج2/ ص171.
(22). ينابيع المودّة/ ص319.
(23). المناقب للكشفي/ أواخر الباب الأول.
(24). إسعاف الراغبين/ ص161.
(25). شواهد التنزيل/ ج2/ ص172.
(26). مجمع البيان/ ج9/ ص110.
(27). في ظلال القرآن/ ج26/ ص89.
(28). مجمع البيان/ ج9/ ص110.
(29). حلية الأولياء/ ج1/ ص63.
(30). كتاب (ماذا في التاريخ) / ج3/ ص156.
(31). الدر المنثور/ ج6/ ص75.
(32). المناقب للخوارزمي/ ص195.
(33). مناقب الخطيب البغدادي/ ص186.
(34). كفاية الطالب/ ص120.
(35). في ظلال القرآن/ ج26/ ص109.
(36). السيرة النبوية لابن هاشم/ ج3/ ص439.
(37). المناقب للخوارزمي/ ص177.
(38). مطالب السؤول/ ص46 ـ 47.
(39). أرجح المطالب/ ص29.
(40). مجمع البيان/ ج9/ ص126.
(41). في ظلال القرآن/ ج26/ ص116.
(42). تهذيب التهذيب/ ج7/ ص470.
(43). الطبقات الكبرى/ ج2/ ص111.
(44). صحيح مسلم/ ج5/ ص189 طبع صبيح.
(45). المستدرك عن الصحيحين/ ج3/ ص38.
(46). سنن البيهقي/ ج9/ ص131.
(47). البداية والنهاية لابن كثير/ ج7/ ص338.
(48). نهاية الأرب في فنون الأدب/ ج17/ ص252.
(49). شواهد التنزيل/ ج2/ ص180 ـ 184.
(50). شواهد التنزيل/ ج2/ ص180 ـ 184.
(51). أرجح المطالب/ ص88.
(52). المناقب لابن المغازلي/ ص322 ـ 323.